سياسةمحليات لبنانية

مزارع شبعا: القضية الشائكة والمفاوضات المعقدة

 


د. محمد حمدان -الحوارنيوز خاص

في كل مرة يتم الحديث فيها عن مواضيع شائكة ومعقدة تتعلّق بالتركيبة اللبنانية ككل ،يتم تناول قضية مزارع شبعا من زوايا تخدم أحياناً وجهة نظر الكاتب أو الطرف الذي يريد تدعيم مواقعه ومواقفه تجاه قضية معينة. وبكل أسف لم نجد الكثير من الكتاب والمسؤولين الذين يدلون بدلوهم اليوم حول قضية مزارع شبعا، لم نجدهم يتحركون أو يتحمسون لهذه القضية سابقاً حتى عندما كنا نطلب منهم موقفاً تضامنياً في بعض الأحيان. والغريب أيضاً أننا بكل أسف لا نتحرك بقضايانا الوطنية من منطلق وطني صرف مهما كانت الظروف وأياً يكن المستفيد أو المتضرر من القضية، بل نسعى دائماً لربط هذه القضايا بالمصالح والخلفيات والزوايا الخاصة بكل طرف.
أردت من هذه المقدمة أن أقول بأن قضية وطنية إسمها مزارع شبعا وهي تمثل أرضاً لبنانية محتلة من قبل اسرائيل يجب، بالمنظار المجرد والوطني، أن لا تكون ولا تشكل حالة خلاف أو إنقسام بين المواطنين اللبنانيين وبين القوى اللبنانية، لا بل يجب أن تشكل حالة اجماع عند كل الوطن من أجل استعادتها وتحريرها أولاً، ثم يبدأ الاجتهاد والاختلاف حول الوسائل وهذا أمر جائز ولا ضير فيه.
لقد تأسست هيئة أبناء العرقوب في 22/1/1985 وكان من أبرز أهدافها، لا بل أحد أسباب وجودها قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لأننا كأبناء لهذه الأرض نعلم بأنها ليست جزءاً من حسابات السياسيين أو السلطة في لبنان. وكان علينا أن نأخذ قضيتنا بأيدينا وناضلنا، قبل تاسيس الهيئة مع المؤتمر الشعبي ومنذ تأسيسها، خلال عشرات السنين حتى استطعنا انتزاع اعتراف رسمي من الدولة اللبنانية بأنها تتبنى هذه القضية وشكّلنا بالتعاون مع وزارة الخارجية اللبنانية الملف الرسمي لأول مرة عام 1999 في ظل حكومة الرئيس سليم الحص. ومنذ ذلك التاريخ بدأ تناول القضية من قبل الدولة اللبنانية ومن قبل السياسيين ومن قبل الكتّاب والباحثين وغيرهم.
لذلك نريد إلقاء الضوء على هذه القضية اليوم على وقع التسريبات والطروحات التي تحصل فوق الطاولة أو تحتها من أجل ترسيم الحدود البرية والبحرية من مزارع شبعا حتى الناقورة  بوساطة أميركية أو أوروبية أو أممية والمقايضات التي يمكن أن تطرح بين البر والبحر . لذلك يمكن أن نلقي الضوء بتلخيص شديد على هذه القضية كما يلي :

أولا : طبيعة القضية :

1- مزارع شبعا هي عبارة عن 14 مزرعة أو قرية صغيرة يملكها أهالي بلدة شبعا بموجب سندات ملكية مسجلة في الدوائر العقارية اللبنانية في صيدا .
2- مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تشكل مساحة كبيرة من الأرض تتجاوز حسب التقديرات 120 كيلومترا مربعا .
3- كان يسكن فيها بشكل دائم أوموسمي عند احتلالها 1800 عائلة من ابناء بلدة شبعا وعائلاتها وأكثر من 1000 عائلة تملك ارض وبساتين دون ان تقيم في المزارع وقام العدو الصهيوني بتدمير ونسف  أكثر من 1200 منزلا في المزارع بعد احتلالها .
4- مزارع شبعا منطقة استراتيجية وغنية وفيها أكثر من 23 ينبوع مياه موسمي ودائم عدا عن المياه الجوفية في جبل الشيخ واشجار الزيتون والأشجار المثمرة المتنوعة وتقع على مثلث الحدود اللبنانية – السورية – الفلسطينية  واقام فيها العدو منتجعا سياحيا ومدرسة للتزلج وفيها أكثر من سبع مراكز عسكرية اسرائيلية ضخمة.
5-  لم يتم احتلال مزارع شبعا خلال حرب 6 حزيران 1967 لأن لبنان لم يدخل الحرب ولكن بعد احتلال الجولان وتحديداً بعد 20 حزيران 67 بدأت الاعتداءات الإسرائيلية على المزارع من خلال شن هجمات ودوريات ضد الاهالي في المزارع وقد استخدم جيش الإحتلال أسلوب القضم بعد التهجير وتدمير المنازل والممتلكات وحرق البساتين.
6- استمرت عملية القضم لغاية عام 1972 حيث تم وضع الشريط الشائك حول المزارع واقيمت بداخلها المراكز العسكرية لجيش الإحتلال الإسرائيلي.
7- هناك مجموعة دلائل واعترافات إسرائيلية بأن المزارع لم تحتل عام 1967 وهي:
أ- بيان عسكري إسرائيلي رسمي صادر في 3/12/69 يقول: "اعلن ناطق عسكري إسرائيلي أن قوات إسرائيلية عبرت الحدود مع لبنان من الجولان السوري المحتل ودمرت قاعدة للمخربين (الفدائيين) تقع في جبل الروس (وجبل الروس هو جزء من مزارع شبعا)". (الديار- 22/10/2004).
ب- البيان العسكري الفلسطيني حول هذه المعركة يقول بأنها دارت في وادي العسل وهي آخر حدود المزارع مع الجولان. (الديار 22/10/2004).
8- في العام 1985 أقدم الصهاينة على إقامة مركز رادار حديث في تلال جبل الشيخ مقابل بلدة شبعا وهذا المركز، يراه الزائر بالعين المجردة، ولم تنسحب منه بموجب القرار 425
9- في العام 1989 أقدم الصهاينة على احتلال مزرعة بسطرة وهي المزرعة رقم 15 والآن هي منطقة محررة انسحب منها العدو عام 2000.

ثانيا : الموقف السوري من المزارع يتلخص بالتالي:

في البداية لا بد من الاشارة إلى  أن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وخاصة في منطقة المزارع قد تم بعد اعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 وبموجب اتفاقية نيوكامب – بوليه عام1923. وتم تثبيت هذا الترسيم عام 1934 حيث ارسلت نسخ من الاتفاقية إلى عصبة الأمم، ثم أعاد لبنان ارسال هذه النسخ مرة ثانية عام 1947 إلى هيئة الأمم المتحدة بعد تأسيسها لتحل مكان عصبة الامم. وهذه الوثائق موجودة ولن ندخل في تفاصيلها الآن لانها ليست موضع بحثنا ولكن نريد الاشارة الى بعض الأمور التي تؤكد هذا الأمر:

أ- بتاريخ 29/9/1946 بعثت سوريا برسالة إلى الحكومة اللبنانية حملت الرقم (52-124)574 تقول بأن مزارع شبعا هي أرض تحت السيادة اللبنانية خلافاً لما ورد في بعض الخرائط.
ب- بتاريخ 24/10/2000 قدّم المندوب السوري في الأمم المتحدة ميخائيل وهبة رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة يقول فيها بأن مزارع شبعا لبنانية.
ج- ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تولته لجنة مشتركة لبنانية-سورية في العشرينات والتي عالجت مشكلة قرى طفيل السورية التي ضمت إلى لبنان، وفي العام 1935, تمت معالجة مشكلة قريتي نيطا وبحنونة ومزرعة دير العشائر التي ضمت جميعها إلى لبنان ولم تكن مزارع شبعا ضمن نقاط الخلاف.
د- هناك محاضر للّجان المشتركة السورية-اللبنانية بتاريخ 27/2/1964 و21/2/1967 تقول "بأن الحدود العقارية والإدارية لأقضية حاصبيا وراشيا وبعلبك والبقاع هي الحدود الدولية بين البلدين". ومزارع شبعا تقع ضمن الحدود العقارية لقضاء حاصبيا.

ثالثا : موقف الأمم المتحدة من المزارع:

أ- يستند موقف الأمم المتحدة إلى تقرير الأمين العام كوفي أنان بتاريخ 22/5/2000 والذي يعتبر فيه أن "إسرائيل" نفذت التزاماتها بالانسحاب من الأراضي اللبنانية وبالتالي طبّقت القرار 425.
ب- فيما يخص مزارع شبعا يقول أنان "قدّمت الحكومة اللبنانية بتاريخ 15/5/2000 خريطة صادرة عام 1966 تظهر فيها المزارع داخل الأراضي اللبنانية. ولكن لدى الأمم المتحدة خرائط أخرى صادرة عام 1966 عن مؤسسات حكومية لبنانية منها وزارة الدفاع والجيش وجميعها تضع المزارع خارج الحدود.
ج- يقول السيد أنان أيضاً أن لبنان أرسل مستندات تثبت ملكية مزارع شبعا ولكن هذا الأمر يجب إثباته بوثائق رسمية بين البلدين، دون تحديد نوعية هذه الوثائق.
د- يقول الرئيس سليم الحص بأن الأمم المتحدة لم تطلب أية وثيقة من لبنان حول المزارع بل وضعتها بموجب تقرير أنان ضمن القرار 242.

رابعا : موقفنا نحن من القضية وكيفية التحرك:

انطلاقا من العرض الذي تقدمنا به ومن الاشكالية الأساسية التي طرحناها في البداية ،  فاننا نرى أنه يجب قيادة تحرك خاص واستثنائي من أجل انقاذ هذا الحق من الضياع والنسيان مجددا عبر الخطوات التالية :
1-  تشكيل لجنة خاصة برئاسة وزير خارجية لبنان تضم مندوبين عن هيئة أبناء العرقوب كممثل عن أصحاب الحقوق ، دبلوماسيين ، حقوقيين وعسكريين تكون مسؤولة عن متابعة ملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقيادة تحرك فعال لتصويب موقف الامم المتحدة من هذه القضية.
2- اذا طلبت الامم المتحدة وثيقة خاصة أو خرائط أو محاضر لها علاقة بالاتفاق بين لبنان وسوريا على لبنانية المزارع، عندها على الحكومة اللبنانية تجهيز كل المحاضر والاتفاقيات ذات الصلة والقيام بالاجراءات التي تؤدي الى اثبات هذا الحق.
3- رفض الحاق مزارع شبعا بالقرار 242 لأن فيه ضرراً للبنان وضياعاً لحقوقنا ويتطلب مفاوضات واتفاقات سلام وغير ذلك من مباحثات ولجان حسب مندرجات هذا القرار. والاصرار على أن القرار 425 هو الذي يشمل مزارع شبعا ونتمسك بموقف لبنان الرسمي والشعبي على اعتبار تنفيذ هذا القرار غير ناجز قبل تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
4- يجب أن يعدّ لبنان ملفاً لطلب التعويض عن الخسائر التي لحقت باصحاب الحقوق في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا من خلال تدمير البيوت وخسارة المواسم الزراعية واحراق البساتين. ولأن هذه المناطق تم الاعتداء عليها في اوقات لم يكن لبنان دخل فيها أية حروب ضد اسرائيل ولم يكن احتلال هذه الارض جزءاً من اجتياح عام 1978 أو اجتياح عام 1982، بل شكل احتلال المزارع عدواناً صارخاً يعبّر عن الاطماع الاسرائيلية بهذه الارض، وهذا ما يسهّل للبنان امكانية رفع شكوى امام المحاكم الدولية والمطالبة بالتعويض.
في خلاصة الأمر هناك تقصير تتحمل مسؤوليته الدولة اللبنانية المطلوب منها التحرك والرد على كل تصريح يأتي من أية جهة كانت يتعارض مع المصلحة الوطنية اللبنانية في استرجاع المزارع والتلال. فهذه الأرض قبل ان تكون ملكاً لاصحابها هي جزء من السيادة الوطنية اللبنانية وعلى الدولة اللبنانية الدفاع عنها وحمايتها وأن لا تكون الغائب الأكبر في هذه القضية. ونحن حين نضع هذه المقترحات فإننا ندرك حجم التقصير الرسمي تجاه هذه القضية ولكننا نريد أن نرسم تصورا أو اطارا لادارة هذه الأزمة بشكل سليم. اننا أمام أزمة دولية وأقليمية معقدة وتتداخل فيها مصالح الدول والأطراف وعلينا أن نحسن ادارة هذا الملف وأن نضع استراتيجية وطنية واضحة مدعمة بالوثائق والحجج والمعطيات الضرورية لمواجهة العدو وأطماعه المدعومة دوليا وأميركيا .ان كم المعلومات والوثائق المتوفرة حول هذه الأزمة كفيلة بإثبات الحق وتشكيل رأي عام دولي داعم له اذا ما احسنا ادارة الأزمة بعناية وذكاء واصرار على حقنا.
*استاذ في الجامعة اللبنانية  ورئيس هيئة أبناء العرقوب

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى