رأي

أحزاب مسيحية لبنانية في عزلة..وهذه هي الأسباب!(حسن عماشا)

 

كتب حسن عماشا- الحوار نيوز

 

يلحظ بعض المراقبين ان كبرى الأحزاب المسيحية، “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، امست تعاني من حالة عزلة غير مسبوقة في تاريخ لبنان داخلية وخارجية.

ويعزى ذلك بحسب هؤلاء إلى أخطاء ارتكبها كل من سمير جعجع وجبران باسيل في إدارة جملة من الاستحقاقات، منها استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية بداية، ورفع منسوب العداء تجاه “الثنائي الشيعي” مباشرة خاصة من قبل  القوات اللبنانية.اضف الى موضوع رئاسة الجمهورية، وهم عزل لبنان عن أحداث المنطقة وما يستتبعه من مواقف معزولة عن الواقع.

 

كما ساق الطرفان المسيحيان جملة من المواقف في إطار المزايدة بينهما من جهة ،وتحميل مسؤولية الأزمات التي يتخبط فيها لبنان إلى الأطراف الأخرى، ما أدى بحسب المراقبين إلى عزلة هذه القوى وخسارتها كتلتين اساسيتين في التركيبة اللبنانية، السنّة والدروز، فضلا عن خسارتهم لللشيعة.

 

تبقى هذه المقاربات، مهما تعددت المؤشرات والمواقف التي بنيت عليها، مقاربات سطحية لا تحمل اي تفسير للحالة التي تعيشها القوى المسيحية من عزلة واحباط، والتي تكمن أسبابها في جوهر الموقف الكنسي الماروني تحديدا.

 

هذا الموقف القائم على مبدأ ان الكيان اللبناني وجد لاجل الموارنة، يتجاهل حقيقة ان المتغيرات التي افقدت الكيان اللبناني دوره الوظيفي الذي انشئ من أجله قد اضمحلت بفعل تراكم جملة من العوامل الداخلية والخارجية على حد سواء،واهمها ان لبنان موطئ القدم للغرب بمواجهة العمق التحرري العربي لم يعد آمنا لاي إنزال غربي في شواطئه وموانئه على غرار ما حصل عام ٥٨ وتكرر عام ٨٢ الذي فيه قضي نهائيا على هذه الوظيفة.

اما الوظيفة الثانية فقائمة على اعتبار لبنان بلد الترانزيت والمعبر إلى الأسواق العربية،وهو دور قد اضمحل بفعل تنامي العلاقات الغربية – العربية، وخصوصا دول الخليج العربي من جهة واندلاع الحرب الأهلية عام ١٩٧٥ والتي قضت بدورها على قطاعات الخدمات والسياحة.

 

اما الوظيفة الثالثة والأهم، فقد كان لبنان يشكل الخاصرة الرخوة لسوريا في المواجهة مع الكيان الصهيوني وتحول إلى الجبهة التي تشكل خطرا وجوديا لهذا الكيان.

 

لقد لعب الموارنة دورا أساسيا في تأمين المصالح الغربية من موقعهم المتميز في السلطة عبر الامتيازات التي اكتسبوها من قبل الغرب ترجمت في الرعاية والحماية والمكاسب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية،إلى أن فقدوا القدرة على الاستمرار في ذلك الواقع بفعل تنامي الكتل الاجتماعية الأخرى وظهر ذلك في نتائج الحرب الأهلية (١٩٩٠/١٩٧٥) التي افضت إلى إعادة تقاسم السلطة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

 

جاء قبول الكنيسة المارونية تحت ضغط الحرب وخسارتها الوجود التاريخي في جبل لبنان إلى جانب الحروب الداخلية في بيئتها، (حرب التحرير وحرب الالغاء) فشكل محطة لالتقاط الأنفاس على أمل الانقلاب على هذه الصيغة مراهنة بذلك على الرعاية الغربية.

 

اما الرعاية الغربية فانتقلت لتبني بنية سياسية اجتماعية أخرى تمثلت بالحريرية السياسية ضمن مشروع تسوية للصراع العربي – الإسرائيلي. حاولت الكنيسة ان تعطل مسار التسوية الداخلية (الطائف) بمقاطعتها الانتخابات النيابة عام ١٩٩٢، ولم تفلح في الطعن بشرعيتها.

 

مقاومة ميشال عون الرافض نهائيا للطائف قد انتهت بالاستسلام والنفي، ومن ثم حاول سمير جعجع الانقلاب عليه ايضا، اي على الطائف،  بعد سلسلة من التفجيرات في مناطق النفوذ المسيحي تبين لاحقا ان قواته كانت تقف خلفها ورفع شعار “أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار”، لكنه انتهى في السجن، وصدر قرار بحل حزب القوات اللبنانية. وهكذا فقدت الكنيسة اي تأثير  وفقد المسيحيون اي زعامة وازنة.

 

 في المقابل اكتسحت الحريرية كل الامتيازات التي كانت للمسيحيين، فضلا عن اجتياحها البيوتات السياسية التقليدية واحتوت ارث منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية بدعم غربي وتمويل سعودي، وذلك على أمل أن يستعيد الكيان اللبناني بعضا من ادواره وخصوصا الجانب الأمني لضمان المصالح الغربية بلبوس الأعمار والتنمية، ولو اختلفت البنية الاجتماعية التي يرتكز عليها الغرب. بتعبير آخر انتقلت الامتيازات من المسيحيين إلى المسلمين السنة.

 

الا ان التخطيط لم يتلاءم من واقع المنطقة، فلا تسوية الصراع العربي – الصهيوني سلكت طريقها، ولا أمكن التخلص من واقع المقاومة في لبنان،  بل تعاظمت إلى الحد الذي لا يمكن لأي قوة داخلية او خارجية مواجهتها اليوم وانهاءها وتحولت الى  قوة اقليمية يحسب لها الحساب في أي صراع.

 

ونحن اليوم نعيش صراعا مفتوحا تتداخل فيه قوى الهيمنة العالمية وإلى جنبها أدوات كيانية في كل المنطقة العربية بمواجهة قوى تحرر ممتدة من فلسطين إلى اليمن مرورا بسوريا والعراق، وتلعب المقاومة في لبنان دورا مركزيا في هذا المحور المقاوم.

 

وفيما يتعاظم دور المحور وتراكم المقاومة الإنجاز تلو الاخر، نجد محور العدوان وادواته الكيانية والدول المنضوية فيه تتفكك وتتراجع امام ضربات المحور، كل ذلك في ظل متغيرات عالمية تصب في مصلحة هذا المحور التحرري .

 

هنا يمكن الاحباط والعجز الكياني المسيحي في لبنان، مهما تبجح زعماؤه بسرديات شعرية وايديولوجية. فهم بهذه السرديات يخرجون انفسهم من التاريخ،ولبنان الذي يحلمون به لن يعود إلى الحياة.

 

ان التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجه هذا الكيان لن تجد حلولا لها الا عبر التكامل مع المحيط الطبيعي، و من خلال التحرر من الهيمنة الغربية التي بدورها أصبحت عاجزة عن إيجاد حلول لازماتها بمواجهة المتغيرات العالمية، وهي لم يعد لديها اصلا ترف تقديم المعونات او الرعاية لاحد، مع الأخذ بعين الاعتبار ان معونات الماضي لم تأت كرما انسانيا من الغرب، انما كانت فائضا من ريع منهوب لقاء دور وظيفي.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى