رأي

ماذا يمكن للبناني أن يكتب؟(حيدر شومان)

 

بقلم حيدر شومان – خاص الحوار نيوز

ماذا يمكن لمن يعيش في لبنان أن يكتب؟

 كثير من المواضيع الساخنة تحيط بمخيلته وقلمه والأوراق الماثلة بين يديه… هل يكتب في السياسة ودهاليزها المضلة العابثة؟

هل يكيل الاتهام للسياسيين والزعماء ما خلا زعيمه الأوحد الذي ليس كمثله أحد؟

هل يسب ويشتم كل ما أغرقه في بؤرة حاضره الشاحب وجعله نكرة خافتة من كل نور يثبت أنه موجود على قيد الحياة ولم يعلن الموتُ سرقته بخفية غير ملفتة؟

هل يشكو الله المواطنين الذين رضخوا للعالين في الحكم والمسؤولية وجلّ ما يفعلونه بث الشكوى والحزن والغضب لما آلت إليه الأمور ولا حول ولا قوة إلا بالله؟ هل يكتب في سياسة المال والاقتصاد وحركات العملات الأجنبية المتصاعدة على أشلاء العملة الوطنية، ولهاث المواطنين في جريهم وراء الرغيف والدواء وفواتير الماء والكهرباء؟

ولا يخسر الإنسان في لبنان نفسه عندما يكسب المال، لأن فيه -أي المال- كرامته وعنفوانه وشرفه وأماناً سوف يحمي أولاده عند تكالب الزمان عليهم، وأقساطاً لمدرسة، وباباً مشرّعاً لمستشفى، ودواءً حين المرض…

هل يكتب عن الدين ورجاله وآيات من الكتاب لا تجد لها حيّزاً في الواقع؟

 من المفترض أن يكون هناك تلازم عكسي بين أعداد رجال الدين وحجم الفساد والفاسدين، إذ كلما كبر عددهم (كما يجب أن يكون) نقص حجم الفساد والفاسدين، والعكس صحيح. لكننا في لبنان لا نرى هذا التلازم العكسي متحققاً، فكلاهما في تصاعد مرتفع مريب. وإذ نؤمن بالأديان وكتبها ورسلها، فإن اللوم ملقىً، بطبيعة الحال على رجال الدين الذين لا يقومون بواجباتهم الدينية ولا يساعدون القوم على تغيير أنفسهم ليغيّر الله تعالى ما بهم.

هل يكتب في الشعر والأدب والفلسفة وعلم الاجتماع وما شابه، أم أن كل ذلك بات من الكماليات في بلد يبحث المرء فيه عن الضروريات الحياتية البسيطة كسد رمقه وعياله بينما المستقبل أمامه مجهول ضبابي؟

هل يكتب في قصص الحب والعشق ورموزهما عند العرب والغرب وما نتج من تلك القصص من نهايات أغلبها مأساوي حزين؟ وهل يعيش الحب في قلب إنسان ومعدته ترسم طريقاً لها في مكان آخر وهدف آخر وسبيل في الحياة آخر؟

نحن أناس أدمنّا المأساة فأصبحت واقعاً معاشاً لا نشكو منه بل نحاول دوماً التكيّف مع مساراته وتوجهاته، فحينما تقع المصيبة لا نسرع لحلها أو لتخفيف وقعها وإنما نرسم خطوات عملية غريبة لكي نستطيع السير في كنفها ومرافقة أحداثها بمرونة وانسيابية عجيبة… وللأسف فإن المأساة لا تقتصر على حقل دون حقل، وميدان دون آخر، بل نحضن المآسي الآتية من كل حدب وصوب واتجاه وطريق، نغرق في متاهاتها بانتظار حدث آخر نعيش غماره مجدداً.

ولكن، ومع كل ذلك لن نيأس…   

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى