رأي

أعراب الأمة وامتحان فلسطين (فرج موسى)

 

أ.د. فرح موسى – الحوار نيوز

 

إن الأمة التي استهانت بحقها ودينها، وتسببت بقتل ابن بنت نبيها الإمام الحسين ع في كربلاء، هي ذاتها أمة الأعراب التي نتعايش معها اليوم، ونراها تسكت عن الحق الديني المقدس في فلسطين.

وقد سبق لأمة الأعراب هذه أن تخلفت عن رسول الله في يوم الفتح، وهو ما عرف بيوم (الحديبية)، الذي أثاب الله تعالى به المؤمنين، وجعله فتحا قريبا لهم؛ فهؤلاء الأعراب دعاهم رسول الله ليكونوا شركاء في الفتح، إلا أنهم أبوا وكانوا من المخلفين، وقالوا: “شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا …… لقد ظنوا أن الرسول ص مقتول في طريقه، ومأخوذ بمساغ ريقه، وقالوا: لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا …”، ولكنهم لما حان وقت الغنائم والفتح المبين في بطن مكة وغزوة خيبر، بدلوا رأيهم، وعزموا على اللحاق بقافلة النصر! وقالوا للرسول: “إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ….. فيا لها من مقاربة عجيبة أن تكون الأعراب اليوم ذات المواقف في التخلف عن قافلة الحق والحرية، ثم يكون منهم غدًا ما كان من أسلافهم من حرص على بروق المطامع، وطلب الغنائم. إنها الأيام التي جعلت دولا بين الناس، تتقاذفهم الأحداث وتمايزهم المواقف؛ فلا بأس أن يكون خيار الشهادة والموت في سبيل الحق وتحرير الأرض والمقدسات خيارًا ثابتًا وموقفا مميزا بين من اختاروا الهوان والصغار، ومن اختاروا الحرية والكرامة حتى الشهادة.

 

فأهل الحق اليوم تنتظرهم فتوح الإسلام رغم كل التضحيات والمجازر التي ترتكب بحقهم ظلما وعدوانا؛ فلن تكون فلسطين وأهلها بدءًا من الأوطان والشعوب، ولا بد أن يكون لها في امتداد الحق موقف تستوي به على أمجاد أمة القرآن في ما كان لها من مواقف الحق والثورة، وقد قال الإمام الحسين ع: “بنا فتح الله وبنا ختم….”، فأين يكون المبطلون والمخلفون من سعة هذا الامتداد؟ بل أين هم من البداية والنهاية في هذا الفتح ؟؟؟

 لا شك في أن مجازر غزة وفلسطين تنذر بإشراقة النور، وتستبطن فتحًا في عمق الموت والشهادة؛ فلتكن الأسوة برسول الله وأهل بيته الذين تركوا لنا من تجارب الموت والحياة ما يبشر أهل الحق بكل فتح وخلود؛ وهذا ما ترشد إليه تجارب أهل الإيمان في كل ما عرض لهم في طريق الحق. فإذا كان للأعراب أن يعتبروا، فليعودوا إلى التأسي بما سبق لأمة القرآن أن حققته من فتوح، وكسبته من غنائم في الدين والدنيا، على أن تكون سورة الفتح في القرآن الكريم درسا للأعراب في ما ينتظرهم في قابل الأيام، لعلهم بذلك يدركون معنى تخلفهم عن نصرة فلسطين، ويعون أن لا قدرة لديهم على أن يبدلوا كلام الله كما قال تعالى: قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل، فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا …”.

 إن غزة فلسطين، وكل فلسطين تمتحن بأعراب الأمة مجددًا؛ فهم يتخلفون عن نصرة الحق الفلسطيني طمعًا بمفازة التطبيع، بل نجدهم يتقارضون الثناء والنفاق في النصرة والمعونة وقد شغلتهم أموالهم وأطماعهم حتى بات العالم كله على دراية بحال الأعراب في ما هم عليه من بلاء وخوف، فضلا عما هم عليه من ترهل في الدين والسياسة، إذ هم لم يتعظوا من تجارب مهانتهم. وكم هو حرجهم كبير ومهين أن تخرج الشعوب الحرة في العالم نصرة لأهل فلسطين، وهم ينامون على اللدم، ويظنون ظن السوء كعادتهم في كل تاريخهم وتجاربهم، يأكلون من أموال المسلمين، ويبنون بكل ربع آية عابثين، كما قال تعالى: “وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا …”. والسلام

 * رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى