سياسةمحليات لبنانية

ماكرون أجهض مبادرته بنفسه!

 


كتب حسين حاموش:
• في خلفية مبادرة ماكرون :
أ)- تحسين وضع حزبه -ماكرون – “الى الأمام   “En Marche” ذي التوجهات الوسطية على جميع الأصعدة لا سيما على الصعيد الشعبي .
ب)- اتخاذ لبنان -مرفأ بيروت – قاعدة ارتكاز لفرنسا وضمناً لأوروبا على المتوسط ،لا سيما في ما يتعلق بالنفط والغاز وتحديدا في المواجهة مع تركيا .
بالخصوص المذكور تجدر الإشارة الى ان وفدا من ثلاث شركات بحرية فرنسية رافقت ماكرون في زيارتيه لبيروت
ج) – في استراتيجية المبادرة : تحقيق التطبيع مع العدو الاسرائيلي تزامناً مع التطبيع الخليجي – السوداني ، الأمر الذي يستلزم تأليف حكومة من “المستقلين ” الذين يوالون الغرب ومهمتهم ” البصم ” على بياض “،حيث لا يكون هناك تمثيل وزاري للكتل النيابية لا سيما للثنائي الشيعي، بما يضمن تنفيذ ما هو مطلوب من قبل الحكومة العتيدة ( لا سيما على صعيدي التطبيع والحوار المباشر مع العدو الاسرائيلي بدءاً من ترسيم الحدود البحرية والبرية).
يريدون حكومة كحكومة 2005 – 2006 حيث استقال الوزراء الشيعة دون تعيين بديل لهم .وكان ذلك تمهيدا للعدوان الاسرائيلي عام 2006 .وقد تفرد انذاك الرئيس فؤاد السنيورة بالمفاوضات حكومياً ولكن تطور الوضع العسكري آنذاك لمصلحة المقاومة (حزب الله) وصلابة الرئيس بري بالتفاوض وتلبية المهجرين لدعوته والسيد نصرالله الى العودة الى ديارهم في الجنوب “قبل صياح الديك ” حيث انقلب المشهد واجهض السيناريو الاميركي – الاسرائيلي ولم يتحقق حلم وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس التي كانت قد صرحت بتاريخ 24/7/2006:
• ” ان ما يجري في لبنان ليس سوى الام مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد”
• والجدير ذكره انه اثناء الحرب المذكورة وبعدها لم يقفل النقاش بشأن دور رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة في مجريات الحرب ومفاوضاتها.
• ومن الذكريات المؤسفة ان الرئيس السنيورة اسرع الى الوقوف على باب السرايا ليحضن رايس ويطبع على وجنتيها “قبلة ” (كما بينت الصورة آنذاك 24/7/2006) بينما كانت الطائرات الاسرائيلية (والاميركية الصنع )تدمر الحجر والبشر …”الي استحوا ماتوا”فعلاً!
• د)- ماكرون لا يتمتع بصلاحيات مطلقة لمبادرته .فالاميركي وضع له ضوابط محددة بخصوص التنفيذ …بما يعني ان فرنسا وحدها لا يمكن ان تنقذ الوضع اللبناني دون التكامل مع الاميركي ودون التنسيق مع السعودية .ووفق هذه القاعدة كانت الاتصالات مفتوحة بين فريق ماكرون وفريق وزير الخارجية الاميركي بومبيو ومباشرة بين وزيري الخارجية الفرنسية لودريان والاميركية بومبيو .كما جرى اتصال بين ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل المؤتمر الصحافي الذي عقده ماكرون يوم الأحد الماضي .
*حول المؤتمر الصحافي لماكرون (الأحد 27 أيلول 2020)قصر الاليزيه:
قبل البحث في ابرز ما جاء في المؤتمر الصحافي المذكور لا بد من التأكيد على :
أن من أجهض المبادرة الفرنسية هو ماكرون نفسه.فمنذ بداية زيارته الى بيروت وتحركه واتصالاته واجتماعاته مع جميع القوى والفعاليات السياسية بدا واضحاً الارباك والارتباك في طروحات ماكرون .
في تأليف الحكومة :
في بداية المشوار تحدث عن حكومة مؤقتة ثم ذهب الى حكومة اتحاد وطني ثم انتهى الى حكومة مهمة تتألف من اختصاصيين “مستقلين”.
في الانتخابات المبكرة:
كما في الحكومة قال بانتخابات مبكرة خلال سنة .ثم عدل ورأى ان المجلس النيابي منتخب وفق القانون ومن الشعب مباشرة ولا داعي لانتخابات مبكرة .
في العلاقة مع حزب الله:
في قصر الصنوبر اعلن ان حزب الله منتخب من قبل الشعب وله كتلة برلمانية …
وحول مطالبة بعض الأحزاب بنزع سلاح حزب الله اجاب ماكرون :ان سلاح حزب الله والمسائل الخلافية ليس وقتها الآن.
وخلافاً للأنظمة الدبلوماسية والبروتوكولية والاصول التي تحكم العلاقة بين الدول وخلافاً لأصول الضيافة ، هدد ماكرون وتوعد جميع رؤساء الكتل النيابية الذين لبوا دعوته إلى قصر الصنوبر بأن “العقوبات آتية “بحق كل من لا يسير بركب المسيرة !؟
ماكرون بدا كأنه “المفوض السامي” وكأنه في زمن الإنتداب الفرنسي من عام 1917 حتى عام 1943 ، وليس رئيس جمهورية “فرنسا العظمى “!؟
وبالمقابل و للأسف لم يعترض احد من الحضور ولو بكلمة ولو بتسجيل موقف .
• في الاجراءات لتأليف الحكومة العتيدة:
خلافاً للدستور وللقوانين المرعية الاجراء وللعرف والعادة أعطى الرئيس المكلف ظهره للكتل النيابية ،لا سيما الوازنة منها والتي لها ثقلها النوعي ودورها وحضورها المؤثرين ،ان في عملية التأليف أو في منح الثقة للحكومة او حجبها عنها ،وحصر علاقته برباعي رؤساء الحكومات السابقين حيث التزم وتبنى كل ما زود به من قبلهم .علما ان الرؤساء الحريري وميقاتي وسلام لا يشكلون ربع عدد اعضاء مجلس النواب … والرئيس السنيورة لا صفة نيابية له!!

مصطفى أديب رشحه قصر الاليزيه الذي يتحمل مسؤولية كاملة عن ما قام به (أديب) وحيث ان الرئيس ماكرون لم يبد اي اعتراض ،ولم يسجل اي ملاحظة بالخصوص المذكور بما يعني انه قابل بمخالفة الدستور والقوانين والانظمة اللبنانية، وانه قابل بما تفتي به اقلية نيابية تجسدها رباعية رؤساء الحكومات السابقين، لا بل انه (ماكرون ) وقع في خطأ جسيم ان لم نقل بخطيئة .فهو يدفع باتجاه التفرقة لا الوحدة بين اللبنانيين .. ويدفع باتجاه تغليب فريق على آخر وبالتالي يدفع باتجاه اضعاف مبادرته …بما يؤدي الى اضعاف الدور الفرنسي ليس في لبنان وحده بل بالمنطقة ككل.
• في الرد او بالاحرى في التعليق على ابرز ما جاء في المؤتمر الصحافي على لسان ماكرون :
١)” الأمر بيد الرئيس بري و حزب الله فهل يريد الطرفان ادخال الشيعة في الديمقراطية وفي المصلحة اللبنانية ،او في السيناريو الأسوأ ؟
٢) …” حزب الله ليس باستطاعته ان يكون جيشاً يحارب اسرائيل، وميليشيا في سوريا ،وان يكون في الوقت ذاته حزباً محترماً في لبنان وهو اظهر العكس وعليه ان يفهم انه يخسر لبنان بأسره”.
• في التعليق على ما جاء اعلاه :
• في الرقم ١ :
• ” ادخال الشيعة في الديمقراطية وفي المصلحة اللبنانية “
• في الديمقراطية: في ميثاق وانظمة حركة أمل وحزب الله التزام المسار الديمقراطي على جميع الاصعدة نصاً وروحاً وممارسة، لا سيما في الانتخابات النيابية والانتخابات النقابية في جميع الاتحادات والنقابات القطاعية (سواء في القطاع العام او القطاع الخاص )والالتزام بالنتائج سواء اكانت لمصلحتهم ام لمصلحة الغير .
• في العام 2009 خسر الثنائي الشيعي وحلفاؤه الانتخابات النيابية ،فكان ان صدر موقف من كل من حركة أمل ومن حزب الله  بالرضوخ للديمقراطية والالتزام بنتائج الانتخابات .
• وفي العام 2018 فاز الثنائي الشيعي وحلفاؤه بالانتخابات النيابية، ولكنه لم يقل الامر لنا وآثر الوحدة الوطنية …وتالفت حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري كانت جامعة شاملة لجميع القوى الفاعلة ولم يستثن أحد.
• وفي الممارسة داخل المجلس النيابي كان الرئيس نبيه بري وما زال وسيبقى عراب الاجماع الوطني نيابيا عند اقرار اي قانون او اتخاذ اي قرار في مجلس النواب ،وليس كمثله من يدور الزوايا من اجل الاجماع الوطني .
• وكذلك الامر في التصويت داخل مجلس الوزراء ،وكم من مرة التقى فيها موقف الثنائي الشيعي او احد طرفيه مع موقف القوات اللبنانية (احد ابرز الخصوم السياسيين )
• ويشهد للثنائي الشيعي انه ارتضى في الحكومة التي ترأسها الرئيس نجيب ميقاتي التنازل من حصته الوزارية لمصلحة الوزير فيصل كرامي ،حرصاً وحفظاً للتوازن الوطني (يومها زادت الحصة السنية وزيراً عن الحصة الشيعية ).
• يكفينا ان الرئيس بري هو في لبنان حامي الوحدة الوطنية وفي المؤتمرات البرلمانية العربية “جامع الشمل “العربي ومقرب المسافات بين المتباعدين والمتنافسين وفي المؤتمرات البرلمانية العالمية ،يسجل له الدور المميز والمؤثر في التقريب بين الشعوب من جميع انحاء العالم .
• ب) في المصلحة اللبنانية: شأن الثنائي الشيعي في المصلحة اللبنانية كشأنه في المسألة الديمقراطية .
• وفي هذا المجال يسجل لحزب الله أنه حرر الجنوب عام 2000 من رجس العدو الاسرائيلي بعد احتلال دام 22سنة دون قيد او شرط… ولم تعمل الدول الكبرى على تنفيذ القرار 425 الصادر عن مجلس الامن عام 1978،ومن بينها  (فرنسا) ،وكان أول قائد”لقوات الطواريء (كما كانت تسميتها آنذاك)جنرال من الجنسية الفرنسية .
يومها ابلغ حزب الله الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش اللبناني ان يقوما بمسؤوليتهما اتجاه المواطنين واحالة كل من تعامل مع اسرائيل على القضاء اللبناني الذي يقرر ادانته او تبرئته.
حزب الله انتصر على العدو الاسرائيلي ولم يحول نصره الى انتقام من اي مواطن لبناني ،لاسيما الاخوة المسيحيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم الحزبية…
وفي انتصار حزب الله على العدو الاسرائيلي عام 2006 سأل وليد جنبلاط السيد نصرالله: “لمن تهدي النصر” . اجاب السيد نصرالله : الى جميع اللبنانيين.ولم يجير نصره ضد اخصامه اللبنانيين من جميع الاحزاب والطوائف.
من جهته الرئيس بري طلب من رئيس مجلس الجنوب ان يؤمن لجميع القرى المسيحية في الشريط الحدودي خاصة وفي الجنوب عامة ،كل ما يلزم سواء من اعادة تعمير الابنية المدمرة او ترميم بعضها وتأمين الحاجات وكل ما يساعد تنشيط الزراعة على اختلاف قطاعاتها.
هذا الاهتمام المميز من الرئيس بري بالمسيحيين زادهم ثقة بالامان والاطمئنان .
وفي زيارة لزعيم احد الاحزاب المسيحية لعدة قرى اساسية مسيحية في المنطقة الحدودية في ايام الانتخابات، فوجيء الزعيم المذكور في احدى الكنائس بالناس تخاطبه بصوت واحد :”نحن هنا لا اسلام ولا مسيحية نحن لبنانية”.وطلباتنا من الرئيس بري تنفذ فوراً دون نقاش”.

بدورنا نسأل الرئيس ماكرون اين كان حرص فرنسا على الديمقراطية والمصلحة اللبنانية يوم احتلت القوات الاسرائيلية عام 1982 العاصمة بيروت وأغلبية المناطق اللبنانية.؟
اين كان حرص فرنسا على المصلحة اللبنانية عندما انزلت القوات الفرنسية الخاصة جنبا الى جنب مع قوات المارينز الاميركية مابين عامي 1982-1983 تعزيزاً للاحتلال الاسرائيلي ؟.
اين كان حرص فرنسا على المصلحة اللبنانية عندما اغرقتم لبنان بحوالي مليون نازح سوري ومنعتم وحلفاءكم الاوروبيين والأميركيين من عودتهم الى ديارهم خوفاً من هجرتهم الى اوروبا وبلاد الانتشار؟ .
اين كان حرص فرنسا على المصلحة اللبنانية عندما اشترطتم في مقررات "سيدر" على الدولة اللبنانية ان يكون القسم الاكبر من اليد العاملة من النازحين السوريين على حساب اليد العاملة اللبنانية التي تعاني من البطالة الى حدود الفقر، الامر الذي زاد من حدة الأزمة المعيشية والاقتصادية ؟
على ضوء ما ذكر لا يحق للرئيس ماكرون ولا لأي مسؤول اجنبي مهما كان شأنه أن يهددنا بالسيناريو الأسوأ.
في الرقم 2:
أ)”ليس باستطاعة حزب الله ان يكون جيشاً يحارب اسرائيل ” -حسب ماكرون.
في المواجهة المستمرة منذ العام 1982 ولغاية اليوم بين المقاومة الاسلامية-حزب الله- والعدو الاسرائيلي ، استطاعت المقاومة ان تسجل انتصارات نوعية في المواجهة مع اسرائيل ،عجزت عن تحقيقها اكبر جيوش العالم بكل تواضع ودون مغالاة.
منذ حوالي السنة وجيش العدو الاسرائيلي “واقف على رجل واحدة ونصف  ويعاني ضباطه وجنوده من ازمات نفسية حسب اعلام العدو. ولعل الأجهزة الامنية والعسكرية تطلع ماكرون على ذلك…
كما يواجه جيش العدو عقدة الجبهةً الداخلية لا سيما المستوطنين في المنطقة الشمالية الذين يتشاركون الخوف والقلق مع الجيش الاسرائيلي .ليطمئن الرئيس ماكرون ان المقاومة الاسلامية تبقى مقاومة ولكن بقوة وامكانات وجهوزية تضاهي اهم جيوش العالم .
ب) …”وميليشيا في سوريا”:
المقاومة تبقى مقاومة في اي ساحة من ساحات الميدان وهي قوة اساسية الى جانب الجيش السوري في مواجهة الارهاب .
وجود المقاومة في سوريا كان ضرورة لحماية لبنان من الارهابيين .
وقد تعززت قدراتها وخبراتها وكان لها مساهمة كبيرة في استعادة مواقع استراتيجية لا سيما في ادلب وفي الغوطتين الشرقية والغربية وفي حلب وريفها.وما تزال المقاومة قوة لايستغنى عنها في سوريا .
وقد استطاعت المقاومة  تحرير الجرود الشرقية – عرسال في فترة زمنية قصيرة ادهشت كبار الخبراء العسكريين والامنيين محليين وعربا واجانب.
كما انها ساندت الجيش اللبناني في تحرير جرود القاع- راس بعلبك .
ج) – “في الوقت ذاته حزب محترم في لبنان”:
(حقاً حزب الله حزب محترم .وجمهوره نوعي يشمل جميع الاجيال العمرية وجميع القطاعات ويقدر (الجمهور ) والانصار بمئات الالاف.
هذا الى جانب الافواج الكشفية والدفاع المدني ولجان دعم المقاومة.
والانتخابات النيابية اثبتت ان تحالف حزب الله وحركة أمل هو الوحيد الذي حصد جميع المقاعد النيابية المخصصة للشيعة وخرق حلفاءه في مختلف الطوائف الاسلامية والمسيحية اللوائح الرئيسية .هذا،في ظل تراجع احزاب وتيارات ومنظمات لبنانية تراجعاً انحدارياً افقياً وعامودياً .
استطاع حزب الله ومازال وسيبقى ان يكون في آن واحد مقاومة بحجم جيش كبير في وجه العدو الاسرائيلي ،ومقاومة في مواجهة المجموعات الارهابية في لبنان وسوريا ،وحزبا سياسيا ً له جمهوره المميز كماً ونوعاً وتمثيلاً نيابياً ووزارياً فاعلاً ومؤثراً اداء وحضوراً .

في الخلاصة،
لم يخطيء ماكرون بل ارتكب خطيئة بالتشخيص والتقدير لدور حزب الله وقدراته ،وعليه ان يدرك (ماكرون) انه خسر قوة اندفاعته واصاب مبادرته اصابات بليغة وقاسية قد تؤثر على دوره وحضوره داخل فرنسا واوروبا وخارجهما.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى