لهذه الأسباب إشتعلت أميركا:حاضر مشتت .. وغد مجهول
حسن محمد بزّي- ديربورن هايتس- ميشيغن
تتسارع وتيرة الاحداث في الولايات المتحدة الاميركية بشكلٍ ملحوظ بعد مقتل "جورج فلويد" في مينابوليس بولاية مينيسوتا، على يد عناصر من شرطة المدينة ليكون آخر ضحايا البربرية البوليسية الاميركية تجاه الأفارقة الاميركيين وطريقة تعاطيها معهم ومع الاقليات العرقية.
هذا العمل الكاوبويي وعلى مرأى من ألعالم أجمع، كان كفيلاً بإشعال النار هذه المرة، والتي لن تهدأ في القريب العاجل حسب المُعطيات التي تسير فيها الامور ،والتي تسببت بحالٍ من الغليان على الصعيد الشعبي يصعُب تداركه قبل الوصول لِحلٍ جذري في البنية الأساسية للنظام العام في اميركا، من حيث المُطالبة بتصحيح الخلل الاجتماعي والمعيشي والأقتصادي والصحي في المناطق التي تعيش فيها الأكثرية من المواطنين ذوي البشرة السمراء.
وقد أصبح هذا الطرح من الأُسس في الوقت الحالي وليس فيه اي مبالغة ،خاصةً في ظلِّ ما يجري من ردات فعل يترجمها الشارع بالتظاهرات والأحتجاجات، والتي لا تخلو في بعض الأحيان من أفعالٍ مُخلة بالأمن العام، من السرقات والحرائق للمحلات والمؤسسات التي تجري في اماكن عدة بدون رادعٍ، أو حتى الجرأة للتواجد الأمني من قبل الشرطة المحلية ،ما دفع ببعض المواطنين وأصحاب المحال للأستعانةِ بالحماية الخاصة لأرزاقهم ،فأصبحنا نرى المظاهر المسلحة امام تلك المؤسسات، والأقتناء الملحوظ للأسلحة التي ارتفعت مبيعاتها مؤخراً بشكلٍ لافت جداً. وان كانت هذه الأمور تدل على شيء، فإنما تدل عن هشاشة النظام الإجتماعي في اميركا والتي تنذر بتفلّت الأمور في اي لحظة، وقد تذهب الى ما لا تحمد عقباه.
تسع دقائق كانت كفيلة لأشعال نار الفتنة نتيجة الاستهتار في بلاد الحرية المزعومة. لا استطيع التنفس"-"أريد أمي".. هذه هي العبارات التي كان ينطق بها جورج فلويد، وهو تحت ركبة الشرطي "ديريك شوفين" ،بينما ثلاثة اخرون من رفاقه كانوا يراقبونه وهو يختنق ما ادى الى وفاته. في نفس الوقت الذي كانت اصداء مقتل "جورج فلويد" تتردد في جميع انحاء مدن وولايات اميركا والعالم اجمع، كانت تجري المساءلة الأولية لجريمة مقتل الأميركي الأفريقي "أحمد أربيري" في تكساس، بأشتراك ثلاثة من البيض العنصريين بعد نعته بألفاظٍ عنصريه، حيث وثقت جريمة مقتله بدمٍ بارد بينما كان يمارس هواية الركض.
هناك حالات مأساوية تعيشها المناطق ذات الأكثرية من أصول أفريقية بنسبة فقر وبطالة مرتفعة جداً، نتيجة الإهمال وعدم المبالاة والمتعمدة من قبل الحكومات المحلية والفيدرالية، والتي تتسبب بإرتفاع معدل الجريمة والمخدرات، وعدم رصد المبالغ اللازمة لتحسين القطاع التعليمي والاقتصادي والمساعدة الفعلية على التوعية ما يتسبب في الحاق الأذى، واكبر دليل على ذلك العدد الكبير من الوفيات من جراء وباء الكورونا في المناطق ذات الأغلبية الأفريقية، وذلك حسب الإحصائيات المتداولة، للنقص في التوعية والمساعدات الضرورية المسبقة لتفادي ومواجهة هذا الخطر الكبير.
المشهد الأخير للتظاهرات وهي تعم جميع مدن الولايات الأميركية، جاءت نتيجة الاستهتار وعدم ادراك حجم المأساة التي تعانيها المجتمعات القائمة على الوعود الوهمية بالحلم الاميركي الجميل في بلاد تلفها العنصرية من جميع جوانبها .. هذا كلام ليس مبالغ فيه ونحن كأقليات نعيش الواقع على الأرض ونراه ونعانيه في كل يوم. السياسات الرعناء التي يتبعها المسؤولون في البيت الأبيض وعلى رأسهم المتعجرف ترامب أخذت الأمور والبلد في السنوات الماضية من حكمه الى المجهول وعدم الأستقرار، واعطت العالم الصورة الحقيقية العنصرية لوجه اميركا المخيف والمعتم.
طريقة الاستهتار واللاوعي التي تعاملت معها الإدارة الترامبية تجاه مرض العصر "كوفيد ١٩" ، ومعاملته الفوقية لحكام الولايات واداراتها كانت دليلاً واضحاً على عدم درايته واهتمامه بالمصلحة العامة للشعب الأميركي ،ما تسبب في وفاة اكثر من مئة الف شخص وأصابة الكثيرين من هذا الوباء، والآتي أعظم، وكل هم الرئيس وادارته هو المحافظة على ثرواتهم و وممتلكاتهم الخاصة.
الأوضاع الداخلية الأميركية لم تعد كما كانت وكما يتصورها الكثيرون ،خاصة بعد التعامل الفاشل مع الوقاية لهذا المرض القاتل ، والعنصرية التي وصلت الى أوجها، والأستهداف المتواصل للأفارقة الأميركيين والأقليات العرقية، والبطالة المستفحلة والتي وصلت الى ابواب الخمسين مليون عاطل عن العمل، والسياسات الخارجية القائمة على محاصرة وتجويع الشعوب، واذلال الدول غير القادرة! كل هذه الأمور وغيرها دفع الناس الى الأنتفاض والتظاهر ضد هذه العنجهية التي يترأسها ويمارسها ترامب وادارته، والتي تسببت في بداية الربيع الاميركي، الذي جوبه بالحديد والنار من قبل الأمن المحلي ،وتصاريح الرئيس ترامب بإنزال الجيش الى الشوارع لمواجهة ومجابهة المواطنين المحتجين بعد إخفاق الشرطة المحلية وحتى الحرس الوطني في محاولة ايقاف واسكات الشارع من المواطنين الذين نزلوا الى المدن والشوارع للمطالبة بالعدالة واسترجاع الحكم الأميركي، اذا كان هذا الحلم حقيقة ام وهم عاشه الفرد المؤمن بالحرية والعدالة والمساواة !
بدأت الأصوات الحليفة والمعادية بالأرتفاع ضد الطريقة البوليسية والعسكرية التي نادى بها الرئيس ترامب، بإنزال الجيش الى شوارع ومدن وولايات اميركا لإخماد ثورة الربيع الأميركي، والأعتراض على هذه الطريقة التي لم تألفها المجتمعات الأميركية بجميع أطيافها بأن يروا هذا النمط من التعامل معهم.
لا رفع الكتاب المقدس امام باب كنيسة "سانت جان" في واشنطن، ولا اي شعار ديني، ولا تهديداته المتواصلة للمتظاهرين المطالبين بالعدالة والمساواة واسترجاع الحلم الأميركي.. سيمنح الرئيس ترامب هذه المرة الحصانة ضد افكاره العنصرية، وتصرفاته اللامسؤولة بالبقاء في البيت الأبيض لفترة ثانية، حيث انه قطع اوصال التواصل في التعامل مع الجميع، خاصة الأعلام الأميركي الذي لم يتوان عن مهاجمته على مدار الساعة.
ما تشهده أميركا هذه المرة ليست كسابقاتها. ما يجري من تحركات على الأرض لن يهدأ بخطابٍ او وعود انتخابية متكررة. ولن يوقف هذه التحركات التي انضم اليها الناس من جميع الفئات والأعمار والعرقيات، وهذا ملفت للنظر. هذه التحركات التي تطالب بالتغيير الجذري والأساسي للنظام واعادة تثبيت الحرية الفكرية والعملية، وتحسين الوضع الأقتصادي والمعيشي بشكله الطبيعي والسليم. ان الكلمة المتلفزة التي القاها الرئيس السابق باراك حسين أوباما بمطالبته بالإصلاح من الاساس الى الاعلى، هي رسالة ذات أهمية كبيرة تستحق التوقف عندها.
التهديد بنزول الجيش الى شوارع اميركا مستبعد جداً في هكذا حالة، خاصة ان قرار انزال الجيش الى الشوارع يحتاج الى موافقة وزير الدفاع والكونغرس، وهذا لم ولن يحصل خاصة، وقرار نزوله معقد جداً وحسّاس. ربما تكون هذه المبادرة هي البداية اما لعزل ترامب أو استقالته.. كل الأمور أصبحت واردة في هذة الظروف التي أصبحت خارج السيطرة ،ولا أحد يستطيع أن يقنع الناس هذه المرة بالخطابات والشعارات! فالكل حذر في كلامه لان كلمة الفصل على ما يبدو في هذه المرحلة هيَ للشارع.
نحن كأغتراب في عين العاصفة والمواجهة الفعلية، نتعاطى مع الأمور كغيرنا من مواطني هذا البلد لنحقق احلامنا التي ضاعت منا في بلادنا الأصلية من جراء الويلات التي اوصلنا اليها الساسة الذين لا دين لهم ولا ضمير.
ان كان من يسأل عنا بطريق الصدفة في بلدنا الأصل من اهلٍ واحبة ، نطمئنكم الى وقت كتابة هذه الكلمات .. نحن بألف خير وندعو لكم ونسألكم الدعاء.