دولياتسياسة

افريقيا تنتفضْ : تنسيق ام تنافس روسي -إيراني تجاهها(جواد الهنداوي)

 

   د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز – بروكسل

        أعتقدُ كلاهما ( تنسيق وتنافس ) هما السائدان الآن بين البلديّن ،حيث تربطهما اهداف واتفاقيات استراتيجية اقتصادية وسياسيّة وعسكرية ،تتجاوز حدود و جغرافية البلديّن .

       تنسيق حين يكون الهدف ازاحة النفوذ الغربي ( الامريكي والفرنسي ) ، وتنسيق وتعاون وتبادل اداور حين تروم ايران اهدافاً تختلف عن تلك التي تسعى اليها روسيا .

     تنافس كذلك ،ولكنه رهن التخطيط ومؤجّلْ ، و إذا احتدم في المستقبل ، فسيكون تحت السيطرة ،طالما كلا البلدين يتبنيّان اهدافا استراتيجية مشتركة وبعيدة المدي و مُعلّنة؛ روسيا تتبنى انقاذ افريقيا من الاستغلال والامبريالية الغربية ، و ايران تتبنى نُصرة المستضعفين و التحرّر من الشيطان الاكبر ، وحسبَ تصريحات الجمهورية الاسلامية في ايران .

     لنأتي اولاً على روسيا و افريقيا حيث جمعتهما قمّة بطرسبورغ قبل ايام قلائل بدعوة وبتنظيم من قبل الاتحاد الروسي .ماذا حدثَ في القمّة، وماذا حدثَ تزامناً مع القمّة ؟

     كرّرَ الرئيس بوتين تنديده باستغلال امريكا والغرب لثروات افريقيا ،ومنذ عقود ، تعهّد بتزويد الدول الافريقية بالحبوب وعلى شكل دفعات ومجاناً.تعهّد الرئيس بوتين ايضاً بتعاون مع الدول الافريقية من اجل مكافحة الارهاب ومكافحة الفساد ونهب ثروات افريقيا .

     حضرَ القمّة زعيم فاغنر ،او قائد التمّرد الفاشل والذي دام يوم واحدا ! والتقطَ صوراً تذكاريّة مع بعض رؤساء الدول الافريقية ، وقائد فاغنر معروف في افريقيا اكثر مما هو معروف في روسيا ،لانها ساحة عملهِ  ومنذ سنوات .

وما يجري الآن من تقارب روسي- افريقي ، وتغييرات في هرم السلطة في بعض الدول الافريقية ، يعود الى جهود ومساعي قائد فاغنر الجنرال بريغوجين .

 

    تزامناً مع قمّة بطرسبورغ ، أُطيحَ برئيس البلاد في النيجر ، والموالي لامريكا وللغرب ،وتولى زمام السلطة قائد الحرس الجمهوري ، القريب الى موسكو ، وعمّت البلاد تظاهرات عجّتْ بالاعلام الروسيّة .

     وقررت النيجر ايقاف تصدير اليورانيوم لفرنسا والغرب ، قرار لم تستسيغه فرنسا وهدّدت بتدخل عسكري ،اثار حفيظة وتضامن دول افريقية اخرى ( مالي و بوركينو فاسو وغينيا ) ، مع النيجر . ستطلب النيجر حتماً دعما عسكريا روسيا ،و لن تتردّدْ روسيا عن دعم النيجر عسكرياً . أو ليسَ الناتو و فرنسا يحاربون روسيا في أُوكرانيا ! مشهد آخر ،قابل للتطور نحو نزاع دولي بين الكبار مسرحه ، افريقيا وليس فقط اوروبا .

    قمّة بطرسبورغ ، حضور بريغوجين القّمة ، تعهدات الرئيس بوتين للدول الافريقية ، و الانقلاب في النيجر ، و قرار حكومة بوركينو فاسو في الامس ، و القاضي  بإيقاف تصدير اليورانيوم الى الغرب ؛ احداث تزامنت و أجتمعتْ ليس بمحض الصدفة ، وجميعها تعزّز موقف الرئيس بوتين وتعزّز موقف روسيا وحلفائها ،وفي مقدمتهم إيران .

     

    قبل اسبوعيّن ، انهى الرئيس الايراني  جولته الافريقية ، و التي شملت ثلاث دول ،كينيا ، اوغندا ،زمبابوي . وفسّرها بعض المحلّلين بمحاولة ايرانيّة لفك عزلتها الدولية والالتفاف على العقوبات المفروضة عليها ، بيدَ أنَّ الهدف ابعد من ذلك بكثير ويندرجُ في اطار تنسيق استراتيجي روسي -ايراني ،مُثمر و منّتج .

    لاشك ،بأنَّ لايران اهدافا اقتصادية ، وتروم ايران ايجاد اسواق لصناعاتها المدنية و العسكرية . و جولة الرئيس الايراني جاءت في وقت والدول الافريقية تنتفض ضّدَ الهيمنة الغربية ،وتبحث عن مسار دولي آخر للتعاون والتنمية ، وتضعُ الدول الافريقية اسرائيل في محور الدول الغربية ، ولاسرائيل ايضاً دور و مصالح في كثير من الدول الافريقية . هدف الحضور والدور الايراني في افريقيا ليس منافسة روسيا ، وانما بكل تأكيد منافسة الدور الاسرائيلي ،والعمل على تقليصه قدر الامكان ،والاستفادة من ظرف النهوض الشعبي والرسمي الافريقي ،المعادي للغرب ، و مِنْ الحضور الروسي وقوات فاغنر ،والتي تسعى الى تقليص الدور الغربي في القارة السمراء  .

*                رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات

               و تعزيز القدرات /بروكسل / في ٢٠٢٣/٨/١.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى