إقتصاد

لهذه الأسباب سينهار الدولار الأميركي العام المقبل..وهذه هي النتائج!

 

كتب علي يوسف*
يتنازع الاقتصاديون وحتى السياسيون في لبنان وفي العالم توجهان حول مفاعيل ونتائج السياسة الاميركية المتبعة على صعيد فرض العقوبات على اخصامها بهدف إخضاعهم والقبول بشروطها ،أو بهدف وضع حد لنموهم بما يحافظ على التفوق الاميركي وعلى حجم الإقتصاد الأميركي في  السوق العالمية.
فمنهم من يعتبر أن لا أمل لأي مواجهة للسياسة الأميركية ،ويدعو بالتالي إلى الإسراع في قبول شروطها تخفيفاً للأضرار ،مستعيناً بتراجع الدول الكبرى الأخرى أمام اندفاعاتها كأوروبا التي باتت شبه تابعة، أو روسيا التي تتعامل بحذر مع هذه السياسة بما لا يوصل إلى أي صدام حاد، أو الصين التي تتراجع خطوة تلو الأخرى فتقبل بشروط أميركية كان من الصعب التصديق بإمكان قبولها كتوقيع اتفاقية التجارة التي قبلت الصين بموجبها بشراء منتوجات من الولايات المتحدة الاميركية بقيمة 200 مليار دولار دون تحديد السلع أو الأسعار !!!.
كما يعتبر آخرون أن لا سبيل إلاّ مواجهة السياسة الأميركية لأن هذه السياسة لا تعرف حدوداً وأن القبول بشروط معينة حالياً سيعني انتظار شروط أقصى في المرحلة المقبلة وبالتالي فإن أي تراجع سيزيد حجم الأضرار ويؤجل المواجهة بحيث تستحق لاحقاً في وضع أصعب.
إلاّ أنني أعتقد أنه مهما كانت وجهة النظر حول هذا الأمر فإن التطورات سوف تفرض واقعاً متسارعاً ،بحيث يكون العام 2021 عام انهيار الدولار الأميركي وعام الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمكن أن تكون أقوى من أزمة العام1929  وبحيث سيكون على دول العالم إعادة النظر في سياساتها الانتاجية وفي علاقاتها التجارية كما عليها البحث الجدي في وضع نظام مالي عالمي جديد… ليس بالضرورة بديلاً للنظام القائم ولكن على الأقل موازياً ومنافساً له.
وقد لا تكون هذه العملية سهلة التناول بل أن التطورات التي ستحصل سترسم معالم الطريق التي ستوصل إلى الخيارات والنتائج، باردة كانت أو ساخنة.. على وقع التوتر.. أو على وقع الحروب.. أو على وقع الاعتراف بالواقع والتعاون..
لماذا نقول ذلك؟
تميّزت السياسة الاميركية وصولاً الى عهد الرئيس ترامب خصوصاً والتطورات التي حصلت مؤخراً ومنها  انتشار فيروس كورونا بعدة خطوات ومؤشرات ابرزها:
1-  فرض عقوبات متنوعة على عدد كبير من دول العالم وصولاً إلى روسيا والصين والاتجاه الى فرض مزيد من هذه العقوبات وحتى التهويل بقطع العلاقات التجارية مع الصين كما أعلن الرئيس ترامب في تصريح له أمس الأول مما ينعكس سلباً على حجم التجارة العالمية وعلى حجم حصة الولايات المتحدة الاميركية فيها ،بحيث يمكن ان ينخفض حجم الاقتصاد الاميركي في السوق العالمية من حوالي 50 في المئة الى أقل من 30 في المئة في المرحلة المقبلة.
2-  تأثر الاقتصاد الاميركي بفيروس كورونا واضطرار الإدارة الحالية الى طبع حوالي 6 تريليون دولار أميركي خلال شهرين ،في ظل تراجع الانتاج الاقتصادي وتراجع الحركة التجارية وارتفاع كبير بنسب البطالة واقفال المؤسسات ،ما يهدد بنسبة تضخم عالية جداً تؤدي الى انكماش اقتصادي حاد في ظل تراجع الحركة التجارية بفعل الوضع المستجد دولياً وبفعل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على دول العالم.
3-  التراجع الكبير للسطوة العسكرية الأميركية والتي ظهرت خصوصاً بعد ضربة قاعدة عين الأسد في العراق من قبل ايران، والإصرار الروسي على مواجهة القرارات الأميركية بما يتعلق بإيران وسوريا ،والرفض الأوروبي للإنصياع "الكامل" للإرادة الأميركية في الخروج من الإتفاق النووي مع ايران وتعزيز العلاقات الصينية الإيرانية والعلاقات التركية الإيرانية. وكل ذلك في ظل أنباء عن رغبة كبيرة للجيش الاميركي بعدم التدخل العسكري في أي مكان في العالم وبدء العمل على سحب القوات الأميركية من العراق وسوريا وافغانستان والمانيا بما يشير الى بدء تراجع الامتداد والتوسع الأميركي والتوجه الى العودة الى الداخل. و"الاكتفاء" بسياسات الحصار الاقتصادي على أمل تحقيق شروط عجزت السياسات العسكرية عن تحقيقها.
بدء الانهيار
الى ماذا يمكن ان يؤدي ذلك؟
إن هذه السياسات ستؤدي بلا شك الى تراجع حجم الاقتصاد الأميركي في السوق العالمية ،بما يحتم ضرورة الألتفات إلى الأسواق الأخرى بحيث ستظهر جلياً عمليات التفلت من وطأة الضغوط الأميركية على مستوى جميع الدول من الصين إلى روسيا إلى اوروبا إلى الهند والبرازيل وإيران ومنطقة الشرق الأوسط الخ…
إلا أنه بين التفلت من ضغوط السياسة الأميركية وبين فرض واقع جديد يقف النظام التكنولوجي "الانترنت" والنظام المالي العالمي التي تمسك بهما الولايات المتحدة الاميركية ،عائقين كبيرين أمام احداث واقع جديد مستقر بما يهدد بأن يؤدي تراجع السطوة الأميركية إلى انتشار حالات الفوضى الاقتصادية والسياسية والأمنية على المستوى الدولي.
إن هذا التناقض بين احتمال تراجع الدور الأميركي وبين استمرار الولايات المتحدة الأميركية في الإمساك بطرق ووسائل حركة الإقتصاد العالمي والإتصالات والتكنولوجيا سيؤدي بلا شك إلى أزمات وانهيارات قد تجعل أزمة ال 29 بمثابة نزهة أمام ما يمكن ان يحدث.
ويبقى السؤال هل هذا التطور حتمي؟
إن الاستمرار في السياسة الأميركية الحالية سيجعل هذا التطور حتمياً لسببين:
الأول : عدم وجود سياسة واضحة لدى محور كبير لمواجهة هذا الواقع.
والثاني: عدم نجاح المحاولات الخجولة التي يتم الحديث عنها لإنجالز روسي صيني يتعلق بنظام تواصل تكنولوجي دولي مواز ومنافس ونظام مالي عالمي مواز ومنافس.
ما العمل؟
إننا بلا شك أمام مرحلة جديدة وصعبة ،ولكن يبقى الأمل في أن يتكون وضع ضاغط في الولايات المتحدة الأميركية لتغيير السياسة المتبعة خصوصاً بعد الإنتخابات المتوقعة في نهاية العام.
ومن جهة ثانية أن تبدأ الصين وروسيا وبالتعاون مع دول أخرى في تسريع الخطى في إتجاه انجاز أنظمة دولية موازية ومنافسة على صعيدي الاتصالات والنظام المالي.
أما في لبنان فنحن أمام امتحان الذهاب الى الانتاج وخصوصاً الزراعي والصناعي بتوجه الإكتفاء الذاتي، ولكن مع سرعة أكبر من سرعة قرارات الحكومة السلحفاتية. وذلك بغض النظر عن الحديث عن الاتجاه شرقاً أو غرباً مع ما يعني من مفاعيل لكل توجه.
وكما يقولون.. اللهم لا نسألك رد القضاء بل اللطف فيه..

 

*عضو مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى