رأيسياسة

القمة العراقية الأميركية:بين السوداني الملتزم بالقانون الدولي..وبايدن المتمسك بأمن إسرائيل ( جواد الهنداوي)

 

د. جواد الهنداوي – الحوار نيوز

 

شتّان بين التصريحيّن ،في إدلائهما ، وفي فحواهما ، وفي دلالتهما .

كان ذلك ،خلال اللقاء الذي جمع السيد رئيس مجلس وزراء العراق محمد شياع السوداني والرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض ،بتاريخ ٢٠٢٤/٤/١٦ ، خلال الزيارة التي يقوم بها السيد السوداني إلى واشنطن ،تلبية للدعوة الأميركية.

الرئيس بايدن كان صريحاً للغاية في تصريحه ، وعندما اقول ” كان صريحاً للغاية في تصريحه ” ،اعني انه تصريح مع سبق اصرار وارادة واضحة ومؤكّدة في ضمان وحماية أمن اسرائيل ، وكأنَّ التصريح رسالة موجّهة للعراق وللعالم ولإرضاء إسرائيل . ربما اعتادَ الرئيس بايدن على الإدلاء بمثل هذا التصريح لكل زائر يأتيه من الشرق الأوسط ،و خاصة من الدول العربية ،وبالأخص من تلك الدول ،والتي ما زالت في حالة حرب مع إسرائيل ، و العراق من ضمنها . و ربما أصبحَ هذا التصريح ، لإدارة بروتوكول البيت الأبيض ، فاتحة لكل نقاط حديث الرئيس مع زائريه !

تصريح الرئيس بايدن ( نحن ملتزمون بأمن إسرائيل) مقتضب جداً و ” مُغلق” ! و اقصد بكلمة ” مغلق “،من دون اضافة او شرطية ،اي دون مثلاً ( أمن إسرائيل وأمن واستقرار المنطقة او أمن إسرائيل وأمن الفلسطينين ،او أمن اسرائيل والسلام مع محيطها ، الخ …) ، والمُحزِن في الأمر ، يردُ التصريح وإسرائيل ترتكبُ ابادة جماعي ومجازر …

في مثل هذه اللقاءات ،كل كلمة محسوبة وموزونة ، ولها اثرٌ في معناها وفي موقعها من الجملة ،فليس من باب الإيجاز او كسب الوقت أن تكون العبارة فقط ” نحن ملتزمون بأمن إسرائيل ” ! ومن ذا الذي يجهل هذه الحقيقة ، وجميع زعماء البيت الأبيض،وعلى مختلف انتماءاتهم يرددون بأنّ أمن إسرائيل هو من الامن القومي الأميركي .

بالمقابل ،كان ردّ السيد السوداني ، دبلوماسياً وذكياً للغاية ! كيف ؟

أولاً ، أظّنُ ، ( وظنّي هنا بمعنى اليقين ) بأن السيد السوداني لم يكْ في انتظار هذه العبارة من الرئيس بايدن ! بالتأكيد ،مثل هذا اللقاء لايخلو من حديث عن الوضع في المنطقة ،لاسيما والهجوم الإيراني الذي تزامن مع الزيارة ، ولكن ” نحن ملتزمون بأمن اسرائيل ” لم تكْ في الحسبان . ومع ذلك ،كان ردّ فعل السيد السوداني وجوابه دبلوماسياً وموزوناً ،حيث اتكأ على ركيزة ” القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والأعراف الدولية في حماية المقرات الدبلوماسية  ” وهي إشارات إلى حق الدفاع عن النفس وبالقدر المعقول والمقبول ،وهذا الحق مكفول في القانون الدولي وفي ميثاق الامم المتحدة ، واشارة ايضاً إلى القانون الدولي الإنساني المُستباح من قبل إسرائيل في غزّة ، واشارة ايضاً إلى الأعراف الدولية والتي تمنع الاعتداء على المقرات الدبلوماسية ،وهي اشارة ضمنيّة إلى ما قامت به إسرائيل في قصفها لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق .

قالَ السيد السوداني لبايدن ،في ردّه: ” نحن ، فخامة الرئيس ،كبشرية ، نحتاج إلى نظام دولي يحترم هذه القيم” … وقد ذكر السيد السوداني مُسبقاً القيم المقصودة ، وهي : احترام القانون الدولي وعدم قتل الأطفال والنساء وعدم الاعتداء على المقرات الدبلوماسية واحترام قوانين الحرب . وكل هذه القيم هي منتهكة من قبل الكيان المحتل ،اي من قبل ” الدولة ” التي يلتزم و يفتخر الرئيس بايدن بحمايتها !

أملي و رجائي ان تستمع الادارة الأميركية اكثر من مرّة لما قاله السيد السوداني وان تستنتج المقصود ! ألا وهو ان الدولة التي تلتزمون بحمايتها ،وتذكّرون زائركم بهذا الالتزام لا تحترم كل هذه القوانين ولا تعرف القيم التي تنشدها البشريّة .

ارادَ الرئيس بايدن إيصال رسالة وهي ” ملتزمون بأمن وحماية إسرائيل ” ، فرّدَ السيد السوداني بأيصال ثلاث رسائل عن قتل النساء والأطفال في غزّة ، عن قصف المقرات الدبلوماسية من قبل إسرائيل ،وعن ردّ إيران الذي كان متماشياً مع القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة .

لم يكْ السيد السوداني  بحاجة لذكر اسرائيل ، و فلسطين وايران. الجرائم التي ذكرها دالة على فاعلها ( إسرائيل ) والقوانين التي ذكرها دالة على الضحايا والمُعتدى عليهم .

وما هو دال ايضاً وذو بعد استراتيجي قول السيد السوداني عن حاجة البشرية لنظام عادل يحترم القيم المرتكزة على القوانين الدولية والاخلاق . وهذا هو أعلان لموقف سياسي استراتيجي للعراق .

جاء حديث السيد السوداني متطابقا تماماً مع احكام الدستور العراقي ومع ارادة الشعب العراقي، وايضاً مع ما تحتاجه المنطقة ،و كذلك العالم من أمن واستقرار .

 * سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات

وتعزيز القدرات /بروكسل  

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى