دولياتسياسة

أزمة أوكرانيا وجذورها التاريخية :هل نحن أمام هزيمة الغرب وأوروبا؟(أكرم بزي)

 

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز

مسودة اتفاق سلام جديدة تقترحها الولايات المتحدة وتقبل بها موسكو من حيث المبدأ، وتتضمّن مكاسب روسية واسعة النطاق.

 تعكس هذه التطورات تغيرًا في موازين القوى على المستويين الإقليمي والدولي، وتكشف عن تراجع النفوذ الغربي مقابل صعود محور روسيا–الصين.

 تهدف هذه المقالة إلى تحليل هذه التحولات ضمن سياق تاريخي وسياسي واستراتيجي، وربطها بالفاعلين الأساسيين في النظام الدولي: روسيا، الولايات المتحدة، أوروبا، والصين.

الإطار التاريخي: اتفاقيات مينسك وفشل الاحتواء

(اتفاقية مينسك) (2014)

  • وقف إطلاق النار
  • تبادل الأسرى
  • خطوط فصل بين القوات

انهار الاتفاق سريعًا بسبب الخروقات الميدانية.

(اتفاقية مينسك (2015)

  • وقف دائم لإطلاق النار
  • سحب الأسلحة الثقيلة
  • حكم ذاتي موسع لدونيتسك ولوغانسك
  • إصلاحات دستورية في أوكرانيا
  • استعادة الحدود بعد تنفيذ الإصلاحات.

أسباب الفشل

  • كييف اعتبرت الحكم الذاتي شرعنة للنفوذ الروسي.
  • موسكو رأت أن كييف لم تنفذ التزاماتها.
  • استمرار العمليات القتالية.

كانت مينسك محاولة لحفظ وحدة أوكرانيا، بينما اليوم تنتقل الأزمة إلى مرحلة تعترف فيها التسوية بواقع ميداني يكرّس المكاسب الروسية.

المسودة الجديدة: بنية الاتفاق وتوازن القوى

المكاسب الروسية المقترحة

  • اعتراف بسيادة روسيا على القرم وأجزاء من دونباس.
  • انسحاب أوكراني من محاور خيرسون وزابوروجيا.
  • تقاسم إدارة محطة زابوروجيا النووية.
  • تعديل الدستور الأوكراني لإلغاء خيار الانضمام للناتو.
  • سقف للجيش الأوكراني (600 ألف جندي).

المكاسب الأوكرانية/التعويضات

  • إعادة موسكو تدريجيًا إلى النظام المالي العالمي.
  • مشاركة في صندوق إعادة إعمار أوكرانيا.
  • استخدام الأصول الروسية المجمدة كاستثمار مشترك.

الضغوط الأمريكية

  • اعتبار أوكرانيا بلغت حدود الانهيار العسكري.
  • اندفاع واشنطن نحو إنهاء الحرب قبل توسعها.
  • تلويح بقطع الدعم إذا لم تقبل كييف المسودة.

التحولات الأوروبية: انهيار نموذج الأمن بعد الحرب الباردة

الأزمة الاقتصادية في أوروبا

  • خسائر تقدّر بـ 2.5 تريليون دولار.
  • أزمة طاقة ممتدة منذ 2022.
  • ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو.

الانهيار العسكري النسبي

  • نقص الذخائر في معظم جيوش أوروبا.
  • اعتماد كبير على الولايات المتحدة.
  • ضعف البنى الدفاعية التقليدية أمام الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.

الارتباك السياسي

  • صعود اليمين المتطرف.
  • انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي.
  • مخاوف من توسع الصراع.

نتيجة: أوروبا هي الحلقة الأكثر ضعفًا في هذا التوازن الجديد.

الصين: الطرف غير المعلن في معادلة الحرب

يُعد العامل الصيني من أهم العناصر التي لا تظهر مباشرة في المفاوضات، لكنها تشكّل خلفية استراتيجية واضحة للصراع.

الصين كمستفيد استراتيجي

  • إضعاف الغرب عبر استنزافه في أوكرانيا يخدم التوجهات الصينية.
  • تعزيز موقع اليوان وتفعيل مبادرة “الحزام والطريق”.
  • تحويل روسيا إلى شريك اقتصادي تابع نسبيًا لبكين.

الرسالة الصينية من الحرب

الصين تراقب بتمعّن:

  • فشل الغرب في تغيير الوقائع رغم الدعم الضخم،
  • قدرة روسيا على مواجهة العقوبات،
  • قبول الغرب في نهاية المطاف بتسوية لصالح موسكو.

وهذه الرسائل تُقرأ بوضوح في ملف تايوان:

“إذا اصطدمت قوة نووية بإرادة الغرب، فلن يغامر الأخير بحرب مباشرة.”

انعكاسات الحرب على شرق آسيا

  • اليابان تتجه نحو إعادة التسلّح.
  • كوريا الجنوبية تزيد من صناعاتها العسكرية.
  • تايوان تدرس “نموذج أوكرانيا” بحذر.

التحالف الروسي–الصيني

الحرب دفعت موسكو إلى أحضان بكين:

  • اعتماد كامل تقريبًا على السوق الصينية في الطاقة.
  • تعاون مالي لتجاوز الدولار.
  • دعم سياسي غير معلن.

الولايات المتحدة: من موقع القيادة إلى إدارة الانسحاب

يشير العديد من المفكرين الأميركيين (مثل باتريك بوكانن، جيفري ساكس) إلى أزمة داخلية بنيوية في الغرب تشمل:

  • تراجع القيم التقليدية،
  • أزمة ديموغرافية،
  • صراعات سياسية داخلية،
  • تراجع قدرة الولايات المتحدة على خوض حروب طويلة.

هذه الأزمات تجعل واشنطن تميل إلى “إغلاق ملف أوكرانيا” لتتفرغ للتحدي الصيني.

قراءة تحليلية: هل انتصرت روسيا؟

عناصر تؤيد الانتصار الروسي

  • توسع جغرافي فعلي على الأرض.
  • فرض خطوط تماس جديدة.
  • قبول غربي بالعودة الروسية للنظام الاقتصادي.
  • تطور في العلاقات مع الصين يضمن حماية استراتيجية.
  • اعتراف “ضمني” بأن الناتو لن يتوسع شرقًا في أوكرانيا.

عناصر تمنع الحسم الكامل

  • استمرار الرفض الأوكراني الرسمي.
  • معارضة بعض دول الناتو.
  • مخاطر حرب استنزاف طويلة.
  • احتمالية تغيّر القيادة في واشنطن أو أوروبا.

الاستنتاج العام

تحوّلت الحرب الروسية–الأوكرانية من صراع محلي إلى صراع عالمي يعاد خلاله تشكيل هرم النفوذ الدولي. المسودة الجديدة للسلام، إذا أُقرت، تعني:

  • انتصارًا استراتيجيًا لروسيا،
  • تراجعًا واضحًا للغرب،
  • ترسيخًا لصعود الصين كقوة موازية،
  • بداية تشكّل نظام عالمي متعدد الأقطاب.

الحرب أثبتت أن العالم يدخل مرحلة جديدة تتراجع فيها الهيمنة الغربية التقليدية، ويتقدم فيها محور موسكو–بكين ليشكّل إحدى أهم القوى في القرن الحادي والعشرين.

توصيات الدراسة

  • ضرورة متابعة التفاعل بين واشنطن وبكين لأنه العامل الأشد تأثيرًا في مستقبل الحرب.
  • تقييم قدرة أوروبا على إعادة بناء منظومتها الدفاعية.
  • دراسة التحولات العسكرية الروسية (خصوصًا في المسيّرات والصواريخ).
  • فهم تشابك العلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين كعامل متغير عالمي جديد.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى