العالم العربي
أربعون عاما على غياب محمد صالح الحسيني:ذكريات من زمن الشهداء الأمميين
محمد صادق الحسيني
بين النجف وبيروت ، وطهران والقدس سرُّك مسكون بآية التمكين يا ابن السجّاد علي بن الحسين عليه السلام.
اسمح لي يا ابا احمد ان ابوح ببعض اسرارك قبل ان يخطفني الزمان من بين بقية السيف من احبابك ، أو يحرّف البعض ما تبقى من صورة ناصعة لحركة “إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً…”
أعرف انك الان اسعد من ذي قبل لكثرة من قدموا اليك على امتداد العقود الاربعة الماضية ، من كوادر حركة الشباب المسلم والعقائديين ، وتنظيم الدعوة التقاة ، والفتحاويين ولجان العمل الاسلامي ، والمحرومين ، ورجال الله من المقاومة الاسلامية والحرس الثوري كادراً وقيادةً وآخرين كثر منهم من نعرف ومنهم من لم نعرف واخيراً وليس آخراً أنيسك الذي لطالما راهنت عليه وعلى جيل الوحدة المتجدد لاحداث جبهة سرايا كما راهنت من قبل على العماد وابو حسن سلامة على اطلاق مقاومة اممية ، وحسنت مراهنتك فهاهي جبهتهم .. جبهتنا اليوم ممتدة من جزائر جبال الاطلس الى باكستان التبت وسور الصين العظيم، ليكون وطننا الاسلام وتسقط كل الحدود جميعاً الا حدود الله.
يا حفيد السجاد ومحمد فانت يوم بدأت نضالك الحركي مع الشيخ عز الدين الجزائري حفيد قائد ثورة العشرين، محوِّلاً تنظيمه من حركة اصلاحية الى حركة ثورية عاتبكَ الكثيرون ولم يكونوا يعلمون ان الخميني الكبير قادم ليعلنها ثورة عالمية تنفض الغبار عن مدرسة الاسلام و اهل البيت السياسية في الحكم لا من اجل ايران فحسب بل ومن اجل المستضعفين كل المستضعفين في العالم..!
يا ابن السجاد يوم بدأت العمل الثوري فتىً يافعاً كنت تحلم وتعمل ليل نهار ان توحد حركة الشباب والعقائديين والدعوة الى تيار واحد والسيد موسى الخوئي ابن المرجعية شاهد وكذلك بيوتات النجف والفقيد الكبير آية الله الاصفي الذي أسّر في اذني في طهران يوماً بالقول : هل تعرف ان اخاك الحسيني كان قد نظّمني في الحركة عنده ولطالما سعى لتوحيد الجهود ولكن تسارع الاحداث وقمع الطاغية العنيف والتهجير حال دون ذلك…!
اتذكر يا ابن السجاد يوم احتفلت بمولد النبي الاعظم في شارع الرسول جنب مرقد امير المؤمنين وقد تحدثت بالسياسة والحكم العادل حينما جاءك البعض مستنكراً فعلتك هذه متهماً إياك بانك اخطر من الشيوعيين والكفار على الحراك ، لانك تخلط الدين بالسياسة ، وحاول محاصرتك و عزلك .. لولا ان جاء الخميني الكبير وقطع نزاع القوم بدروس الحكومة الاسلامية… ومقولة “ان ديننا عين سياستنا وسياستنا عين ديننا”..!
هل تذكر يا ابن السجاد يوم انتقلت بدعوتك سريعاً من مناصرة ثورة الجزائر الى ثورة مصر ومن ثم الى كل الوطن العربي والاسلامي الكبير ، وصارت فلسطين وفتح التي كانت فلسطين ، بوصلتك ، كيف جاءك البعض محاولاً خلط الابحاث بطرح منع تقديم المفضول على الفاضل ، فلم تأبه بحرف البوصلة، وظلت منشورات فتح والديمقراطية والشعبية تصلك الى النجف الاشرف لتوزعها على كادر الحركة والانصار بهدف كي الوعي الرجعي واستبداله بوعي ثوري متجدد حتى نصرك الخميني الكبير من جديد يوم افتى بدعم الفدائيين الفلسطينيين وفتح وياسرعرفات ابو عمار بالاسم…
وصرت تخزّن السلاح بالآبار تمهيداً لايام الله ، وتوزع حراكك نحو الشمال الذي كنت تسمي بعض خونته بالاصبع الامريكي ونحو الجنوب الذي كنت تسميه بخزان الحركة والثورة ، الثورة التي انكسرت مؤقتاً بسبب غلبة عراق بقايا رجعية العثمانيين وخبث البريطانيين ، الذين سرعان ما اصدروا حكم الاعدام فيك وحاولوا تنفيذه ، لولا ان فلسطين احتضنتك و استدعتك لاكمال الواجب والتكليف وهي التي انقذتك من اعواد مشانق الطاغية..
هل تذكر يا ابن السجاد كيف انتقلت عبر عمّان المسبية الى بيروت كليمة البحر والتقيت بامام المحرومين والفقراء فكنت خير عون وسند له في السياسة كما في التثقيف الديني كما في العلاقات العامة وبقيت تتنقل بين المجلس الاعلى في الحازمية و صور المهنية ولم تغب عنك الفتح والبندقية يوم كان الدين الثوري مهجوراً …
هل تذكر يا ابن السجاد كيف اصبحت لولب اللقاءات بين اقطاب الامة ورموزها في بيروت الحوار والتقريب فتحمست لجمع المفكر الجزائري مالك بن نبي والامام الصدر ، و التلاقي والتعاون بينه و بين علماء اليمن الزيدين ابراهيم الوزير وشقيقه، ومن ثم كيف اصبحت الجسر الجامع والواصل بين الامام وابوعمار وكيفية انصهارهما في نشاط بديع ورائع يوم كرمّوا المعارض الايراني الكبير المفكر الراحل الدكتور علي شريعتي -الذي اغتيل مسموماً في لندن- ، في اطار مؤتمر موسع في بيروت …
هل تذكر يا ابن السجاد كيف اصبح موقعك الجديد عوناً وسنداً لكل رجال الله من ايران الذين صاروا يأتون اليك زرافات ووحداناً في بيتك في برج البراجنة ، من مناضلي الكفاح المسلح والثورة ضد الشاه، المكافح الاممي محمد منتظري و رجل البازار النبيل والشريف الحاج رفيق دوست ، بيتك الذي اصبح خلية نحل للعمل على الاطاحة بنظام الشاه من جهة كما لاجل انضاج الحراك الاسلامي الجماهيري في لبنان حتى جاءك رجل التقوى والزهد والعرفان موفداً من رجال المعارضة الايرانيين المقيمين في الغرب ، اعني الدكتور مصطفى چمران الامل والتحرير الذي سرعان ما نشط تحت عينيك وبمساعدتك في جبل عامل ومن ثم صار علماً في الدولة الايرانية المعاصرة ثم ارتقى شهيداً قائداً متميزاً…
هل تذكر يا ابن السجاد كيف كنت اول من خاض معارك التوحيد والجمع بين النبعة و تل الزعتر والمخيمات وابو الوليد نمر حماد وجواد ابو الشعر وصخر الاقليم وراجي النجمي وجنوب اللجان وبقاع النبي شيت الموسوية وخضت المعارك التوعوية حتى صار البعض يأخذ عليك وعلى رفاقك بانكم تريدون “اسلام سكر غليظ فيما لبنان اسلامه سكر خفيف…!”… الى حين واجهتكم الحرب الاهلية الشيطانية المجرمة ما دفعكم لتشكيل سرايا الدفاع عن الشياح والضاحية بوجه الانعزاليين والمرجفين حتى اتتك الرصاصات الرجعية الصهيونية التي كادت ان تودي بك لولا رحمة ربك و هي التي بقيت في جسدك حتى يوم استشهادك لتشهد على تلك المرحلة الشديدة الحساسية من حياة لبنان ..!