رأي

أحداث السويداء وتحولات الزعامة الدرزية (أسامة مشيمش)

 

بقلم: د. أسامة توفيق مشيمش – الحوارنيوز

 

تشهد محافظة السويداء السورية منذ فترة تطورات ميدانية وأمنية لافتة، أدت إلى تحولات بنيوية في المشهد السياسي والاجتماعي للطائفة الدرزية، التي عُرفت تاريخياً بتماسكها وولائها لقياداتها التقليدية. ما يجري اليوم يعكس متغيرات داخلية عميقة تُعيد رسم خريطة الزعامة الدرزية، ليس فقط في سوريا، بل امتداداً إلى لبنان أيضاً، في ظل الترابط التاريخي بين دروز الجبلين.

 

ففي ضوء النزيف الدموي المؤسف في السويداء، برزت قوى شعبية جديدة تحت راية المشايخ، واستعادت الزعامات الدينية نفوذها التقليدي، ما أحدث نوعاً من الفراغ أو التصدّع في الأطر السياسية التقليدية. وقد استفاد بعض الفاعلين السياسيين من هذا الواقع المستجد، وعلى رأسهم الوزير السابق وئام وهاب، الذي عمد إلى تقديم نفسه كداعٍ لحركة تضامن درزية شاملة، عابرة للحدود الوطنية، في محاولة للتموضع كزعيم بديل أو مكمل للقيادات التاريخية ممثلة بوليد جنبلاط وطلال أرسلان.

 

ولعل اللافت في المرحلة الأخيرة هو دخول وليد جنبلاط مجدداً إلى الحلبة السياسية، رغم إعلانه التقاعد السياسي، وذلك من خلال اتصالات وتحركات تهدف على ما يبدو إلى إعادة بناء تحالفات قديمة – جديدة، خصوصاً مع حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، وربما أيضاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. هذا التقارب يعيد إلى الأذهان ما عرف بالاتفاق الثلاثي في ثمانينيات الحرب الأهلية اللبنانية، بين جنبلاط والراحل إيلي حبيقة ونبيه بري، والذي كان حينها محاولة لتشكيل توازن سياسي وعسكري إقليمي.

 

غير أن العودة إلى هذا النموذج في الظرف الراهن تصطدم بتعقيدات محلية وإقليمية جديدة. فالثنائي الشيعي، ممثلاً بحركة أمل وحز.ب الله، بات أكثر تشككاً من أي وقت مضى بأي مشروع سياسي يُشتبه في ارتباطه بما يسمى “المشروع الإبراهيمي”، والذي يُنظر إليه – في الأوساط الشيعية خاصة – كمظلة لتطبيع العلاقات بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل، وهو ما تعتبره هذه القوى تهديداً مباشراً لهويتها ومشروعها المقاوم في المنطقة.

 

من جهة أخرى، فإن التحالف بين جنبلاط وجعجع، إن حصل، سيطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة هذا الثنائي على إحداث اختراق فعلي في المعادلة الداخلية، في ظل انكفاء بعض الزعامات التقليدية، وتقدم وجوه جديدة تتحدث بلغة شعبية، وتستند إلى شرعية ميدانية حقيقية، كما هي حال القوى التي تسيطر ميدانياً في السويداء اليوم.

 

المشهد الدرزي، إذاً، يعيش مرحلة انتقالية دقيقة، تتأرجح بين إرث الزعامات التاريخية وصعود حركات جديدة نابعة من الواقع الميداني. وفي هذا الإطار، تبدو كل محاولات التوظيف السياسي لما يجري محفوفة بالمخاطر، في ظل شبكة مصالح إقليمية ودولية متشابكة، ومع تصاعد الحساسيات الطائفية والمذهبية في المنطقة.

 

وفي المحصلة، لا يمكن قراءة الأحداث في السويداء بمعزل عن السياق الإقليمي العام، ولا يمكن تجاهل تأثيراتها المحتملة على المعادلة اللبنانية الداخلية. ولكن يبقى الأهم أن يُترك لأبناء الطائفة حقهم في تقرير مستقبلهم، بعيداً عن حسابات المحاور والزعامة، وأن تُعطى الأولوية لحماية المجتمع ومصالحه، على أي رهانات سياسية ظرفية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى