
بقلم منى سكرية*

لم تكُن هدى سويد على دراية تشبه التنبّؤ، أو قراءة الطّالع، عندما شاهدت «إيطاليا تجثو حتى الركبتين»، أنها بإصدارها الجديد ستقدّم للقارئ صورةً مغايرة عن إصدارها في 2020 الذي حمل عنوان «إيطاليا الخفية».
في «إيطاليا الخفية»، جالت بنا سويد، مُمسكة بيدنا، بعيون مفتوحة/ مندهشة بين روائع الحضارة الإيطالية، ونوابغ مثقّفيها، والنحّاتين، والموسيقيّين وسحر الطبيعة والجبال والبحر والمتاحف… أما في «أنا أبقى في البيت» (2021 ــ دار الفارابي)، فالعنوان دليل المضمون، والوباء ذاكرته، والكابوس المتنقّل، مُتنقّلٌ أيضاً في سطور يوميّاتها خلال أقل من سنتين من انتشار كورونا.
إيطاليا التي جَثَتْ على ركبتيها كما تصف سويد، وكشفت عنه في إصدارها هذا، تكاد تكشف المستور من دولة تتلوى ما بين مافيا ومؤسسات، أو دولة مسكونة بمافيا.
لقد كشف وباء كوفيد 19 عيوب المجتمع الإيطالي، كما الكثير من مجتمعات عدد من الدول، وثغرات بُنى قطاعاتها، وفضحت دفائن النفس البشرية بما تقتصر على شهواتها اللحظوية والرغائبية، وإن كان خطر الوباء نزيل المجالس، يسكن حيث يسكن الناس، يراهم ولا يرونه، يلتقطهم عالطاير، وقد ينجو البعض – ونجوا فعلاً – ، في حين لم يتمكّن البعض الآخر من الإفلات من عقابه بسبب اللامبالاة، فكان القبر المستقرّ الأخير. في «إيطاليا الخفيّة»، قطعت سويد ميدانياً آلاف الكيلومترات استنطقت خلالها إرث إيطاليا الحضاري، وفي «أنا أبقى في البيت» قطعت أنفاس القارئ. وفي الكتابين، برعت بموهبتيها في الصّحافة الاستقصائية وحشر الأنف في كلّ تضاعيف آثار الوباء وما نجم عنه، وفي الكتابة الأدبيّة ووجدانيات ليالي التأمّل بمعنى الغربة والمكان والموت، وأيضاً في سِيَامة ذاتها بالانتماء الإيطالي واندماجها به وبدواخل بيئته. تقفّت سويد أَثَر بصمات الوباء، فاتصلت بأطباء واستفسرت منهم، وَوَفَتْ بذكر أسمائهم/ ن، وسألت وكتبت تأكيداً منها لما سمعته وتداولته وسائل ووسائط الإعلام، مستعينة بنباهة البحث عن المتاعب خوفاً من انزلاقات التضليل. وذكرت أن إيطاليا التي «تُعتبر من ضمن البلدان الرائدة في الإنتاج السينمائي، بدأت بإسدال ستارة الحياة على أفلامها الرومنطيقية والكوميدية مُكتفية تدريجاً بالأفلام السوداء».
