سياسةصحفمحليات لبنانية

قالت الصحف:الحوار يصطدم بالرفض والمقاطعة..والرئاسة تتجاوزه مرحليا

الحوار نيوز – خاص

تجاوزت رئاسة الجمهورية موضوع الدعوة الى الحوار بعد الرفض والمقاطعة التي أبدتها قوى أساسية لهذه الدعوة ،وهو ما ركزت عليه الصحف الصادرة اليوم.

  • كتبت صحيفة “النهار” تقول: أبى رئيس الجمهورية ميشال عون أمس الا ان يقدم بنفسه، إلى معارضي دعوته إلى الحوار، في توقيت خاطئ وبلا جدوى وفي ظروف شديدة الالتباس، الاثبات القاطع على ان دوافع رفضهم لهذا الحوار تحظى بالصدقية التامة. ذلك ان الرد الغريب الذي صدر عن بعبدا متجاهلاً كل العوامل الحقيقية للانهيار ومهاجماً معارضي دعوة عون ورامياً عليهم حصراً تبعات عهده ومسؤولياته مع سواه في الانهيار الحاصل، بدا بمثابة ادانة ذاتية للعهد من حيث كون سيده حاكما طرفا وليس حاكما متجرداً. ولعل الأسوأ الذي ينال من الرئاسة نفسها قبل ان يطاول خصومها او أي فريق اخر ان ردّ الرئاسة راح يمزج ويخلط بين معارضي دعوة عون إلى الحوار ومعطلي الحكومة ومجلس الوزراء، فلم يجرؤ مرة على تسمية حليف العهد المسؤول الأساسي عن التعطيل الحالي لمجلس الوزراء وهو “حزب الله ” بالتكافل والتضامن مع شريكه الاخر في الثنائية الشيعية حركة “امل”، فيما انبرى إلى اخذ موقع الطرف والفريق المخاصم والمعادي بالكامل في مواجهة الافرقاء الذين تحفظوا او تمنعوا عن طرحه للحوار لغايات وأهداف باتت معروفة قبل اشهر معدودة من الانتخابات النيابية ومن بعدها الرئاسية.

هذه السقطة الجديدة للعهد لم تأت على وقع تسارع فصول التدهور في الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية فقط، وإنما أيضا على إيقاع صراع سياسي يتعاظم منذ أيام في شأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يبدو انه سيتحول الصراع الأشد خطورة وسخونة في قابل الأيام مع اندفاع العهد، وكما عبر عن ذلك بوضوح تام رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل اول من أمس من قصر بعبدا بالذات، نحو تقييد سلامة ومحاصرته باجراءات قضائية من شأنها ان تفتح الباب واسعاً امام تداعيات خطيرة سياسياً ومالياً. ذلك ان المعطيات المتوافرة في هذا السياق تشير إلى ان رئيسي مجلس النواب والحكومة لم يقفا ساكتين امام الإجراءات التي نفذت في الأيام الأخيرة ضد سلامة وان هذا الملف يتجه نحو تطورات سلبية.

وكشفت البيان المسهب الذي أصدره أمس حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اتساع المواجهة بينه وبين النائبة العامة الاستتئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، اذ ان سلامة لم يمثل أمامها أمس كما طلبت، بعدما أصدرت مذكرة بمنعه من السفر، بل تقدم سلامة بطلب ردها عن القضية لدى محكمة الاستئناف في جبل لبنان بما يوجب عليها التوقف عن متابعة النظر في القضية إلى ان يفصل القضاء المختص في الطلب. وأعلن ان “الدعاوى المقامة ضده هدفها تشويه صورته “لافتا إلى ان القاضية عون غردت مرارا وتكرارا وبشكل عدائي على حسابها الشخصي متناولة شخصي بعبارة سلبية ومطلقة الأحكام التويترية ضدي”. كما اتهمها باتباع مراسلات خارج الأصول لاستهدافه لدى القضاء السويسري والفرنسي “وبحسب أبسط القواعد القانونية، لا يمكن للقاضي أن يكون خصماً وحكماً في آن واحد”.

اما التطور الغريب اللافت فتمثل في ان القاضية عون سارعت إلى الرد على سلامة فأبدت “اسفها لما ورد على لسان السيد سلامة من مغالطات واقعية الهدف منها فقط عدم المثول امام النيابة العامة لتقديم دفاعه في حين ان من هو واثق ببراءته ليس بحاجة للتذرع بكل هذه الدفوع التي اوردها في مذكرته”. ونصحته “بالخضوع للقانون طالما هو مقتنع ببراءته”.

كما ان جانبا كبيرا من صورة الاضراب العام الباهت الذي شهدته البلاد أمس على يد اتحاد النقل البري مدعوما من الاتحاد العمالي العام عكس معارك اهل السلطة في ما بينهم. اذ على احقية المطالب المرفوعة لحقوق السائقين والطبقات العاملة التي لا جدال حولها، فان الاضراب تحول إلى عمليات قطع طرق فقط وافتقر إلى مشهد احتجاجي شعبي ثقيل ومتنوع لسائر القطاعات.

الرد الاتهامي… والردود
وبالعودة إلى رد بعبدا على رافضي دعوتها إلى الحوار، فقد تضمن البيان الصادر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية تأكيدا ان “مواقف البعض راوحت بين رفض التشاور ورفض الحوار وهم يتحمّلون مسؤولية ما يترتب على استمرار التعطيل الشامل للسلطات”. وأضاف ان ” دعوة الرئيس عون للحوار ستبقى مفتوحة ويدعو المقاطعين إلى وقف المكابرة والموافقة على إجراء حوار صريح لنقرر مستقبلنا بأيدينا، واستمرار تعطيل مجلس الوزراء هو تعطيل متعمّد لخطة التعافي التي من دونها لا مساعدات ولا إصلاحات وهذا بحد ذاته جريمة لا تغتفر بحق الشعب”. وقال: “المعطّلون للحوار والرافضون له يعرفون أنفسهم جيداً ويعرفهم اللبنانيون ويتحملون مسؤولية خسارة الناس أموالهم وخسارة الدولة مواردها، والرئيس عون يشكر من حضر ومن تجاوب وهو ماضٍ في دعوته للحوار وفي اتخاذ كل مبادرة أو قرار يهدف إلى حماية لبنان واللبنانيين”. وختم ان “التزام الرئيس عون هو في صلب قسمه على احترام الدستور والقوانين فلا الرئيس يخلّ بالقسم وليس هو من يتراجع امام التحديات”.

وفي الردود على هذا البيان اعتبر المستشار الإعلامي للرئيس سعد الحريري حسين الوجه في سلسلة تغريدات عبر “تويتر” انه “محزن جداً جداً ان تصل رئاسة الجمهورية ومكتبها الاعلامي إلى حدود الإنكار الكامل لمسار التخبط الذي وضعت فيه البلاد. ويتضاعف الحزن مع حالة البارانويا التي يعانيها العهد والحزب الحاكم. حالة يشخصها البيان الصادر عن الرئاسة بخصوص الحوار الوطني والمعترضين على انعقاده في هذا الظرف . تنسى رئاسة الجمهورية انها تمثل الاب الروحي والسياسي لثقافة تعطيل المؤسسات وتعطيل الحوارات وينسى فخامة الرئاسة انه مسؤول عن تعطيل رئاسة الجمهورية لاكثر من سنتين ونصف، وان حزب الرئاسة الحالية مسؤول عن تعطيل الحكومة لسنوات وسنوات ،وينسى ان خطة التعافي جرى اسقاطها على ابواب بعبدا”. وختم: “محزن جداً جداً ان يصبح النسيان ملازماً للنكران … والنكران من صفات البارانويا”.

بدوره، علق الأمين العام لـ”تيار المستقبل” أحمد الحريري، عبر “تويتر”، على البيان قائلا: “رئيس الجمهورية يحاول أن يتهم الآخرين بما هو غارق فيه، بي التعطيل مضيع البوصلة، وعم يحكي بالحس الوطني، فاقد الشيء لا يعطيه”.

غير ان رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط تجاهل بيان بعبدا وغرد عبر “تويتر”: “افرجوا عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ودعوا الحكومة تجتمع بعيدا عن الحسابات الفئوية الضيقة ودعوا القضاء يعمل من اجل ان تنبت عشبة الامل من وسط ركام الانفجار. اليونان مر بظرف أصعب لكن ادارة تسيبراس اخرجته من الحضيض”.

ورد عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص على بيان بعبدا قائلا “فخامة الرئيس، ادعيت طويلا أنك الرئيس القوي، آن الأوان اما ان ترينا بعضاً من قوتك او ان تتواضع وتصارح الناس حول وهم القوة وأسباب تحولها إلى هذا الكمّ من الضعف والعجز. تأخرت بالدعوة إلى الحوار وبكّرت بتغيير النظام بمحاولة تبرير عجزك امام حليفك بعقد جلسة لمجلس الوزراء، عن طريق إحلال طاولة الحوار مكانه، ومحاولة حماية معرقل المؤسسات الحقيقي بالهجوم على رافضي الحوار مع نهجكم الذي لم ينفع معه الحوار منذ العام 2006. نلقاك في الانتخابات”.

الغاز المصري .. والترسيم
في غضون ذلك اعلن وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب بعد عودته من الولايات المتحدة انه لمس في خلال المحادثات التي اجراها، “دعما اميركيا واضحا لدور صندوق النقد الدولي المرتقب في مساعدة لبنان على تجاوز ظروفه الاقتصادية الصعبة، من خلال الإسراع في خطة التعافي التي تضعها الحكومة اللبنانية ” وقال ان “المسؤولين الاميركيين جددوا تأكيد دعمهم استجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان من مصر والأردن عبر سوريا لتعزيز انتاج الطاقة الكهربائية، واستثناء لبنان من القيود التي يضعها قانون قيصر”، وان هذا الامر تم ابلاغه إلى المسؤولين المصريين”. كما اوضح ان “المسؤولين الاميركيين يشجعون المضي في عملية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وان الموفد الأميركي المكلف هذه المهمة اموس هوكشتاين سيحضر إلى لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة لاستئناف مساعيه بهدف تحريك هذا الملف”.

  • وكتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: كما كان متوقعاً طيّر الانقسام السياسي الحوار الرئاسي، وجمّد رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون مبادرته على الرفّ، محمّلاً من سمّاهم “المعطّلين الذين يعرفون انفسهم” مسؤولية إحباطها. وتبعاً لذلك، عادت الأطراف الداخليّة الى التمركز خلف متاريس الجبهات السياسية وما تخفي خلفها من عواصف مفتوحة على شتى الاحتمالات. وبمعزل عمّن صُدم وشعر بخيبة بتعطيل المبادرة الرئاسيّة، او من اعتبر نفسه منتصراً ووجّه صدمة معنوية الى رئيس الجمهورية وتياره السياسي، فإنّ معايير الربح والخسارة في هذا الجانب، لا يعدو العزف على وترها وإدخالها في بازار الاستفزاز والمكايدات السياسية، أكثر من لعبة عبثية بلا أي معنى، أمام وضع بلد تتراكم في اجوائه مؤشرات سوداوية داخلية وخارجية، تُجمع على أنّه بات على مسافة امتار قليلة من الإندثار.

دولة فاشلة!
فالتوصيف الحقيقي لواقع لبنان الراهن، أنّه بات مفتقداً لعناصر استمراره ككيان وكدولة، وكل أسباب سقوطه قد نضجت، واقترب من لحظة التداعي النهائي واعلان لبنان رسمياً دولة فاشلة، مع ما قد يتولّد عن هذا الاعلان من تداعيات خطيرة على كلّ المستويات.

هذا التوصيف ليس خلاصة تقييم داخلي، وإنْ كان يُقرأ بكلّ وضوح في غيبوبة القابضين على السلطة واستقالتهم من الإحساس بالواجب والمسؤولية الوطنية والأخلاقية، وأجهاضهم لكلّ فرص الإنقاذ، وربطهم مصير بلد وشعبه، بعِقد أنانية تقدّم الأهواء الشخصية على مصالح الوطن والمواطن. وكذلك في ما بلغه حال اللبنانيين من سوء، وفاقة، وإذلال بسرقة اموالهم وودائعهم، وابتزاز في لقمة عيشهم وتلاعب في أمنهم الصحي والدوائي والغذائي وكل ما يتصل بحياتهم. بل أنّ هذا التوصيف، جاء خلاصة تقييم جديد للمؤسّسات المالية الدولية لما بلغه وضع لبنان.

هذه الأجواء اكّدها لـ”الجمهورية” خبراء اقتصاديون نقلاً عن مسؤولين كبار في المؤسسات المالية الدولية، تلقي ظلالاً أكثر سوداوية على ما بلغه الوضع في لبنان، تقترب من نعيه، بتوقعات اقتصادية ومالية أكثر صعوبة ومأساوية على الشعب اللبناني، تفيد بأنّ لبنان في مساره الراهن، يقترب من ان يُعلن رسمياً كدولة فاشلة.

وبحسب ما ينقل الخبراء، فإنّ إشارات خطيرة وجّهتها المؤسّسات الدوليّة إلى المسؤولين اللبنانيين، في محاولة حثّ جديدة على المسارعة إلى مبادرات وخطوات عاجلة لاحتواء الأزمة الاقتصاديّة والماليّة والإجتماعية في لبنان، وهي بمثابة فرصة أخيرة للمعالجات قبل فوات الأوان، وخصوصاً انّ المنحى الدراماتيكي الذي تنحدر فيه الأزمة في هذا البلد، يفاقم استمراره من صعوبة المعالجات، ويذهب بلبنان الى موقع كئيب يزيد من معاناة الشعب اللبناني.

ويعرب الخبراء عن مخاوف جدّية من ان يُصنّف لبنان في فترة غير بعيدة، في مرتبة مرعبة شديدة السلبية، أبعد بكثير من التصنيف الذي ورد في تقرير البنك الدولي في حزيران 2021، الذي صنّف الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان ضمن أشدّ عشر أزمات، وربما أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث انّ التقاعس المستمر للسلطات في لبنان، في القيام بوظائفها الملحّة والواجبة عليها في مواجهة التحدّيات الهائلة وتنفيذ السياسات الإنقاذية، قد زاد من حدّة الانهيار وفاقم تعقيدات الأزمة، وخصوصاً في الآونة الأخيرة، وهو وضع قد يؤدي في القريب العاجل الى تصنيف لبنان الدولة الأولى التي تعاني أسوأ الأزمات في العالم. وبالتأكيد انّ استمرار تعطيل الحكومة ومنعها من تحمّل مسؤولياتها في اتخاذ القرارات، سيعجلان حتماً في ذلك، وخصوصاً في ظل الانهيار الذي اخذ يتسارع بوتيرة خطيرة جداً في الآونة الأخيرة.

مخاوف أمنية!
وفي سياق التداعيات الداخليّة، فأنّ المناخ العام السائد في لبنان يشي بمخاوف حقيقية في اوساط الناس، تتجاوز معاناتهم المعيشية والاجتماعية الى البعد الأمني، وسط ما يُحكي عن تقارير تفيد عن تحرّكات مشبوهة في أكثر من مكان، توحي وكأنّ أمراً ما خبيثاً يُحضّر للبلد.

وأكثر ما يبعث على القلق، ما كشفه مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”، عمّا سمّاه “استنفاراً ديبلوماسياً غربياً، يبدو أنّه أُعلن أخّيراً، لنقل مخاوف خارجية جدّية من انفلات الأمور في لبنان”.

ولا يعزل المرجع المذكور تحرّك بعض سفراء الدول الكبرى في اتجاه كبار المسؤولين اللبنانيين السياسيين والأمنيين والعسكريين عن هذا الاستنفار. ويقول انّ الدول الكبرى قلقة فعلاً من تحوّلات خطيرة في لبنان، سياسية واقتصادية ومالية، وربما أمنية، تقوده إلى فوضى شاملة باهظة الكلفة على الشعب اللبناني.

وقالت مصادر سياسية موثوقة لـ”الجمهورية”، انّها تخشى من ان يُترجم انسداد الأفق الاقتصادي، وتصاعد التأزم السياسي والقضائي، انعكاسات على الصعيد الأمني. وإذ اشارت الى انّ “الاحتياطات الأمنية والتدابير الاحترازية قد زادت في الفترة الاخيرة على أكثر من صعيد ومستوى سياسي وغير سياسي”، نقلت عن أحد كبار المسؤولين قوله: “إنّ لبنان حالياً في حال انكشاف كامل سياسياً واقتصادياً وأمنياً، أفقده الحدّ الأدنى من المناعة وقدرة الاستمرار، ووضعه يشبه شخصاً هزيلاً أعزل، محبوساً في غرفة مظلمة مع مجموعة ذئاب مفترسة تسعى الى الفتك به”.

تطمين أمني
وسألت “الجمهورية” مرجعاً أمنيّاً عن حقيقة ما يُشاع من مخاوف، فلم ينفِها، بل أكّد انّ الوضع دقيق، والأمن ممسوك، والأجهزة الامنية والعسكرية على اختلافها في كامل حضورها وجهوزيتها، والتنسيق في ما بينها لمنع أيّ اخلال بالأمن والمسّ باستقرار البلد.

ورداً على سؤال عمّا يُحكى عن انّ الوضع الأمني اشبه بقنبلة موقوتة، وانّ لدى الاجهزة الأمنية والعسكرية توقعات بحصول تطورات امنية، استدعت توجيه نصائح الى مرجعيات سياسية وقضائية واقتصادية ومالية بتوخّي الحذر وتعزيز إجراءاتها الأمنية والحمائية، قال المرجع المذكور: “اجراءات الوقاية والحماية فعل طبيعي معمول به منذ فترات طويلة، ولم تفرضه الاوضاع الراهنة، انما في الأساس الاحتياط واجب. هذا من جهة، واما من جهة ثانية، فإنّ الأمن في لبنان خط أحمر، وهذا ما تؤكّد عليه الأجهزة الأمنية والعسكرية على اختلافها، وهي بالتالي تتحمّل مسؤولياتها وتقوم بواجباتها كاملة، لإحباط أي محاولة للعبث بأمن اللبنانيين واستقرارهم، وقرارها أنّها لن تتوانى عن التعامل بقسوة مع كل من يسعى الى العبث والتخريب”.

الحوار المعطّل يُعلّق
سياسياً، وفي موازاة ثبات الوضع الحكومي على وضعه المعطّل إلى أجل لا يبدو قريباً، وانسداد المداخل السياسية والقضائية المؤدية الى معالجة اسبابه، تعرّض الحوار الرئاسي لما بدت أنّها نكسة لأصحابه، استدعت إخراجه من التداول، بعدما فشل في جذب المكوّنات السياسيّة الى طاولة رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري، والتي اعتبرت الحوار حاجة للداعي اليه ولتياره السياسي، وليست غايته تقريب المسافات بين اللبنانيين ورسم خريطة للخروج من الأزمة. وكذلك بعدما أظهرته المقاطعات الواسعة له بأنّه إنْ انعقد، فلن يعدو اكثر من محاورة طرف لنفسه.

ولم يدخل فشل الحوار الرئاسي كعنصر مفاجئ على المسرح السياسي، وخصوصاً انّه كان متوقعاً من اللحظة التي عبّر فيها رئيس الجمهورية عن رغبته في عقد طاولة الحوار، ولا سيما حيال جدول اعماله الذي تضمن بنوداً شديدة الخلافية، ومقاربتها في هذا التوقيت من شأنها أن تخلق مناخات انقسامية حادة في هذه المرحلة، وخصوصاً في ما يتعلق بخطة التعافي، حيث لم يجف بعد فشل التجربة السابقة في هذا المجال، او باللامركزية الادارية والماليّة التي بدت بنداً ملتبساً أُثيرت حوله تساؤلات من غير اتجاه حول الجدوى والغاية من إثارته في هذا التوقيت بالذات، وكذلك ما يتعلّق بالاستراتيجية الدفاعيّة الذي يندرج في سياقها مصير سلاح “حزب الله”، الذي يُعتبر اكثر البنود خلافية، وجواب الحزب معروف سلفاً حياله.

وكان اللافت امس، انّ تعليق الحوار الرئاسي، لم يكن سلساً، بل اتسم بنبرة هجومية حادة على ما سمّاهم المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية بالمعطلين. حيث جاء في بيان المكتب امس: “انّه على إثر المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيسي مجلس النواب والحكومة ورؤساء الكتل النيابية بشأن الدعوة الى الحوار، تبين أنّ عدداً منهم تراوحت مواقفهم بين رفض التشاور ورفض الحوار، بما يحمّلهم مسؤولية ما يترتب على استمرار التعطيل الشامل للسلطات، حكومة وقضاء ومجلساً نيابيا”.

ولفت المكتب الاعلامي إلى “انّ دعوة رئيس الجمهورية للحوار ستبقى مفتوحة، وإذ يأمل أن يغلب الحس الوطني للمقاطعين على أي مصالح أخرى، يدعوهم الى وقف المكابرة والنظر الى ما يعانيه الشعب اللبناني، والموافقة في اقرب وقت على إجراء حوار صريح، لنقرّر مستقبلنا بأيدينا استناداً الى إرادة وطنية، ولكي لا يُفرض علينا مستقبلاً نقيض ما نتمناه لوطننا”.

واعتبر “انّ استمرار تعطيل مجلس الوزراء هو تعطيل متعمّد لخطة التعافي المالي والاقتصادي، التي من دونها لا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ولا مع غيره، وبالتالي، لا مساعدات ولا اصلاحات، بل مزيد من الاهتراء للدولة وتعميق للانهيار، وهذا بحدّ ذاته جريمة لا تُغتفر بحق شعب يعاني كل يوم اكثر فأكثر من جراء أزمات متوارثة ومتفاقمة وغض نظر متعمّد للمسؤولين عن المعالجات الناجعة”.

وقال: “انّ المعطلين للحوار والرافضين له يعرفون انفسهم جيداً ويعرفهم اللبنانيون، ويتحمّلون مسؤولية خسارة الناس أموالهم وخسارة الدولة مواردها، كما يتحمّلون مسؤولية عجز كل مواطن ومواطنة عن تأمين لقمة العيش والحماية الصحية وضمان الشيخوخة وتوفير التعليم”.

وخلص بيان المكتب الاعلامي في رئاسة الجمهورية الى الإشارة الى “انّ رئيس الجمهورية إذ يشكر من حضر ومن تجاوب، يعلن أنّه ماضٍ في دعوته للحوار من دون تردّد، وفي اتخاذ كل مبادرة أو قرار يهدف الى حماية لبنان واللبنانيين، خصوصاً أنّ الحوار يتمحور حول خطة التعافي المالي والاقتصادي للبنان، وقضايا متعلقة بإصلاح النظام من خلال اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، وبالاستراتيجية الدفاعية”. وقال: “إنّ هذا الالتزام هو في صلب قَسَم الرئيس على احترام الدستور والقوانين وحفظ استقلال الوطن وسلامة اراضيه، فلا الرئيس يخلّ بالقَسَم وليس هو من يتراجع امام التحدّيات. وانّ رئيس الجمهورية لن يألو جهداً في سبيل معاودة الحوار والإعداد لإدارته بحسب جدول المواضيع التي حدّدها، ولا يزال يأمل ان يتحلّى الجميع بالمسؤولية الوطنية المطلوبة لإنقاذ لبنان وشعبه”.

الحريري يردّ
وقد سارع الرئيس سعد الحريري الى الردّ على البيان الرئاسي عبر مستشاره الإعلامي حسين الوجه، الذي قال في سلسلة تغريدات له عبر “تويتر”: “محزن جداً جداً ان تصل رئاسة الجمهورية ومكتبها الاعلامي الى حدود الإنكار الكامل لمسار التخبّط الذي وضعت فيه البلاد. ويتضاعف الحزن مع حالة “البارانويا” التي يعانيها العهد والحزب الحاكم. حالة يشخّصها البيان الصادر عن الرئاسة بخصوص الحوار الوطني والمعترضين على انعقاده في هذا الظرف”.

وتابع: “تنسى رئاسة الجمهورية انّها تمثل الأب الروحي والسياسي لثقافة تعطيل المؤسسات وتعطيل الحوارات، وينسى فخامة الرئاسة انّه مسؤول عن تعطيل رئاسة الجمهورية لأكثر من سنتين ونصف، وانّ حزب الرئاسة الحالية مسؤول عن تعطيل الحكومة لسنوات وسنوات ،وينسى انّ خطة التعافي جرى إسقاطها على ابواب بعبدا”.

وختم: “محزن جداً جداً ان يصبح النسيان ملازماً للنكران … والنكران من صفات البارانويا”.

كذلك، علّق أمين عام “تيار المستقبل” أحمد الحريري، عبر “تويتر”، على بيان رئاسة الجمهورية قائلاً: “رئيس الجمهورية يحاول أن يتهم الآخرين بما هو غارق فيه، بَيّ التعطيل مضيّع البوصلة، وعَمْ يحكي بالحسّ الوطني، فاقد الشيء لا يعطيه”.

وكان رئيس الجمهوريّة، قد التقى امس وفداً من ذوي المعتقلين في انفجار مرفأ بيروت، مؤكّداً امامه أنّه “يشعر مع معاناة أهالي الموقوفين والشهداء في قضية انفجار مرفأ بيروت، وانّه يعمل كل ما في وسعه، وفق الصلاحيات والقوانين، من أجل إحقاق الحق ورفع الظلم عن الأبرياء”. وقال: “انّ الوضع صعب، فقد تمّ تعطيل القضاء ومجلس الوزراء وهو امر يحمل انعكاسات خطيرة على البلد، ونعمل على معالجته لأننا ندرك مدى تأثيراته السلبية”، وسأل: “هل يستمر التوقيف بعد مرور سنة وستة اشهر، إذا كان الموظف قد قام بما عليه وأعلم رئيسه المباشر بالمعطيات التي لديه؟”، ورأى أنّه لا يجوز ان يتمّ إيقاف الموظف وتحميله المسؤولية بعد ان يكون قد قام بواجبه وابلغ رئيسه”. وشدّد على انّه سيتابع الموضوع “كي تُعرف الحقيقة ناصعة وتتحدّد المسؤوليات من دون استنساب او تسييس او تعطيل او استئخار، من منطلق انّ كل عدالة متأخّرة هي عدالة مستنكفة او معطّلة”.

على صعيد آخر، نقل وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الى رئيس الجمهورية اجواء محادثات اجراها في الولايات المتحدة الاميركية، حيث قال بو حبيب انّه لمس في خلال محادثاته “دعماً اميركياً واضحاً لدور صندوق النقد الدولي المرتقب في مساعدة لبنان على تجاوز ظروفه الاقتصادية الصعبة، من خلال الإسراع في خطة التعافي التي تضعها الحكومة اللبنانية، وايضاً ضرورة انجاز الإصلاحات الضرورية التي يحتاجها لبنان، إضافة الى تشجيع المسؤولين الاميركيين على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها”.

ولفت الى انّ “المسؤولين الاميركيين جدّدوا تأكيد دعمهم استجرار الغاز والكهرباء الى لبنان من مصر والأردن عبر سوريا، لتعزيز انتاج الطاقة الكهربائية، واستثناء لبنان من القيود التي يضعها “قانون قيصر”، وانّ هذا الامر تمّ ابلاغه الى المسؤولين المصريين”.

وأوضح الوزير بو حبيب انّ “المسؤولين الاميركيين يشجعون المضي في عملية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وانّ الموفد الأميركي المكلّف هذه المهمة اموس هوكشتاين سيحضر الى لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة لاستئناف مساعيه بهدف تحريك هذا الملف.

خميس التحرّكات
على صعيد تحرّكات “خميس الغضب” الذي دعا إليه اتحاد نقابات قطاع النقل البري، فقد عمد المحتجون إلى قطع كل الطرقات من أجل الضغط على الحكومة لتنفيذ الاتفاق الذي وعدت به القطاع.

وبدت هذه التحرّكات ضعيفة، قياساً بحجم التحضيرات التي سبقت الإعداد لها. واعلن رئيس الاتحادات بسام طليس في مؤتمر صحافي عقده في ختام التحركات في مقر الاتحاد العمالي العام، انّ نسبة الالتزام بلغت 98 %. وقال: “ما حصل اليوم هو رسالة اولى من كل السائقين في لبنان، شلّت البلد في مختلف المناطق”، آملاً ان يكون ذلك “رسالة للحكومة التي أبرمت معنا اتفاقاً في 26 تشرين الاول 2021 عند دولة رئيس الحكومة بحضور الوزراء المعنيين ورئيس الاتحاد العمالي العام، الاتفاق لا يمكن التراجع عنه وإلحاق الأذى بالمواطنين، والمماطلة والتسويف لن يستمرا خصوصاً مع قطاع حيوي يقوم بدور الدولة”.

  • وكتبت صحيفة الأنباء” تقول: محاولاً التعمية على السبب الفعلي لتعطيل مؤسسة مجلس الوزراء وعلى الجهات المسؤولة عن ذلك والمعروفة من الجميع، رمى رئيس الجمهورية ميشال عون عبر بيان مكتب الإعلام في الرئاسة التهمة على القوى السياسية التي لم ترَ طائلاً من دعوته إلى الحوار حول عناوين لا تمتّ لجوهر الأزمة الراهنة. وقد سعى عون إلى الربط بين فشل دعوته للحوار وخسارة الناس لأموالهم وخسارة الدولة مواردها، فيما الواقع بعيد عن ذلك كل البعد لأن المعالجات المطلوبة لمنع المزيد من الخسائر تكمن في إجراءات وحده مجلس الوزراء منوط به اتخاذها، وكل تبريرات الفشل والتعطيل لن تمر على أيّ من اللبنانيين الذين يدركون جيدا ان من شلّ الحكومة هي ليست على الإطلاق القوى السياسية التي حاول عون اتهامها جزافاً.

مصادر سياسية سألت عبر “الانباء” الالكترونية عن الرابط بين الأزمة المعيشية والاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ ثلال سنوات، وموضوع اللامركزية الادارية، والاستراتيجية الدفاعية المرتبطة بشكل أو بآخر بالتطورات الإقليمية، وبالصراع القائم بين إيران والولايات المتحدة، وقالت: “من غير العدل والإنصاف ان يحمّل رئيس الجمهورية الفريق الذي يرفض المشاركة بالحوار مسؤولية الأزمة، في حين أنه يعرف تماما أن فريقه السياسي وحلفاءه هم المسؤولون المباشرون عن الأزمة”. 

في هذا السياق طالب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالإفراج عن المفاوضات مع الهيئات الدولية، ودعا الى ترك الحكومة تجتمع بعيدا عن الحسابات الضيقة الفئوية، وترك القضاء بعيدا عن الحسابات الضيقة، كي يخرج الأمل من وسط الانفجار. 

عضو تكتل الجمهورية القوية النائب أنيس نصار رأى من جهته في حديث لـ “الأنباء” الالكترونية ان “الرئيس عون أستاذ في التعطيل، فقد عطّل في الماضي تشكيل الحكومة ستة أشهر لتوزير صهره جبران باسيل، وعطّل الاستحقاق الرئاسي سنتين ونصف السنة لتأمين وصوله الى بعبدا، وعطّل الحكومة عن القيام بالإصلاحات المطلوبة بعد الانتخابات بسبب المناكفة التي كان شاهدًا عليها بين باسيل ورئيس الحكومة، وغير ذلك الكثير”، وأضاف: “نحن مع عون بموضوع تفعيل الحكومة، فلا يجوز أن يتعطل مجلس الوزراء لأن هناك فريقا يصر على “قبع” القاضي البيطار وغير البيطار، فما دخل السلطة التنفيذية بعمل القضاء؟ وأين قانون فصل السلطات”.

لكن نصار سأل عون عن “نتائج حوار ٢ ايلول ٢٠٢٠، وعن مقررات لقاء بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان، وقبله الحوار الذي أجراه الرئيس بري وتعطل بعد حرب تموز ٢٠٠٦”، وتابع: “لذلك لسنا على استعداد للمشاركة بحوار الطرشان، فالفريق المؤيد للحوار هو نفسه المسؤول عن وصول البلاد الى ما هي عليه. فهل يريد الحوار لوضع اللوم على الآخرين بذريعة “ما خلونا” وفي الوقت نفسه قاموا بإهدار المال العام على عينك يا تاجر. فالدعوة إلى الحوار جاءت متأخرة جدا والبلد أضحى على الرمق الأخير”.

وفيما شهدت البلاد امس قطع طرقات في فترة قبل الظهر بدعوة من قطاع النقل العام في تحرك احتجاجي جاء محدوداً شكلاً ومضموناً رغم ان الواقع المعيشي بات مخيفاً، أعربت مصادر اتحادات النقل البري في اتصال مع “الأنباء” الإلكترونية عن “ارتياحها لنجاح الإضراب في كل لبنان بنسبة ٩٠ في المئة واكثر، من دون حصول ما يعكر صفو الأمن لأن الأمور بقيت تحت السيطرة، ولم يصدر عن المتظاهرين ما يسيء الى كرامات الناس”. وعزت المصادر “نجاح الإضراب الى وجع الناس في كل لبنان وليس عند فئة دون أخرى”. وأملت أن “تفي الحكومة بوعودها وإعطاء السائقين العموميين الفروقات في أسعار المحروقات التي كان وعد بها الرئيس نجيب ميقاتي”.

المصادر كشفت عن “اجتماع تقييمي يوم الاثنين المقبل في مقر الاتحاد العمالي العام لشرح الخطوات المقبلة، والطلب من الحكومة الإيفاء بوعدها، والا فالأمور قد تتجه الى التصعيد”، وقالت إن “قطاع النقل يعي المسؤوليات الملقاة عليه وهو مؤتمن على جميع اللبنانيين الذين يتنقلون عبره ويتعاونون معه من نقل وشحن”.

 المصادر قدّرت عدد العائلات الذين يعتاشون من هذا القطاع ب “٥٣ الف عائلة”، وقالت إن “ما حصل بالأمس كان بمثابة إنذار للحكومة والوزراء المعنيين للوفاء بوعدهم”.

أوساط كتلة التنمية والتحرير رفضت عبر “الأنباء” الالكترونية “توصيف يوم التظاهر بانتصار فريق معين على فريق آخر. فما جرى كان صرخة مدوية للتعبير عن وجع الناس وعدم قدرتهم على تأمين أبسط مقومات العيش لعيالهم نتيجة الغلاء الفاحش والارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات والمواد الغذائية”، وأكدت على “مسؤولية الحكومة والقوى السياسية دون استثناء لأنه في لحظة الأزمات الخانقة وانهيار البلد تكون المسؤولية وطنية، ولا يمكن لأي فريق التنصل وإدارة الظهر. فالبلد على شفير الانهيار، والمطلوب اتخاذ خطوات انقاذية جريئة المسؤولية مشتركة، ومن غير المسموح تعطيل المؤسسات”، مشددة على “ضرورة التفتيش عن حلول لكل الأزمات ومن بينها قطاع النقل”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى