أرفعوا الأغطية معي عن وجه عشواء(نسيم الخوري)
د.نسيم الخوري – الحوار نيوز
من يستطع منكم أن يقوى فيتناول إعلاميّاً أو إعلاميّة بملاحظة أو بكلمة ولو خافتة كمصابيح كهرباء لبنان المعتّمة. ما الفرق بين الإعلامي والسياسي؟.
لا فرق لأن لكل عنصر من المنظومة جيشه وسلاحه ولباسه ونشيده وعلمه ومدارسه وجامعته/معاته ووزراؤه ونوابه ومدراؤه واساتذته ووووووووووووووووووووووو
تعبت سبابتي فاعذروني لأعترف لكم:
أعترف سلفا بأنّني أخطأت جدا عندما تجرأت معتبرا الإعلام في لبنان هو سلطة السلطات وليس السلطة الرابعة وذلك عام ٢٠٠٠ في أطروحتي للدكتوراه الثانية بعنوانها الأساسي : “الإعلام وانهيارالسلطات” التي نشرها مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان : “الإعلام في لبنان وانهيارالسلطات اللغوية”. أخطأت لا لأنّها ليست كذلك، بل لأنّ السلطات الأخرى المتنوّعة الأبوية والأموميّة والمنزليّة والأخوية والذكورية والأنثوية والدينية والحزبية والسياسية والبرلمانيّة والوزارية والقضائية والتعليمية والجامعية والقانونية والرئاسيّة والأخلاقية والإجتماعية قد أفلت وتلفت وفلتت وسقطت في الحضيض في لبنان منذ زمنٍ بعيد، وبرزت عوضاً عنها سلطات الحريات والعنتريات المطلقة والسلطات المستوردة من السماء ومن القارات الخمس الحقيقية والشكليّة والسلطوية وسلطات الموضة والشفاه المنتفخة والثياب المزركشة والثقافات الضحلة وسلطات المال والرشوة والعشق السياسي المتنقل والإعلامي المتساوي وسلطات “عارف حالك مع مين عم تحكي” وسلطات الرانجوفيرات والألسنة والأيادي الفالتة من عقالها وآدابها.
كانت كريستين أوكرينت ملكة الشاشات الفرنسيّة في الثمانينيات، عرفتها أديبة وزميلة راقية أوّلاً، ولن أقول فيها سوى طلب النقر بأصابعكم على “غوغل” لتتعرّفوا على ملامح الآداب في ادارة سلطات الإعلاميات والإعلاميين والعار الذي نتابعه ويتابعه العالم من اشعال المواقد والسباب والتحقير والضرب بالأحذية وتكسير الاستوديوهات وتكسير رؤووس المشاهدات والمشاهدين صغارا وكبارا وكهولا وفقراء وابناء الدولارات وبناتهم في الساحات اللبنانية المتنوعة الفالتة الذين يصدقون ان لبنان هو مونت كارلو مع انهم في بقعة فالتة حيث لا حسيب ولا رقيب وحيث الفلتان الشامل والكامل هو عنوان ذاك الوطن الهزيل المسكين.
معظم الإعلاميات والإعلاميين وأصحاب الشاشات صاروا عندنا من ذريّة عشواء ويخلطون خبط عشواء.
دعينا نستلقي ابدا في العتمة يا عشواء ونهرب من مرارة البرامج وصراع الديكة والذئاب والوحوش والطيور الكاسرة التي تقضّ أيّامنا الباقية الفارغة ببرامجكم.
دعونا نتابع ذكرياتنا لحظةً سريعة في “فصل الإعلام”، وقد كان أسمها/إسمه صحافة أو أدباً أو تثقيفاً وجمالاً وذوقاً ولغة ورهافة في السياسة واحتراماً لا حدود له للمشاهد.
لم تكن الصحافة ذكراً بعضلاته وسبابه أو أنثى مختصرها عارضة أزياء ب”ماكياجاتها” وشعرها وغنجها وغناها وتسريحاتها وجمالها بمتر من قماش لا يستر عريها في شاشاتها او يختها الى سخافات أسئلتها وتعليقاتها ، أمام ملايين العيون الجائعة الحالمة ولو برغيف خبز أو بدولار واحد.
ما الفائدة من المعارض/البرامج الإعلامية في الشاشات باسم الحريّة التي حرقت ليالينا وسجوننا الوطنية المنتشرة عبر الطوائف والأحزاب كما الديوك نعم الديوك الجائعة في الأعياد فوق المطامر؟.
أعترف: لقد غلبت الإناث الذكور في ساحات القتال الإعلامي اليومي بين السياسيين وقطعاً بعدما غلبن رجالهن في المنازل، وبات قتال الإعلام كما الرقص والتمثيل السينمائي يؤدّي إلى عوالم التشويق والاعلانات الفضائحيّة والإنفصالات والطلاق والشتم والضرب والقتل.
يا لأزمنة الشؤم!
إن شئت أن تقتل أنثى صحافيّة شاشوية أو تسحقها فاحرمها من الظهور لفترة على الشاشة.
ولأنّني كنت بين أساتذة في كليّة الإعلام وعملت على فنون المقابلات لثلاثين، أشعر بنفسي اليوم وكأنّني ما زلت في كليّة الإعلام على شراسةٍ مقيتة ومقرفة (لي فيها كتاب مخطوط)، من حيث لا نهائية الصراعات بين طالبات وطلاّب القوّات والعونيين في كلية الاعلام. كان الصراع يدور آنذاك حول أدنى شيء ولو حول نظرة أو كلمة أو شعرة، حتّى حول مكان شجرة الميلاد مثلاً وعدد الكرات المعلّقة وألوانها، كانت تنشب الحروب فتشغل اجهزة الأمن المتنوعة.
كم كانت تلك الأعياد تمرّ من دون شجرة خضراء أو حتى مذود في زاويةٍ تذكاراً للميلاد.
لمعت الصبايا نجوما … نعترف بها إذن في الإذاعات وشاشات الفضائح، وهن “يَمْلَعْنَ” أي يقطعن رقاب رجال السياسة بفضح عريهم ورثاثتهم وانقساماتهم. الناس ملّت هذه الأحقاد المدفوعة المتراكمة بين المسيحيين وبين 8 و14 وبين العونيين والقواتيين وبين قصر بعبدا الفارغ والحكومة الضائعة وبين البرلمانيين الذين يجب سحب رواتبهم وتوزيعها على الفقراء ونسينا الهوة السحيقة بين المسلمين والمسيحيين وبين موارنة وموارنة حول كرسي من القش المطحون لطالما أفرغوها من معانيها ودورها وتاريخها ومستقبلها.
يصفّ إعلاميونا الناس في العتمة امام شاشة مضيئة خوفا من فواتير الكهرباء وتبدأ حفلاتُ “التوك شو” والأسئلة المحرجة والمقاطعات والتكذيب والتخوين والكلام والضحك والهزل الفارغ، و”قال عنّك كذا شو بتقول وشتمك واتّهمك أمس بتغريدة فبماذا تجيب”؟.
هكذا ترتفع أصوات المتحاورين فتنتشي السهرات والإعلاميّات أو حوريّات الشاشات العاريات الصدور والأكتاف والسيقان اللامعة فيعمّقن المسافات بين الضيوف حتّى يحل منتصف الليل لينشب الصراخ وتقوى الشتائم وضرب طاولات الإستديوهات، لكنّ الإعلامي او الاعلامية المحاورة لا تعرف ربّما أنّ بقايا المشاهدين في لبنان غادروا إلى الشاشات التركيّة والمصرية والإثيوبيّة منذ ما قبل المسيح وما عاد يعنيهم كلّ هذه البرامج السخيفة المملّة التي ساهمت بتدمير أمزجتنا وأعصابنا ولبناننا الثورة والحراك الميت والماضي والحاضر والمستقبل.
—