
حسن علوش – الحوارنيوز
ارتكزت الدبلوماسية اللبنانية تاريخيا الى مبدأ التوازن في علاقاتها الدولية، فلم تقطع علاقاتها مع أي دولة عربية أو أوروبية أو أميركية بشمالها وجنوبها، بإستثناء الدولة الكيان الإسرائيلي الغاصب والذي يجاهر بأطماعه في الموارد اللبنانية ،فضلا عن مساحات من أرضه، وهو ارتكب في سبيل ذلك المجازر بحق اللبنانيين منذ العام 1948 وما يزال.
بعض الدول قررت وبمراحل مختلفة تحجيم علاقتها مع لبنان لأسباب تتصل بالضغط على السلطات اللبنانية من أجل أخذ لبنان ناحية المحور الأميركي والتخلي عن التمسك بورقة المقاومة التي لطالما كانت رمزا للتمسك بالسيادة الوطنية ورفض الاحتلال.
خلال مختلف الولايات التي تلت اتفاق الطائف، لم يأت عهد خاصم الولايات المتحدة الأميركية أو أيا من دول الاتحاد الأوروبي، بل كانت هذه العهود حريصة على مثل هذه العلاقات، دون أن تقطع مع أي من الدول الصديقة الأخرى عالمياً، وإن تجنبت إغضاب الإدارات الأميركية من خلال تمييع كل العروض التي ورتها من دول صديقة كالصين والاتحاد الروسي وايران، وحتى المانيا، من اجل تأميم الكهرباء وبناء معامل بقروض ميسرة جدا وبعض هذه العروض كانت على شكل هبات بالكامل.
ولم يأت وزير للخارجية في مختلف العهود منذ استقلال لبنان خالف هذا المرتكز، حتى جاء الوزير يوسف رجي المصر على تقديم نفسه وزيرا مكلفا من المحور الأميركي بإدارة وزارة الخارجية اللبنانية وليس وزيرا لخارجية لبنان.
قيل الكثير عن قرار الوزير رجي بنيته استدعاء السفير الإيراني في لبنان على خلفية قوله ان “الضغط على لبنان لنزع سلاح المقاومة انما يستهدف امن لبنان وامن دول المنطقة” معطوفا على تأكيده مرارا بأن “هذا الموضوع وغيره هو شأن داخلي لبناني”.
والواضح أن الوزير رجي يكيل الأمور من منظار فريقه السياسي الذي كان ولا زال جزءا من قوى المحور الأميركي في لبنان والمنطقة.
فهو يسعد للضغوط الأميركية على لبنان ويفرح لسماعه شروطا لفك الحصار عن لبنان المفروض من ثلاثة عهود سابقة تقريبا، وينتشي ربما، لأصوات المسيّرات وهي تغتال أبناء الجنوب لرفضهم التخلي عن ارضهم ومنازلهم وإن كانت مهدمة.
يتحدث عن حصرية السلاح، ولا يتحدث عن استمرار العدوان..
يتحدث عن حصرية السلاح بلغة تناقض ما جاء في البيان الوزاري للحكومة الحالية التي اعتبرت “ان الدفاع عن لبنان يستدعي إقرار استراتيجيّة أمن وطني على المستويات العسكرية والدبلوماسيّة والاقتصاديّة”.
يتحدث عن حصرية السلاح بمنطق المستقوي بالخارج لا بمنطق الحوار الوطني، كما ردد مرارا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.
ألم يقرأ الوزير رجي في حياته الحزبية أو المهنية كسفير عن المجازر الإسرائيلية في لبنان وعن اطماعها منذ وعد بلفور ومن بعده اتفاقية سايكس بيكو وشريط الاعتداءات والاجتياحات؟
ألم يقرأ ما جاء في البيان الوزاري للحكومة وفيه: …والدولة التي نريد هي التي تلتزم بالكامل مسؤوليّة أمن البلاد، والدفاع عن حدودها وثغورها، دولة تردع المُعتدي، تحمي مواطنيها وتُحصّن الاستقلال وتعبئ الأسرة العربيّة وعموم الدول لحماية لبنان. لذلك تُشدّد الحكومة على التزامها بتَعهداتها، لاسيّما لجهة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١ كاملاً، من دون اجتزاء ولا انتقاء. وتُعيد تأكيد ما جاء في القرار نفسه، وفي القرارات ذات الصلة، عن سلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المُعترف بها دوليّاً، حسب ما ورد في اتفاق الهدنة بين إسرائيل ولبنان في ٢٣ آذار ١٩٤٩. كما تؤكد التزامها بالترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية كما وافقت عليه الحكومة السابقة بتاريخ ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤.
وتلتزم الحكومة، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني المُقرّة في الطائف، بإتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانيّة من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، بقواها الذاتيّة حصراً، ونشر الجيش في مناطق الحدود اللبنانيّة المُعترف بها دوليّاً. وتؤكّد حقّ لبنان في الدفاع عن النفس في حال حصول أي اعتداء، وذلك وفق ميثاق الأمم المتحدة وتعمل على تنفيذ ما ورد في خطاب القسم للسيد رئيس الجمهوريّة حول واجب الدولة في احتكار حمل السلاح.
وإننا نريد دولةً تملك قرار الحرب والسلم. نريد دولةً جيشُها صاحب عقيدةٍ قتاليةٍ دفاعية يَحمي الشعب ويَخوض أي حرب وفقاً لأحكام الدستور. إن الدفاع عن لبنان يستدعي إقرار استراتيجيّة أمن وطني على المستويات العسكرية والدبلوماسيّة والاقتصاديّة. ويترتّب على الحكومة أن تُمكِّن القوات المسلحة الشرعية من خلال زيادة عديدها وتجهيزها وتدريبها وتحسين أوضاعها مما يعزّز قُدراتها على التصدّي لأي عدوان وضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وشرقاً وشمالاً وبحراً، وعلى منع التهريب ومحاربة الإرهاب”.
بات واضحا جدا أن الوزير رجي يحاول حشر الرئيس عون وملاقاة الضغط الخارجي بضغط داخلي..
فهل سنشهد موقفا حاسما من الرئاسة الأولى تجاه تفلت الوزير “الرجراج” أم سيبقى يغرد من خارج السرب حتى يسجل في مجلس الوزراء أول انقسام سياسي حقيقي تتبعه تداعيات في أكثر من موقع؟
ثم ماذا عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، ولماذا لا تستدعي الوزير رجي لمساءلته عن “انحرافه” عن البيان والوزاري وخطاب القسم؟