العالم العربيرأيسياسة

تحوّل بنيوي في طبيعة العلاقات الدولية : سياسة العراق نموذجاً(جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز- خاص

 

ما المقصود بالتحوّل البنيوي في طبيعة العلاقات الدولية؟

 الجواب على السؤال يعيننا على فهم الموضوع، ومعرفة مشاهد واقعيّة على هذا التحوَل في طبيعة العلاقات الدولية، وسنستعين بسياسة العراق كمثال بارز لهذا التحوّل، ونشهدُ هذا التحوّل في السياسة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر.

يستخدمُ البروفسور الفرنسي برتراند بادي ( pertrand Badi)، ( بروفسور في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ) المفهوم ( تحّول بنيوي في العلاقات الدولية ) للدلالة على انتقال الدول، وخاصة دول الجنوب أو دول العالم الثالث، من التحالفات الثابتة الى التقاطعات المتقلبة. و أرى اننا نشهدُ في الوقت الحاضر تحّولا بنيويا في العلاقات الدولية، أكبر من أن يكون محصوراً فقط في حالة الانتقال من التحالفات الثابتة الى تقاطعات متقلبة ، بسبب نشوء وتطور حركات سياسية وعسكرية لها دورها السياسي والعسكري الفاعل  والمؤثر ، ليس فقط في اطار دولها الحاضنة وانما اقليمياً ودولياً ( حركة طالبان في افغانستان في السابق وفي الحاضر مع الولايات المتحدة الامريكية ، وحركتا حماس والجهاد الاسلامي مع روسيا و ايران ، والحوثيون مع ايران ومع عُمان ومع المملكة العربية السعودية حاضراً وفي اطار مساعي الهدنة والسلام ).

 لماذا العراق نموذج لمثل هذا التحّول البنيوي في طبيعة العلاقات الدولية؟

بحكم الظروف السياسية التي مّرَ بها العراق ، خلال العقديّن المنصرميّن ، وبحكم جغرافية العراق السياسية ، وبحكم ايضاً دستور العراق ونظامه الديمقراطي ( رغم العيوب ) ، دخلَ العراق في تحالفات ثابتة وعلاقات دولية متميّزة مع نظراء همْ في حالة عداء ( امريكا و ايران ) ، او مع نظراء متخاصمين ( المملكة العربية السعودية  وايران ) قبل بيانهما المشترك ، ونجحَ العراق في مشواره الطويل ازاء هذا التحدي في العلاقات ، لا بل ساهمَ العراق في تقريب وجهات النظر ، وتقليل المسافات المتباعدة بين المتخاصمين ،  وتفادي تفاقم الاشتباك بين امريكا وايران .

لم تمنع العلاقة الامريكية- العراقية العراق من ان تكون له علاقات ودّية ومصالح متبادلة مع روسيا ، رغم ما تبنّته الادارة الامريكية علناً في السابق و سّراً في الوقت الحاضر شعار ” ان لم تكْ معنا فانت ضّدنا” .

تُقّدمْ المملكة العربية السعودية مشهداً أخر في مسار التحّول البنيوي في العلاقات الدولية ، من خلال قرارات جريئة و ذات بعد استراتيجي تخدمُ بالدرجة الاولى مصالحها الوطنية ، وكذلك امن واستقرار المنطقة ؛ فهي وبالرغم علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية ، تُبادر في علاقات ايضاً استراتيجية مع الصين ،  وتسعى للانضمام الى اتفاقيات دولية آسيوية ذات طابع استراتيجي ، مثل اتفاق بريكست و منظمة شنغهاي .

تُعيد علاقاتها مع ايران ،  وتتواصل مع سوريا لتستقبلها في القمة العربية المزمع عقدها في الاول من شهر مايو في الرياض ، وهي ( اي المملكة ) تدرك بأن ما تتخذه من قرارات قد لا يُفرِحْ امريكا .

      أيران ، هي الاخرى ،تتحرّر من نهج علاقات دولية محكومة بتحالفات مقفله او بمحاور ،فهي ( اي ايران ) تواصلت وتتواصل مع العراق ،رغم تحالف الاخير مع الولايات المتحدة الامريكية ؛ وتتواصل وبقوة مع الامارات العربية المتحدة وكذلك مع البحريّن على الرغم من علاقات التطبيع، واكثر من التطبيع، مع اسرائيل !

لن تتوقف ايران في تطوير علاقتها مع الامارات ومع البحرين ، على الرغم انفتاحهما الكبير على اسرائيل .واعتقد بأنَّ موقف ايران هذا ساهم في تعزيز مقبوليتها لدى دول الخليج .

  مِنْ المفارقات في الموضوع هو ان دول الجنوب او دول العالم الثالث ، وليس الدول الكبرى ،هي التي تقّدم نموذجاً ومشاهد لهذا النوع من العلاقات الدولية . انشغال الدول الكبرى بالعداء بينهما  وبالحروب قلّلَ من هيمنتها ( وخاصة امريكا ) على مصائر الشعوب الاخرى وعلى قرارت الدول الاخرى . دول الجنوب لم تعُدْ تكترث برضا او بعدم رضا هذه او تلك الدولة العظمي ، حين تتخذ قراراً صائباً لمصالحها الوطنية ، ومن اجل امن واستقرار وازدهار دول المنطقة وشعوبها . وقد يكون قرار تخفيض كميات انتاج النفط المُتخذ من قبل الدول الاعضاء في الاوبك ، وفي مقدمتهم المملكة و العراق والكويت وغيرهم ، بتاريخ ٢٠٢٣/٤/٢ ، خير شاهد.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى