سياسةمحليات لبنانية

لماذا نحن هكذا ؟


السفير عفيف أيوب
ملاحظة: ليس الهدف من هذه المقالة جلد الذات، بل التحفيز على إعادة النظر في مقاربتنا للأمور إن أردنا التقدم والتطور.
لماذا نحن هكذا؟ لا يُعجبنا العجب، وننتقد كل شيء. نوجّه سهامنا نحو كل موقف. نتمسّك بالإشاعة، ونُغيِّب الحقيقة. نستعجل الاعتراض على كل قرار حتى ولو كان لمصلحتنا. نستسهل تشويه صورة الآخرين من دون اعتبار لكرامتهم. نولي أهمية لرأي الجاهل، ونُسفِّه رأي ذوي الاختصاص. نناقش في كل موضوع وكأننا احتكرنا المعرفة، وننظر إلى الضالعين في العلم وكأن رأيهم مشكوك فيه. لا نقدّر الكفاءات من أبناء الوطن، ولا نتنبّه إليها إلّا حين يتمّ تكريمها في الخارج.
لماذا نحن هكذا؟ نتسرّع في إطلاق الأحكام، ولا نتراجع أو نعتذر عندما تتبيّن لنا الحقائق. نغرق في مظاهر الإيمان ونتعبّد في المسجد والكنيسة، ثم ننسى المبادىء الأخلاقية والتعاليم السمحاء عندما نخرج إلى قارعة الطريق. نتكبّر على من هم أدنى منّا رتبة إجتماعية أو قدرة مالية. نتعصّب للطائفة وللمذهب تجاه من هم من غير ملّتنا. ننظر إلى الجنسيات الأخرى، غير الغربية، نظرة الارتياب أو الفوقية من دون أسباب موضوعية.
لماذا نحن هكذا؟ نتبجّح في كل أمر، ثم نطعن أنفسنا بأنفسنا لسبب وبلا سبب. نتطلّع إلى الغريب وكأنه القريب، وننظر إلى الشقيق في الوطن وكأنه البعيد. ننتقد من يدافع عنا، ونبخس قدر من يحمينا. نبتسم لمن لدينا مصلحة معه، وندير الظهر لمن لا استفادة منه. نتصرّف بعشوائية وفوضوية في الأماكن العامة، فكأنما الشارع والقرية والمدينة ساحاتنا لوحدنا فقط. نحرص على نظافة منزلنا، وننشر أوساخنا على الرصيف.
لماذا نحن هكذا؟ ندّعي التعفّف ونظافة الكف وندعو إلى محاربة الفساد، ولا نقف في وجه السارق والناهب للمال العام إذا كان إبن طائفتنا وحزبنا. نتغنّى بالحرية وبالديمقراطية، لكن إذا حانت ساعة الانتخابات النيابية نصوّت للائحة "الزعيم". وعندما نصل إلى السلطة (سياسة، مال، إعلام، إلخ…)، نتشبّث بها بأظافرنا كما لو أن هذه فرصتنا التاريخية التي ما بعدها فرصة.
لماذا نحن هكذا؟ نريد تطبيق القانون لكن على غيرنا، فيما نحن غارقون في مخالفته. ندّعي البطولات على أكتاف الأبطال الحقيقيين، في الوقت الذي نتجاهل عطاءاتهم وتضحياتهم. نقف في الصف ونحترم حدود حريات الآخرين عندما نكون مسافرين أو مقيمين خارج لبنان، ونتدافع ونتجاوز غيرنا أول وصولنا إلى أرض الوطن. لماذا هذه الازدواجية في الشخصية؟!
لماذا نحن هكذا؟  ألم يحن الوقت، بعد مرور سبعة وسبعين عاماً على استقلال لبنان، أن نشكر ربنا على ما أعطانا من نعمه التي لا تُحصى. منحنا الله طبيعة خلّابة وجغرافيا متنوعة ومناخاً معتدلاً وموارد مائية وزراعية ونفطية وغيرها. أعطانا شعباً هماماً يتوق للعلم والمعرفة ولا يعرف اليأس مهما تراكمت الضغوط والتحدّيات. هذه الطاقات الإنسانية والطبيعية الغنية يجب أن تستثمر في موقعها الصحيح في حركة منتجة وجامعة وهادفة لخدمة الوطن.
ما العمل الآن؟ دعونا نرصّ الصفوف ونعود إلى أصالتنا ونرتقي إلى مستوى المسؤولية ونواجه التحديات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والنفسية والحياتية بعقلية جديدة، ومن خلال نهج تفكير إيجابي مُبدع وخلّاق يثبت أننا أهلٌ لنحمل راية هذا الوطن ونشيع فيه الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار. ليكن تنافسنا على رفع الظلم وعلى عمل الخير والعطاء، والالتزام بتطبيق القانون والتحفيز على احترامه ومحاسبة كل مخالف سواء كان في موقع المسؤولية أم خارجها، والمثابرة على المراقبة والمتابعة والاعتراض السلمي الحضاري كلما استدعت الحاجة تصويب مسار القيادات السياسية.
ما العمل الآن؟ من المهم أن نسعى بثبات، عبر خطوات تشريعية وقانونية سليمة وذكية ومبتكرة، إلى معالجة أزماتنا بروحية التعاون المخلص لما فيه المصلحة العامة بعيداً عن المكاسب الشخصية والمحاصصات السياسية والطائفية البغيضة. ولنبدأ أولاً بأنفسنا وبعائلتنا وبجيراننا وزملائنا في العمل. ولنقم بواجباتنا بكل إخلاص سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، ولنمدّ يد العون لكل فقير، ولنساعد كل من يحتاج للاستشفاء والعناية الصحية، ولندعم المؤسسات التعليمية والتلامذة والطلبة لمتابعة التحصيل العلمي، ولنشجع القدوة الحسنة التي يتوق إليها الجيل الجديد من شابّاتنا وشبّاننا. ولنأخذ العبرة من مبادرات الناس الذين هبّوا بشكل عفوي لتنظيف الشوارع والبيوت المتضررة نتيجة كارثة مرفأ بيروت والذين عبّروا عن التعاطف الحقيقي تجاه المتضررين والمصابين من أبناء الوطن.
ما من أمّة في العالم نجحت في اللحاق بركب التطور الحضاري والعلمي والثقافي إلّا عندما التزمت قيم الأخلاق الحميدة والعدل والمساواة والصدق والإخلاص في العمل وطبّقت القانون واحترمت حقوق المواطنين وتعاملت معهم بإنصاف ورحمة ومحبة وعاطفة من دون تمييز أو تجاوز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى