هل يفاقم الوضع الاقتصادي أمراض القلب والشرايين؟
د.طلال حمود*
كُلّنا نعرف أن لبنان يتعرّض حالياً لصعوبات ماليّة وإقتصادية وإجتماعيّة ومعيشية حرِجة جداً لم يشهد لها مثيل من قبل. وقد بدأت هذه الأزمة بشكلٍ تراكمي تدريجي منذ حوالي ثلاث سنوات على الأقل. ولكن ومع إندلاع الحِراك الشعبي في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ وما رافقه من إرتفاع مُتصاعد وجنوني بأسعار الدولار وإنخفاض قيمة الليرة اللبنانية مقابله، وخصوصاً مع عدم قدرة اللبنانيين على سحب او تحريك ودائعهم في المصارف، تسبّبت كل هذه العوامل بإنخفاض كبير في القدرة الشّرائية للمواطنين اللبنانيين وبتردّ كبير لأوضاع الكثير من المؤسسات الإستشفائية والتجارية الخاصة والعامة. وجاءت جائحة كورونا فيما بعد لتُفاقِم الأوضاع بشكل صاروخي، لأن هذه الأزمة تسبّبت أيضاً بخسائر إقتصادية رهيبة في معظم دول العالم ومنها لبنان.
وقد أدّت هذه الأزمات المُتتالية الى إغلاق العديد من المؤسسات التجارية والصناعية والى زيادة كبيرة في نسب البطالة ،خاصة عند الفئات الشبابية والمُنتجة، وكذلك أيضاً عند المتقدمين في السن الذين أوصت السلطات الصحية في كل الدول الأوروبية وفي لبنان أيضاً بالحجر الصحي الكامل لهم لأنّهم كانوا الأكثر عُرضة للإصابة بالتهابات فيروس كورونا. وذلك يعود وكما أشرنا في مقالات سابقة الى أنّ هذا الفيروس فتك بشكلٍ كبير بالأشخاص المُتقدّمين بالسن والبالغ عمرهم ما فوق ٦٠ الى ٧٠ سنة، أو بالأشخاص الذين يُعانون من أمراض مُزمنة كأمراض القلب والشرايين والأمراض الرئوية المُزمنة والربو والإنسداد الرئوي المُزمن وقصور الكلى والكبد وأمراض نقص المناعة المُكتسبة أو الخلقية. وكذلك عند المرضى المُصابين بالسُكّري وإرتفاع الضغط وإرتفاع الدهنيات والمرضى الذين يتعالجون من أجل أمراض سرطانية او يتناولون أدوية لتعديل أو لكبح الجهاز المناعي.
إذن يمكن القول أن تفاعل الأزمة الإقتصادية الخانقة مع الإرتدادات الإقتصادية والمعيشية الخطيرة التي تسبّب بها وباء كورونا ،أدّيا الى تفاقم كبير في أعداد العاطلين عن العمل أو المُتوقفين قصراً عنه، ما زاد كثيراً من نسبة القلق والإحباط والإكتئاب عند شريحة كبيرة من اللبنانيين بل عند كل اللبنانيين دون ادنى مبالغة. وكنا قد أشرنا أيضاً في مقالات سابقة الى أن التوتر والقلق الدائم والإكتئاب هم من أهم الأسباب الرئيسية لزيادة أمراض القلب والشرايين، وأن تأثير الإكتئاب كبير جداً بالنسبة لزيادة الإصابة بهذه الأمراض، وهو يُفاقم من خطورة هذا المرض عند مرضى القلب الذين يتعرّضون لأزمات قلبية والذين هم بدورهم اكثر عُرضة للتعرّض للإصابة بالقلق والإكتئاب لأسباب شرحناها ايضاً في مقالات سابقة.
وقد أتت الخطوات التي اعتمدتها وزارات الصحّة في لبنان والعالم بالتوصية بالحجر الصحي الكامل والإنعزال الإجتماعي لفترات طويلة جداً ( عدّة اشهر) لتُفاقم من خطورة الأوضاع الإقتصادية والمعيشية القاهرة ولتزيد من المخاطر القلبية،إذ أنّ الإنعزال تسبّب أيضاً بزيادة كبيرة في حالات الإكتئاب والتوتر والقلق بشكلٍ واضح تكلّم عنه الكثير من الخبراء والأطباء.
ثم شهد لبنان في فترة الثلاثة أشهر الأخيرة الضربة القاضية مع إلإرتفاع الجنوني لأسعار الدولار بشكلٍ لم يشهد له لبنان مثيل من قبل، حيث وصلت أسعار الدولار بالنسبة لليرة اللبنانية الى أسعار خيالية، وما زاد بشكلٍ كبير من حالة الفقر والقلق والتوتر نتيجة لهذه الأوضاع.
*طبيب قلب تدخُّلي- مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود