
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
لا الأميركيون، ولا العرب، ولا اللبنانيون، ان باللوثة الأمبراطورية، أو باللوثة القبلية، أو باللوثة الطائفية، يمتلكون أي تصور منطقي، أو واقعي، لحل الأزمة في لبنان. مسألة سلاح “حز.ب الله” مسألة طارئة، لكنها تستخدم، لأغراض تكتيكية أو استراتيجية. الأزمة أزمة وجود، بعدما أثبتت الأيام أن كل التجارب سقطت ان بفعل قصور الحكومات المتعاقبة عن بلورة مفهوم فلسفي للدولة، أو لاصرار القوى الطائفية التي تهيمن على المسرح السياسي، على الحيلولة دون وصول ديناميات التفاعل الى بناء مجتمع، وبناء دولة، غير قابل للانكسار أو غير قابل للانفجار.
لو كانت هناك دولة لما حكم ياسر عرفات لبنان، ولما وصلت دبابات آرييل شارون الى فناء القصر الجمهوري، ولما كان هناك “حز.ب الله”، وليس فقط سلاح “حز.ب الله”، وكل سلاح آخر، لا سيما سلاح المخيمات الذي يدار من شتى أنواع أجهزة الاستخبارات، أكانت عربية أم غير عربية، لتشكل تلك الحالة الشاذة، والخطرة، على الخشبة اللبنانية. ولو كانت هناك دولة لما أصابنا كل ذلك الخراب السياسي، والمالي، حتى لننتظر المبعوثين الأميركيين مثلما ننتظر الأنبياء، وكذلك مندوبي صندوق النقد الدولي، والتسول على باب هذا البلاط أو ذاك.
هكذا نجد أنفسنا بين أنياب دونالد ترامب، الرجل الذي تخرج النيران من أذنيه، والذي لا ينظر الى العالم الا كما ينظر الكاوبوي الى الالدورادو، وهو في الطريق الى الغرب الأميركي.
خدعة كبرى (خداع الذات بالدرجة الأولى) القول ان سلاح “حز.ب الله” هو العامل الأساسي في أزمة لبنان. الحز.ب لم يكن موجوداً لا أثناء وقوع أحداث 1958، ولا أثناء توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 ـ وهنا الفضيحة الكبرى التي فتحت كل أبواب جهنم ـ ولا أثناء الاجتياح الاسرائيلي عام 1978 ثم عام 1982. من بين القوى السياسية، أو الطائفية، وضعت أي خارطة طريق سوى الطريق الى الخندق، أو الى الفيتو، أو الى المقبرة؟
نعود ونكرر، فيما اسرائيل تعمل، وبالتأويل الدموي الصاعق للنص، لتنفيذ مشروعها التوراتي، أن أطرافاً عربية مؤثرة في لبنان تلجأ الى الاثارة القبلية والطائفية، لتلتقي، في نقطة ما، مع الهاجس الاسرائيلي، ليس فقط لأحداث تغيير في المسار السياسي، وانما لأحداث تغيير بنيوي في الصيغة اللبنانية، التغيير القاتل، بتركيب أكثرية طائفية، على أن تعطى بعض الطوائف حكماً ذاتياً على شاكلة كانتونات تحظى بحماية القوى الغربية، وحتى الاقليمية.
أمام هذه الغرنيكا السياسية، والطائفية، ما يتناهى الينا في الظل، ومن مصادر موثوق بها، أن هناك سيناريوات لا تتوقف عند نزع سلاح “حز.ب الله”، بل تتعدى ذلك على القضاء حتى على “الجناح السياسي” للحز.ب، أي أن يقصى عن السلطة التنفيذية، وعن السلطة التشريعية، ليتحول الى خردة بشرية لا بد لها أن تضمحل شيئاً فشيئاً داخل تلك الضوضاء الداخلية.
كلنا بتنا نعرف، وفي الطليعة الرئيس نبيه بري الذي يضطلع، في هذه الآونة، وبالتعاون مع الرئيس جوزف عون، بدور محوري، دور تاريخي، للحيلولة دون دخول البلاد في الحلقة المفرغة، وهي الحلقة الدموية، أن هناك بين السيناريوات المطروحة تهجير سكان الجنوب من مدنهم وقراهم، وتحويل الضاحية الى غزة أخرى، على أن يتم تحويلها لاحقاً الى بيفرلي هيلز اللبنانية، بدل أن تضج بالمساجد، والحسينيات، وبالتظاهرات الجنائزية.
في هذه الحال، الى أين يمكن ترحيل أكثر من مليون كائن بشري باتوا من دون سقف، ومن دون جدران؟ مسؤول حز.بي قال بـ “استحداث مخيمات لهم، على شاكلة المخيمات الفلسطينية أو السورية ريثما يتم ترحيلهم”. كل شيء وارد ما دام هناك دونالد ترامب في واشنطن، وما دام هناك بنيامين نتنياهو في تل أبيب، ناهيك ببعض القادة العرب، واللبنانيين، الأكثر هوساً بإزالة “حز.ب الله”، و “بيئته الحاضنة” من لبنان. هؤلاء الذين يعتبرون أن الخطر الحقيقي على المنطقة هو الخطر الايراني، وليس، في أي حال، الخطر الاسرائيلي.
المسؤولون الايرانيون لم يأخذوا بالنصائح الروسية، وقبل سلسلة الكوارث الأخيرة، لإعطاء الأولوية لتسوية المشكلة اليمينية التي تشكل ضرورة جيوسياسية، وجيوستراتيجية، للمملكة العربية السعودية، وهذا هاجس أي دولة تدفعها قوتها العسكرية، أو السياسية، أو المالية، أو الايديولوجية، الى توسيع نفوذها في المحيط. هذه هي النقطة الأساسية في قيام جبل النار، وكما تمنى الخليفة عمر بن الخطاب، أو جبل الجليد كما هي الحال الآن، بين ضفتي الخليج، بالرغم من كل تصريحات المجاملة.
ذلك الوضع ساهم، بصورة أو بأخرى، في التطورات الأخيرة التي أزالت أي اثر جيوسياسي مؤثر لايران في لبنان، لا بل ان “حز.ب الله” داخل الحصار الداخلي، والخارجي، والتي غيرت سوريا من الدولة الحليفة الى الدولة المعادية، وكذلك دخول العراق أكثر فأكثر في الغرفة الأميركية. ولكن هل تقبل الولايات المتحدة بحل المشكلة اليمينية، وهي التي كرست استراتيجية الأزمات المفتوحية، بل والأزمات الأبدية، في الجناحين الشرقي والغربي للعالم العربي ليبقى الحانة الخشبية في خارطة القوة.
في هذه الأجواء الملبدة، وحيث التفاعلات الايديولوجية، والاستراتيجية، وحتى التفاعلات الجيولوجية، ما زالت تهز الشرق الأوسط. لبنان، بخطى السلحفاة، يحاول اعادة بناء الدولة، دون أن يتضح لأحد، ما دام الصراع محتدماً حتى على صيغة الدولة، ما ينتظرنا، ومن ينتظرنا، وراء الباب…



