رأي

حكايتي مع الكلمات المتقاطعة

سألني المحقق الإسرائيلي ،وأنا أسيرُُ أمثل أمامه في دائرة البوليس في ميناء حيفا في حزيران عام 1973: أي جريدة تقرأ؟
قلت وأنا في السابعة عشرة من العمر:أقرأ جريدة "الأنوار"..
قال من صاحبها ..غسان تويني؟
قلت : لا ..سعيد فريحة..
سأل:ولماذا "الأنوار"؟
أجبت ببراءة مطلقة: فيها صفحة كاملة للتسلية والكلمات المتقاطعة..
والحقيقة أنني لم أكن أكذب.فقد كنت في ذلك الوقت أعشق الكلمات المتقاطعة ،وكانت صحيفة "الأنوار" توفر لي هذا العشق.وليس سرا أنني ما زلت حتى الآن أمارس هذه الهواية بشغف شديد .ولا أنكر أن الكلمات المتقاطعة زودتني بثقافة معرفية ممتازة،من حيث مرادفات اللغة وتوسيع دائرة معارفي بالبلدان والشخصيات التاريخية والحاضرة ،من سياسيين وكتاب وأدباء .. الى آخر المنظومة.
وليس سرا أيضا أنني لا أفوت يوميا وفي أوقات الفراغ،شبكة من شبكات الكلمات المتقاطعة ،سواء في الصحف أو عبر الأنترنت،إلا وأجهد في حلها،وأيسرها اليوم في صحيفة "الجمهورية" ،وأعسرها في "النهار" ،مستعينا بمحرك "غوغل" عندما تتعسر الأمور.
قد يأخذ البعض عليّ،كيف أضيع وقتي في هذه الهواية ،بدل قراءة كتاب أو مقالة أو متابعة مقابلة تلفزيونية مفيدة؟
أقول جازما إنني لا أعاقر هذه الهواية من باب التسلية فقط،بل أن الكلمات المتقاطعة أغنت خزينتي الثقافية بالكثير من الفائدة،ولطالما دفعتني الى ملاحقة تاريخ البلدان والشخصيات الغابرة بحثا وتدقيقا وعلما،وفي بعض الأحيان الى مراجعة كتب لم ترد سابقا في ذهني.

وفي المناسبة أجري العديد من الدراسات عن الكلمات المتقاطعة،وتبين في دراسة أميركية أن لها ست فوائد:
1- إن قيامك بحل لعبة الكلمات المتقاطعة بشكل يومي، يعتبر وسيلة هامة للحفاظ على نشاط الدماغ، والوقاية من الزهايمر، خاصة مع التقدم في السن.
2- مشاركة أفراد أسرتك أو أصدقائك في لعب الكلمات المتقاطعة، يحسن من سرعة التفكير والحديث، بالإضافة إلى تقوية العلاقات الاجتماعية.
3- تشغلك الكلمات المتقطعة عن التفكير في مشاكلك الشخصية، وبالتالي هي وسيلة جيدة للاسترخاء، والتخلص من التوتر والمشاكل اليومية.
4- تساعدك الكلمات المتقاطعة على التعامل مع مشاكلك اليومية والعادية، حيث أنها تدرب عقلك من خلال مستويات مختلفة من التفكير.
5- إذا كنت تعاني من الوحدة أو الملل أو الإكتئاب، فإن فتح الجريدة وحل الكلمات المتقاطعة، تساعدك على تجنب مشاعرك السلبية وتتخلص منها.
6- تعمل لعبة الكلمات المتقاطعة على زيادة مفرداتك ومعلوماتك العامة باستمرار، فهي وسيلة جيدة لللتعلم باستمرار، بجانب المتعة.

وفي دراسة بريطانية أن حل الكلمات المتقاطعة يجعل العقل أكثر تنبها عند التقدم في السن ،ما يساعد على تأخير شيخوخة العقل وتجنب الإصابة بالخرف لمدة عشر سنوات.
بناء على ما تقدم ،أشعر حقيقة أن عقلي مايزال شابا على الرغم من اقترابي من سن التقاعد.
يبقى أن الكلمات المتقاطعة تعصمني عن متابعة الكثير الكثير من النفاق السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تضج به وسائل الاعلام على خلافها،والذي غالبا ما يصيبني بالإكتئاب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى