رأي

أخطر ما يواجهه المسيحيون: فكرة الارتباط الوجودي بالغرب (علي يوسف)

كتب علي يوسف – الحوار نيوز
من يراقب تصريحات ما يُسمى قيادات احزاب سياسية مسيحية يرى تلك الخلطة العجيبة بين الضحالة الفكرية والانعزالية التكوينية الهواجسية ،والارتباطات  الخارجية التي كانت اصيلة وتحولت الى اكثر من هشة ،كالحب  الذليل من طرف واحد ،مضاف الى ذلك مصلحية وانتهازية وضيعة غير لائقة  تُسقط  الحد الادنى من المعايير الاخلاقية  في التعامل في ما بينها وفي ما بين كل منها والاطراف اللبنانية الأخرى، بحيث  يصبح  الحقد لغة في الكلام والفكر والنظر والمعايير ، وصولا الى المواقف وبما ينسجم مع الانهيار السياسي والاخلاقي والمؤسساتي للسلطة اللبنانية،  وبما يجعلك  تفهم عوامل السقوط البنيوية  والاخلاقية للدولة اللبنانية….
بالطبع لا تقتصر هذه  الامراض المتنوعة على قيادات مسيحية، بل تطال  بعض ما بات ايضا يُسمى قيادات اسلامية بعد ان ادى هذا الانهيارالى سقوط مريع لمعنى القيادة على جميع المستويات،  وبما  ادى الى دخول عامل التعصب المذهبي والطائفي الى المربع الاول للوصف القيادي،  وما ادى الى  تسلق كثير من ذوي الانتهازيات  الرخيصة وذليلة التبعية الى الاوصاف القيادية  ..!!!
 وهذا بالطبع ما ادى الى  السماح بتنفيذ قرار عقوبة الانهيار الذي نراه في شبه الدولة الذي يسمى الكيان اللبناني  والى ازمة السلطة والمؤسسات  المستعصية
 وعدم القدرة على ممارسة السيادة   من دون وصاية حاسمة  وانهيار تكتلات واحلاف سياسية ك ١٤ آذار واتفاق مار مخايل ، والتي  كان لما أسميته “امراض قيادات مسيحية”،الدور  الاساسي  وان ليس الوحيد في  هذا الانهيار …!!
كيف تمثل هذا الواقع في  موقف قيادات مسيحية  ؟
١-ان مواقف جميع القيادات المسيحية   (ومعظم القيادات الاسلامية )  لا تعرف  او على الاقل لا تدرك   معنى الامن القومي ومندرجاته ، وهذا ليس صدفة او عجزا عن المعرفة، بل هو ناتج عن  قناعة ان الكيان اللبناني لا يملك المقومات الفعلية للدولة وانه تم وهبه  ليكون  وطنا للمسيحيين اساسا،  وبالتالي ان هذا الكيان محمي من قبل من وهبه  وان قوته تكمن في ضعفه  والذي يعني هنا ضعف اي هشاشة تكوينه المفتعل، وبالتالي كان هناك دائما شك في استمراره   والمطالبة دائما بإعلان كل ما يُسمى مكوناته انه “وطن نهائي “.
٢- ان اي  توجه نحو القضايا العربية وخصوصا قضية فلسطين كونها القضية المركزية في حال  تجاوز  البعد  الانساني ووصل الى التعارض  مع  الغرب او الى مواجهة الغرب يشكل تهديدا للبنان المُنشأ والمحمي من قبل الغرب والأم الحنون  فرنسا ومعلمها الحالي الاميركي .
٣-وهكذا ذهب لبنان  الى حلف بغداد في العام ١٩٥٨  وحصلت الحرب الاهلية ثم تحالف حزب الكتائب مع الكيان الصهيوني في العام ١٩٨٢ لاخراج الفلسطينيين من لبنان وضرب الحركة الوطنية ، وكل ذلك تحت شعار امن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار  وليس امن لبنان فوق كل اعتبار ..  وهو المعنى الحقيقي للارتباط المسيحي بلبنان، اي الارتباط  الطائفي  الذي يتحول وطنيا حين القدرة على مسك السلطة ويتراجع نحو الفدرالية وحتى التقسيم في حال اي خروج عن سياسة الغرب الذي يعتبره المسيحيون (للاسف )حامي وجودهم  في الكيان وبحيث تنعدم مفاهيم الدولة والسيادة  والمواطنة  وان كان الحديث عنها يتكرر لفظيا من دون اي مضمون …؟!!ولذلك نرى مثلا الاصرار على اقامة قداس على نية فرنسا  (الام الحنون)   بدلا من قداس على نية غزة وفلسطين، في الوقت  الذي تغطي فيه فرنسا ومعها الغرب الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني ولمصلحة سيطرة الكيان الصهيوني على مهد المسيحية  وعلى الكنائس المسيحية. ولا ينسى البطريرك ( بطريرك انطاكيا وسائر المشرق ) ان يشيد بالقيم الفرنسية متجاهلا سقوط هذه القيم  عند السكوت على الابادة لشعب ولحقوقه، ناهيك عما يمثل ذلك من ضرب للامن القومي اللبناني …؟؟!!
٤-وانطلاقا  من ذلك  ومما اوردناه حول الخلفيات والقناعات  تأتي مواقف  جبران باسيل الاخيرة،إن لجهة الدعوة  الى فصل لبنان عن جبهة غزة او لجهة اعتبار صراعنا مع العدو الصهيوني صراعا حدوديا، والتي تتناسق بالمطلق مع المواقف الاميركية والغربية التي تصب لمصلحة الكيان الصهيوني  .. تأتي هذه المواقف لتؤكد بوضوح عمق  قناعة ونظرة ان استمرار الوجود المسيحي في الكيان اللبناني  مرتبط بالعلاقة بالغرب وليس بالدولة اللبنانية وسيادتها  وامنها القومي المرتبط بالجغرافيا السياسية والقيم والحقوق،  ولتؤكد ايضا ان شعار المسيحية المشرقية عند باسيل ومن يؤيده هو شعار لفظي  يستعمل بانتهازية للتغطية على خطيئة الحلف السابق مع الكيان الصهيوني، وليس شعارا ينطلق من واقع تاريخي ومن رؤية  سياسية فكرية عقائدية دينية تشكل خلفية للوجود المسيحي في  مشروع الدولة اللبنانية التي تتكون من مواطنين وليس من مكونات …؟؟
ولن اتناول هنا  مضامين مواقف باسيل في العلاقة الانتهازية  مع حزب الله   فهذا شأن اتركه للحزب …. كما لن اعلق على ما قاله حول مشروع وثيقة بكركي   (التي لا تملك ادنى مواصفات صفة الوثائق  )حيث قال انها”  غير  كافية لأنها لا تتضمن خطة للمواجهة ” من دون ان يكلف نفسه ويقول لنا ماذا يعني بكلمة مواجهة، ومواجهة مع من؟؟؟ وماهي طبيعة واشكال وطرق هذه المواجهة؟ ( عقدة البشيرية )…
٥-اما سمير جعجع فهو الاكثر وضوحا في التعبير عن كل ما ذكرناه حول الخلفيات والسياسات و بوضوح، ومن دون اي ادعاءات  سوى الادعاءات اللفظية حول السيادة  وبناء الدولة التي تحولت الى ما يشبه محطات كلام اكثر ما هي شعارات ذات معاني لا فكرية ولا سياسية ..؟
(ولعله من المفيد الذكر على سبيل الترفيه قوله لمجلس نقابة المحررين  انه لا يريد “رئيس صورة “، ثم وبعد لحظات يقول انه تم الاتفاق والتقطع على رئيس  “فكة مشكل” ،من دون ان يكلف نفسه ويوضح ما الفارق بين الرئيس الصورة وبين الرئيس فكة مشكل …؟؟؟)
الا ان  المفارقة انه في حين يتجه جبران باسيل (المشرقي!) الى التقوقع والانعزالية   يذهب جعجع نحو التوسع في اتجاه العروبة التطبيعية مع العدو الصهيوني ، من دون ان يتورط في الحديث  المباشر عن التطبيع   على اعتبار انه بذلك يتجه من الانعزالية الى الانفتاح ويعطي بعدا اقليميا لمواقفه من جهة، ومن جهة ثانية يؤكد انتماءه  للمحور الغربي  وعبر انتمائه الى الموالين للمحور الغربي .. وهوبذلك يتفوق على باسيل بالنقاط  وليس بالرؤية او المشروع …
٦-اما سامي الجميل فهو  يعمل لمصلحة غيره متقلبا بين حدين في  نقطة واحدة هي نقطة التبعية المطلقة …!!!!!

ختاما يجب القول ان المطلوب وضع مشروع وطني انقاذي عام يسير متجانسا  وموازيا للمتغيرات الكبيرة الاقليمية والدولية المرتقبة سريعا تنقذ لبنان. ومضطرون للاسف ان نقول تنقذ مكوناته وفي طليعتهم المسيحيون الذين يجب ان يخرجوا من مفهوم المكون المرتبط بحمايات ومشاريع  الغرب، الى مفهوم الوطن ،حتى لا تتبدد المكونات الطائفية  المنشأة لدور واهداف مع تبدد  او تغيير خرائط واهداف  سايكس بيكو..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى