سياسةمحليات لبنانية

لهذه الأسباب أقدم الهق وحبلي على الانتحار!

 

  كتب محمد هاني شقير:


يستنبش ولوج كنه الضحيتين اللتين سقطتا هذا النهار المريع بين بيروت وصيدا، عمقًا إنسانيًا عظيمًا قد تملكهما، وجعلهما من أنبل بني البشر، وأكثرهما إحساسًا وحبًا لعائلتيهما ووطنهما.
ففي عوالم سامر حبلي، تكمن قضية تذهب بعيدًا بمضامينها، من جهة التصاقه حتى الموت بعائلته وأولاده، بحثًا عن كرامةٍ عيش سلبه إياها من نصّبوا أنفسهم، أو نُصّبوا، قيّمين على الوطن!
فهو، بعد أن عجز عن تسديد أجرة منزله في بلدة الرميلة، تركه ليستأجر آخر في بلدة جدرا، وأيضِا عجز عن ذلك، بسبب انشلال عمله كسائق سيارة "فان"، كما سائر من تعطلت أعمالهم في هذا البلد، جراء نكبات الطبقة السياسية التي عاثت فيه فسادًا ونهبًا وقتلاً.
وقد تدرجت فيه الأوجاع، وتحمل ما أصابه منها، ولكنه، في لحظة إنسانية صاخبة بالألم، تجرأ على الموت، ورحل. فمنذ أيامٍ قليلة اتّفق أن شاهد سامر حبلي سيدة لبنانية تنبش حاويات النفايات، وتخرج منها طعامًا لترشي به جوعًا يقضم ابنتها، فهاله المشهد، وكرر على مسامع زوجته أنه لا يحتمل رؤيتها تنجرف إلى السيناريو نفسه، وكان لا يتردد في الطلب من أصدقائه ومحبّيه أن يهتموا بعائلته إن حصل له أيّ مكروه.
سامر حبلي أكثرنا إنسانية، وأعمق منّا في الاستغراق بمشاهد بتنا نعتادها.
أمّا علي محمّد الهق، فكان في دولة خليجية، ثمّ حضر، ككثيرين، قسرًا الى لبنان، ففتح دكانًا للكبيس، لكنه مع الوقت خسره، وصار بلا عملٍ.
هو يعشق لبنان، ويحبه، ويغار عليه، غادره من بوابته الكبرى، من شارع الحمراء، شارع الثقافة والتجّار والبيّاعين، هناك أصرّ على أن يشهد سجله العدلي على نظافته، وزرع علمًا لبنانيًا لا غير بقربه، هذه طريقته ليقول إنه يحب هذا اللبنان، ولكنه يغادره بعد أن أفرغه الطغاة من مضمونه ومن جماله ومن روح الحياة التي يشتهر بها اللبناني.
الهق وحبلي، شهيدان يسقطان انتحارًا، هربًا من وطنٍ تلاعب به سياسيّوه، وجعلوه يبحث عن كسرة خبزٍ في حاويات زبالة البنك الدولي.
إنها لحظات صعبة يمر بها وطننا، وهو في قبضة "جبابرة" افرختهم سياسات متعاقبة. فهل نتّحد ونقوى عليهم، أو ترانا نسكت ونراقبهم يجهزون علينا؟
ذلكم هو السؤال المصير… فيا أيّها الوقت، عجّل لنا بالإجابة، فلم نعد نقوى على الاحتمال.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى