هل من فرصة للكفاءات في الوزارات؟
كتب محمد هاني شقير
يحتدم الصراع بين مشكلي حكومة مصطفى أديب حول الهويات المذهبية لبعض الوزارات، فتأخذنا هذه القضية الى التمعن في انجازات تلك الوزارات، والازدهار الذي حملته للاقتصاد الوطني والنقلة النوعية التي حققها لبنان من خلال تلك الانجازات، فاللبناني والمقيم يحفظان عن ظهر قلب، أرقام تشي بشيء واحد هو إفلاس معظم الوزارات اللبنانية كنتجة لإفلاس معظم الحكومات المتعاقبة، وربما سيكون الأمر كذلك مع الحكومات اللاحقة. وسنحاول قراءة حال بعض الوزارات الأساسية مع البلد، ولنرَ معًا ماذا حققت للبناننا.
_ وزارة العدل: تمتهن دك المناضلين والمطالبين بحقوق اللبنانيين بالسجن، وتطلق سراح العملاء وبخاصة الكبار منهم، في حين لا تجرؤ على الاقتراب من المرتشين وسارقي الوطن. كما أنها تماطل في تسريع، بل أقله، في السير بوتيرة طبيعية في مسألة محاكمة الموقوفين. وبسبب تقاعسها هذا، أصدرت السلطات والمؤسسات الرسمية، عدة مرات عفوًا عامًا وخاصًا عن أشخاصٍ لا يستحقون وآخرين ظلموا بسببها. إذن هي وزارة فاشلة.
_ وزارة الداخلية: تطبق القوانين وفق الأهواء السياسية التي يمثلها وزيرها، والمحسوبيات في هذا المجال حدّث ولا حرج، فبسبب وضع يدها على قوانين ليست من صلاحياتها، جفت المياه من جوف الأرض في مطارح جبلية كثيرة، مما أدى الى نضوب مياه الينابيع صيفًا وهي التي كانت تصل الصيف بالشتاء. وهي ضاعت أو ضُيّعت، في دهاليز ترميم السجون من جراء تلزيمات فاحت منها رائحة الفساد. أما تطبيق القانون على الكسارات والمرامل فهو الآخر يخضع لأهواء تراعي مصالح سياسية لهذا الطرف أو ذاك. وزارة فاشلة.
_ وزارة الطاقة: لم ينعم لبنان في حياته بـ 24 ساعة بالتيار الكهربائي، وقد بلغت خسائره من الدين العام حوالى خمسين في المئة، علمًا أنّ أنشط قطاع خاصّ في لبنان هو قطاع المولّدات الكهربائية، وهو مستمرّ في قطف نجاحاته على عين الوزير المعني، وتحت رعاية السلطة ونفوذ رجالاتها، مع أنّه غير قانوني. في حين تعجز هذه الوزارة عن استخراج النفط من البلوكات التسعة الموزعة على طول الشاطىء اللبناني. وزارة فاشلة.
_ وزارة المالية: ينطبق عليها المثل القائل شاهد زور. ففيها ومنها اختفى 11 مليار دولار، ولما طرح اسم فؤاد السنيورة للمحاكمة واسم رياض سلامة للتغيير، حل الحُرم الديني والسياسي على حدٍ سواء. وفي كنفها أيضًا حصلت الهندسات المالية فتضاعفت الخسائر والمديونية لصالح القطاع المصرفي، وكل التطمينات التي كنا نسمعها على مدى سنوات خلت تبخّرت في لحظة حقيقة. وزارة فاشلة.
_ وزارتا الزراعة والصناعة: وهما الغائبتان عن القطاعين اللذين تمثلانهما، ولا تعرفان عنهما شيئًا، وبسببهما هناك مساحات شاسعة من الاراضي في البقاع متروكة لقدرها، هذا في وقت يبلغ فيه الاستيراد السنوي لجميع المنتجات الاستهلاكية والصناعية، أكثر من 24 مليار دولار اميركي. وزارتان فاشلتان.
_ وزارة الاتصالات: وهي الوزارة التي تفشل اذا ما كان قطاع الاتصالات عامًا، ولكنه ينجح بتخصيصه، ويملأ المالكون الخصوصيون جيوبهم على حساب خزينة الدولة، فضلاً عن كون فاتورة الاتصالات اللبنانية هي الأعلى في العالم،. وزارة فاشلة و(مفشّلة).
هذا هو المشهد التراجيدي الذي يعتري الغالبية العظمى للوزارات، وهو يضع الجميع في خانة واحدة وربما يُظلم البعض في هذا التوصيف. وكلنا يعلم، أن اي قرار وزاري أو حكومي مهما كان مضمونه، في ظل شكل السلطة الحالي، لن يجد طريقه الى التنفيذ إلا إذا أذِنَ بذلك مجلس النواب؛ ودليلنا على ذلك لا زال ماثلاً أمامنا جميعًا من خلال إفشال المجلس النيابي مشاريع حكومة حسان دياب وجلسة اللاءات الخمسة الشهيرة التي عقدت في الأونيسكو خير شاهد. وليس بعيدًا عن ذلك فمنذ أيام بدأت وزارتا الداخلية والمال استيفاء رسوم الميكانيك من المواطنين على الرغم من وجود مشروع القانون الذي قدمته الحكومة والقاضي بالإعفاء من هذا الرسم، فسقط لعدم إقراره في مجلس النواب.
إن من يحمي ويقرر ليس مجلس الوزراء الفاقد القدرة والحيلة، إنما هو مجلس النواب أولاً وأخيرًا، من هنا يطرح على جميع القوى، عدة أسئلة رئيسة، وهي:
لماذا تقحمون أنفسكم في حكومة لن يكون لوزيركم فيها رأي مؤثر بقدر ما سيكون شاهد زور؟
أليس طرح خطة إصلاحية إنقاذية سياسية، واقتصادية، ونقدية، شاملة تتبناها حكومة أديب أوجب من تضمينها وزيرًا من هنا وأخر من هناك؟
ألم تستشعروا بعد، أن البلد، بكل مقوماته، صار فريسة فساد الدولة، بجميع مؤسساتها؟
ومع ذلك تتقاتلون في ما بينكم حول حصّة الكتف من تلك الوزارات، وكأنكم تتنافسون على صالح البلد العام، وتقديم الخدمة الأجود للمواطنين، فإذا بكم تتنافسون على مصالحكم الضيقة على حساب كل الوطن.
اتركوا خلفياتكم الزبائنية مرةً واحدة لأجل وطن أنهكتموه، فصيرتموه في حالة موت سريري. ففي البلد كفاءات في شتّى الميادين، حمّلوهم المسؤولية، جرّبوهم في التوزير مرة واحدة، بصلاحيات انقاذية واضحة، لعلهم يرسمون لنا الخطّ الفاصل بين القول والفعل، وبين الحقيقة والباطل، وبين الصدق والكذب…
بل ربّما فتحوا آفاقًا وطنية جديدة لمن عجز من اللبنانيين عن تأمين "تأشيرة" وخذلته الهجرة.