آلية انضمام لبنان الى المحكمة الجنائية الدولية
قبل التوسع في معالجة آلية وأصول انضمام لبنان الى نظام المحكمة الجنائية الدولية في حال قرر ذلك بعد ازالة جميع المعوقات القانونية والقضائية، يهمني ان اؤكد على وجوب انضمام لبنان الى نظام روما الاساسي . كما يهمني ان استعرض سريعا" وبإختصار في هذه المقدمة موضوع إختصاص المحكمة الجنائية الدولية ومدى تأثيرها على السيادة الوطنية ، لأشير الى أن ممارسة المحكمة المذكورة لصلاحياتها وسلطاتها لا يمثل إنتهاكا للسيادة الوطنية للدولة عندما تسمح هذه الاخيرة لجهة أجنبية بممارسة إختصاص أصيل مرهون من حيث المبدأ بسلطاتها القضائية المحلية.
فالمادة 10 من ديباجة "نظام روما" الاساسي تؤكد على أن المحكمة الجنائية الدولية هي مكمّلة للولايات القضائية الجنائية الوطنية، كما تعتبر المادة 17 من النظام الاساسي ان المحكمة الجنائية الدولية لا تحل محل الاختصاصات القضائية الوطنية، انما تتدخل حصرا حينما لا تتوافر لدى الدول الرغبة في الاضطلاع بالتحقيق وبالمقاضاة أو القدرة على ذلك. فنظام "روما" يشجع الدول على ممارسة سلطاتها القضائية على الجرائم الداخلة ضمن إختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، ولا يجوز للمحكمة ممارسة سلطاتها القضائية إلا اعمالا للأحكام الواردة في المادة 17. وتفسير ذلك، بحسب الدكتور شريف عتلم، ان هذه الاتفاقية المنشأة بمعاهدة دولية يتجسد فيها المبدأ الاساسي في قانون المعاهدات "مبدأ الرضائية"، فالدول في هذه الحالة لا تتعامل مع محكمة اجنبية او ولاية قضاء أجنبي، وانما تتعامل مع جهاز قضائي دولي شاركت في انشائه كدولة طرف، وتساهم في الاجراءات الخاصة بتسييره باعتبارها أحد أعضاء جمعية الدول الاطراف كتعيين القضاة مثلا.
من هنا لا يمكن القول ان الدولة تتنازل عن إختصاص محاكمها المحلية لولاية قضاء أجنبي، وانما تعتبر المحكمة الجنائية الدولية امتدادا لولاية القضاء الوطني. فسندا لمضمون نظام روما الاساسي، لا ينعقد الاختصاص للمحكمة الدولية اذا قامت الدولة بواجبها في الاضطلاع أو المحاكمة. اما اذا لم ترغب الدولة او كانت غير قادرة على الإضطلاع بواجبها، فانها تحيل بذلك إختصاصها الى المحكمة الجنائية الدولية. وهذا ما أيداه المجلس الدستوري الفرنسي ومجلس الدولة الاسباني، فاعتبر الاول انه لا تعارض بين إختصاص المحكمة الدولية والشروط الاساسية للسيادة الوطنية. اما الثاني، فاشار الى ان الحق الدستوري في الحماية القضائية الفعالة لا تقتصر على الحماية التي تكفلها المحاكم الاسبانية وانما قد يمتد الى الهيئات القضائية التي تقبل اسبانيا باختصاصها.
اما بالنسبة لمعالجة آلية انضمام لبنان الى نظام المحكمة الجنائية الدولية، فاننا سنعالج ذلك على مستوى القانون الدولي العام (اولا) وعلى مستوى القانون اللبناني الداخلي (ثانيا).
أولا، على مستوى القانون الدولي العام:
حضر لبنان أعمال مؤتمر روما سنة 1998، لكنه رفض التوقيع دون توضيح أهداف واسباب هذا الموقف. حتى تاريخه، 123 دولة تشكل الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بينها 33 دولة أفريقية، و 19 دولة من دول آسيا والمحيط الهادئ، و 18 من أوروبا الشرقية، و 28 من دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، و 25 من دول أوروبا الغربية ودول أخرى.
أما اليوم، فيمكن للبنان أن ينضم الى "نظام روما الأساسي" عبر عملية تعرف قانونيا" باسم "الإنضمام" ، بالفرنسية ADHESION وبالإنكليزية ACCESSION.
والإنضمام هو عمل قانوني تصبح به دولة ليست طرفا" في معاهدة دولية طرفا" فيها. ويتحقق ذلك بإعلان يتم وفقا" لبند في المعاهدة يجيز هذا العمل. والمادة 15 من إتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات ترى في ذلك طريقة للتعبير عن موافقة الدولة على الإرتباط بمعاهدة ما.
بتعبير آخر، يتم الإنضمام الى معاهدة ما عبر التوقيع والتصديق عليها في خطوة واحدة.
وقد أشار "نظام روما الأساسي" صراحة وحرفيا في المادة 125 منه فقرة 3 على ما يلي:
"…3- يفتح باب الإنضمام الى هذا النظام الأساسي امام جميع الدول، وتودع صكوك الإنضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة."
ما يعني أن "نظام روما الأساسي" هو من نوع المعاهدات المفتوحة لانضمام جميع الدول، ويتم ذلك عبر ما يسميه القانون الدولي "الإنضمام بالإرادة المنفردة" ويعني ذلك أن الدولة التي ترغب في الإنضمام الى المعاهدة، توجه إعلانا منفردا وتودع صك الإنضمام لدى الجهة المعينة في هذه المعاهدة، وكما هو وارد في المادة 125 فقرة 3 من "نظام روما الأساسي"، يتم الايداع لدى الأمين العام للأمم المتحدة.
أما بالنسبة لمسألة إمكانية ممارسة اية تحفظات من جانب الدولة اللبنانية على "نظام روما الاساسي"، فإن التحفظ على مستوى عملية الإنضمام ينطوي بحسب الفقه على الكثير من المساوئ. والسبب المنطقي هو أن الإنضمام يتم في وقت تكون فيه المعاهدة قد أصبحت نهائية بين الأطراف الأصليين. والتحفظ في هذه الحالة يعني رغبة الدول التي تريد الإنضمام في فرض تعديلات منفردة على الأطراف الأصليين، وخصوصا على مستوى المعاهدات الشارعة أو التشريعية، فإن التحفظ ينطوي على سيئة كبرى تتجلى في إلغاء المساواة بين الأطراف المتعاقدة، وفي إثارة صعوبات جمة في تفسير المعاهدة والحيلولة دون قيام المعاهدات الجماعية بوظيفتها الأساسية التي تتلخص في تحقيق وحدة القانون. فالمعاهدة الجماعية تشكل فعلا" مجموعة متوازنة من الحقوق والواجبات لا مكان للإختيار الإستنسابي فيها.
والحقيقة أن ممارسة التحفظات تتناقض مع مبدأ وحدة المعاهدة وتكاملها وتؤدي الى تفتيت هذه المعاهدة الى سلسلة من الإلتزامات وتعرقل تقدم القانون.
وقد أغلق "نظام روما الأساسي" باب الجدل على هذا المستوى عندما نص في المادة 120 منه على أنه "لا يجوز إبداء أية تحفظات على هذا النظام الأساسي". لذلك فان اية تحفظات من الجانب اللبناني ليس لها اية قيمة قانونية.
في حال انضمام لبنان الى "نظام روما الأساسي"، يبدأ نفاذ هذا النظام في اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع صك انضمامه وذلك سندا" للفقرة 2 من المادة 126 من النظام الأساسي المذكور.
ثانيا"، على مستوى القانون اللبناني الداخلي – السلطة التنفيذية:
يمثل رئيس الجمهورية لبنان، تجاه جميع الدول الأجنبية، بوصفه رئيسا للدولة.وقد كانت هذه الصلاحية خطيرة، قبل تعديلات اتفاق الطائف، منقولة عن المادة 8 من القانون الدستوري الفرنسي تاريخ 18 تموز 1875 في عهد الجمهورية الثالثة، قد حددتها المادة 52 من الدستور بنصها المعتمد بعد تعديله سنة 1943 وقبل تعديلات 1990، بما يلي:
" يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، ويطلع المجلس عليها حينما تمكنه من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة، والمعاهدات التجارية، وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا تعد مبرمة إلا بعد موافقة المجلس عليها".
وفي نص هذه المادة الأصلي، كما ورد في الدستور، بتاريخ صدوره سنة 1926، كانت هذه الصلاحية مقيدة بالإنتداب اذ اعتبرت هذه المادة وقتئذ، بأن رئيس الجمهورية لا يمارس هذه الصلاحية "إلا مع الإحتفاظ بنص المادة 3 بصك الإنتداب"، وقد جعلت المادة الثالثة، جميع العلاقات الخارجية من مفاوضات، وعقد معاهدات، من اختصاص الدولة المنتدبة المطلق. حال هذا النص في عهد الإنتداب دون ممارسة لبنان علاقاته الخارجية بنفسه، فكان السند القانوني التي ارتكزت عليه الدولة المنتدبة، بغية احتفاظها بهذه الصلاحية لكي تمارسها باسم لبنان وسوريا وتلزمهما بالمعاهدات والإتفاقات التي أبرمتها لحسابهما.
تم إلغاء هذا القيد نتيجة التعديل الإستقلالي للدستور، بمقتضى القانون الدستوري الصادر في 9 تشرين الثاني 1943.
وكانت قد تعدلت المادة 52 المذكورة مرة أولى، بحكم الغاء مجلس الشيوخ، بموجب القانون الدستوري الصادر في 17 تشرين الأول 1927، إذ أن الموجب المترتب على رئيس الجمهورية، بإطلاع المجلس النيابي على المعاهدات، والمحددة في النص، كان يتناول أيضا" مجلس الشيوخ.
فموجب نص المادة 52 القديمة من الدستور، كانت العلاقات الخارجية من اختصاص رئيس الجمهورية وتبعا" لهذا النص كان عقد المعاهدات وإبرامها حقا" مطلقا" له، فهو يختص بمفرده بالمفاوضة بشأن عقد هذه المعاهدات وإبرامها. ولم يفرق هذا النص أيضا" بين المفاوضة NEGOCIATION والإبرام (او التصديق) RATIFICATION بشأن عقد المعاهدات . ذلك أن المفاوضات قد تكون في بعض الدول كفرنسا من اختصاص الحكومة، فإذا ما وصلت الى نتيجة نهائية جاء دور التصديق وهو اختصاص رئيس الدولة الشخصي.
إلا أن التعديل الدستوري الصادر في 21/9/1990 قد أناط صلاحية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية برئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة، على أن لا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء عليها. وأصبح النص الجديد للمادة 52 من الدستور كالتالي:
" يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة، والمعاهدات التجارية، وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن ابرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب. "
وتجدر الإشارة الى أن المادة 52 الجديدة قد نصت على الإبرام مرتين: مرة أعطت الحق في الإبرام لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ومرة ثانية أعطته لمجلس الوزراء. وكان الأحرى أن تستخدم المادة 52 التوقيع عند ذكر صلاحية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. من هنا وبموجب نص المادة 52 من الدستور، تكون العلاقات الخارجية من اختصاص رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس الوزراء.
فيما يخص مسألة إنشاء العلاقات الخارجية، تعود الصلاحية الى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من حيث المفاوضة والتوقيع، والى مجلس الوزراء من حيث الإبرام. فهذا الإختصاص بالمفاوضة يمارسه رئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة، على أن صلاحية الإبرام هي لمجلس الوزراء بعيدا عن رقابة البرلمان، إذ أنه لا يلتزم بأن يطلع البرلمان عليهاـ كما جاء في المادة 52 من الدستور، إلا حينما تمكنه من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة، بما يعني إذن أن باستطاعة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبموافقة الحكومة، أن يربط لبنان بمعاهدات من أنواع شتى كالأحلاف العسكرية والمواثيق السرية، بدون أن يعلم البرلمان بأمرها وأخذ موافقته عليها. ومن الأمثلة على ذلك إتفاق القاهرة بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي لم يعرض لا على المجلس النيابي ولا حتى على مجلس الوزراء، باعتبار أن الصلاحية في المادة 52 القديمة كانت من اختصاص رئيس الجمهورية وحده. كما كان بإمكان هذا الاخير ربط لبنان بمعاهدات وأحلاف عسكرية دون حتى موافقة أو علم مجلس الوزراء.
اما بعد التعديل الدستوري الصادر في 21/9/1990، فلقد الزم المشرّع موافقة مجلس الوزراء على مضمون المعاهدة لابرامها وبالتالي نزع من رئيس الجمهورية صلاحية الابرام وعقد معاهدات سرية دون موافقة الحكومة. مما يعني ان الانضمام الى نظام روما الاساسي يحتاج الى موافقة مجلس الوزراء اللبناني (موافقة ثلثي عدد اعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها- المادة 65 فقرة 5 من الدستور) على مضمونه، فيكون عندئذ توقيع وتصديق النظام المذكور جائزا لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ، وذلك على مستوى السلطة التنفيذية .
ثالثا، على مستوى القانون اللبناني الداخلي – السلطة التشريعية:
اما على مستوى المجلس النيابي، فيطرح السؤال عن ماهية دور البرلمان لناحية عقد وابرام المعاهدات الدولية، خصوصا بما يتعلق بنظام روما الاساسي. فلقد ميّزت المادة 52 من الدستور بين المعاهدات التي لا تعد مبرمة الا بعد موافقة مجلس النواب، وبين المعاهدات التي اعطت الحكومة صلاحية الاستنساب في اطلاع المجلس النيابي عليها "حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة".
فهل يعني الاطلاع مجرد اخذ العلم من قبل المجلس النيابي، ام يتجاوز ذلك الى التصديق على المعاهدة؟
لقد اجاب العلامة ادمون رباط على هذا السؤال، اذ اعتبر انه لا يبدو معقولا ان تقتصر صلاحية مجلس النواب في هذه الحالة على الاطلاع دون المناقشة، وعلى المناقشة دون المصادقة على هذه المعاهدة او ردها، اذ ان لمجلس النواب في هذه الحالة ان يمارس صلاحيته السياسية، بإجراء الرقابة على اعمال السلطة الاجرائية في الحقل الدولي كما يمارسها بصورة مستمرة وبحكم قواعد النظام البرلماني على اعمالها من جهة سياستها الداخلية على اختلاف انواعها وميادينها.
الا ان السلطة الاستنسابية المقررة لرئيس الجمهورية، بعرض المعاهدات على البرلمان او بكتمان امرها –وذلك بالطبع بموافقة الحكومة – مقتصرة مبدئيا وبشكل عام على المعاهدات السياسية .
ان عبارة المادة 52 من الدستور "حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة" هي مطاطة يمكن التوسع في تفسيرها واساءة استعمالها. فقد تكون شروط المعاهدة التي تعقدها الحكومة سرية، وقد يمضي وقت طويل دون ان يطلع مجلس النواب على هذه الشروط وقد يكون في هذا مساسا بمصلحة البلاد العليا. وهنا تماشيا" مع حق الحكومة بعدم اعلان شروط المعاهدة الا عندما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد، اقترح بعض الاختصاصيين في ميدان القانون الدستوري ان تضاف الى نص المادة 52 من الدستور فقرة جديدة تتعلق بشروط المعاهدات هذا نصها:
" لا يجوز في أي حال من الاحوال ان تكون الشروط السرية في معاهدة ما متناقضة مع الشروط العلنية ". وذلك تماشيا مع ما نصت عليه الدساتير الحديثة.
اما بالنسبة للمعاهدات الخاضعة الى مصادقة مجلس النواب عليها، فهي اذن:
اولا – المعاهدات التي تتصل، من بعيد او قريب، بمالية الدولة، كالاتفاقيات المشتملة على الاقراض او الاستقراض، وعلى المساهمة المالية في المنظمات والمشاريع الدولية.وتعد من النوع ذات الاثر الخطير على سياسة الدولة المالية لما قد تستتبعه من عبء على خزانة الدولة.
ثانيا – المعاهدات التجارية، على اختلاف انواعها، وبما للتجارة من مفهوم اقتصادي واسع، كالاتفاقيات الجمركية والجوية والبريدية والتلفونية والاذاعية …
ثالثا- سائر المعاهدات التي "لا يجوز فسخها سنة فسنة" ، وهي بشكل عام المعاهدات السياسية والقانونية والقضائية ، اذا ما كانت معقودة لمدة تتجاوز السنة، وهي التي تعتبر ايضا" من المعاهدات التي قد يكون لها اثر خطير على النهج العام للدولة على المستويات السياسية، القانونية والقضائية .
وهو استثناء ينطوي على قيد لسلطة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء الاستنسابية بما يتعلق بالمعاهدات التي يستطيع ابرامها بدون ان يكون ملزما بان يطلع مجلس النواب عليها، الا "حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة".
تجدر الاشارة الى ان غالبية الدول الديموقراطية تعطي السلطة التشريعية صلاحية التصديق على المعاهدات على اختلاف انواعها. ولذلك، وكما يشير الدكتور زهير شكر، كان من المفترض ان يتضمن التعديل الدستوري الاخير اعطاء البرلمان هذا الحق بدون اية قيود، خاصة وان تمييز الدستور بين المعاهدات غير المالية والتجارية التي يجوز فسخها سنة فسنة والتي لا يجوز فسخها سنة فسنة، غير دقيق ولا يؤثر في التزامات الدولة. فبإمكان الحكومة التنصل من عرض المعاهدة على البرلمان من خلال تضمين نصوص المعاهدة امكانية الفسخ سنة فسنة. مع ذلك يبقى للمجلس النيابي الكلمة الفصل في شتى انواع المعاهدات من خلال اصراره على الاطلاع عليها تحت طائلة التهديد بحجب الثقة عن الحكومة. ولا يمكن الادعاء بان السرية تفرض اعطاء الحكومة صلاحية الإستنساب في عرض المعاهدة على المجلس النيابي، كون هذا الاخير هو الممثل الاول لإرادة الشعب اللبناني ولا يجوز التشكيك بممثلي الامة.
من هنا، يدخل نظام روما الاساسي ضمن المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة والتي تستوجب موافقة المجلس النيابي اللبناني الالزامية نظرا لأهمية هذه المعاهدة ولخطورة الالتزامات الناتجة عن انضمام لبنان الى نظام المحكمة الجنائية الدولية.
بعد الحصول على موافقة السلطتين التنفيذية والتشريعية، يتم الانضمام الى نظام روما الاساسي عبر التوقيع والتصديق عليه في آن معا". ويقتضي بالتالي لجعل المعاهدة المشار اليها نافذة، ادخالها في نظام القانون الداخليIntroduction des traités dans l`ordre juridique interne ، وبالتالي لا تصبح نافذة وبمنزلة القوانين المرعية الاجراء ، الا بعد اصدارها ونشرها اسوة بالقوانين التي يقرها مجلس النواب، فيصدرها وينشرها رئيس الجمهورية . الا ان الدستور اللبناني لا يتناول هذه العملية ولم يلمح اليها في احكامه، كما انه لم يصدر في لبنان حتى الآن قانون خاص بتنظيم اصولها بخلاف الدساتير الحديثة التي تتضمن اصولا دقيقة ترمي الى تنفيذ المعاهدات والاتفاقيات الدولية على غرار القوانين الداخلية. ومن هذه الاصول ايضا تلك التي تجعل من النصوص الدولية هي وحدها النافذة في حالة اختلافها مع القوانين الداخلية ومن الامثلة على ذلك المادة 55 من الدستور الفرنسي.
اما في لبنان لا يسعنا سوى الرجوع الى الاصول المقررة في الدستور، بما يتعلق باصدار القوانين (المادة 51) ونشرها (المادة 56). وهي الاصول التي يقتضي تطبيقها على نظام روما الاساسي وسائر الاتفاقيات الدولية التي يعقدها لبنان مع الدول الاجنبية، لكي تصبح في اقليمه وداخله وبالتالي جزءا من انتظامه القانوني.
*محام دولي و أستاذ جامعي (هذه المقالة منشورة بالانكليزية في مجلة نقابة المحامين في بيروت " العدل" سنة 2018- عدد4 ص 1661-1668)