سياسةمحليات لبنانية

لبنان بين المصائب والانتهازيين


لطالما رزح لبنان ومنذ نشأته تحت أثقال عديدة تنوعت بتنوع المراحل والظروف، وكان أبرزها حديثاً الواقع الاقتصادي الذي عانى الشعب اللبناني تبعاته سنوات طوالاً، لكن أواره اشتدّ في الأشهر الأخيرة وأصبح ولمّا يزل خطراً صريحاً محدقاً بالدولة وأركانها. ثم أطلّ علينا ومن دون مقدمات فيروس الكورونا، وكان ثقله أكبر نتيجة ضعف الإمكانيات المتوفرة لدى الدولة.

وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية القاهرة، وعند اشتداد النوائب والمصائب، يتّحد مواطنو أي بلد عادة إيماناً بالمصير الواحد الذي يجمعهم، ولأن في اتحادهم قوة للتغلب على كل هذه الطوارئ المستحدثة.

ونحن اللبنانيين استثناء في أي قاعدة، فقد اعتدنا إدخال العوامل الطائفية والمذهبية والمناطقية والسياسية وغيرها في كل ملفات حياتنا المختلفة والمتنوعة، سواءً أكانت حقيرة أو خطيرة. وقد رأينا تهجّم المعارضة على الحكومة الوليدة من رحم الأزمات القديمة المزمنة، وانتقادها عند كل مفترق أو منعرج، واتهامها بالقصور والتقصير في حلّ الأزمات الاقتصادية العالقة، واعتبار سيرورتها محكومة بالتراخي والضعف والفشل.
ولئن تُتخَذ مثل هذه السبل الملتوية في السياسة أو الاقتصاد وما شابههما، للفوز بورقة سياسية من هنا، ودعم شعبوي من هناك، وتشجيع خارجي بينهما، فهو أمر من الممكن أن يُفسَّر(لكن لا يُبّرر)، فالسياسة عالم قذر في غالبيته ولا بد من التسلح في خضمّه بكل الأساليب أياً كان نوعها أو حقيقتها أو مصدرها، لكن ما لا يُفَسَّر أو يُبَرر هو لجوء بعض أركان المعارضة (ولا نقول كلها) إلى الاستفادة من فيروس الكورونا وانتشاره وازدياد عدد المصابين من أجل ضرب الحكومة واتهامها والخوض أحياناً في قضايا مذهبية، لهو أمر عجيب غريب لا يدعو إلا للتقزز. وكأنهم يريدون للوطن أن يكون جزراً متفرقة منفصلة، وفي كل منها شعب يتميّز عن الآخر ويتغاير عنه بالآلام والمعاناة والفقر والطائفة والمذهب و… هذه الفئات التي تملك شاشات تلفزيونية وصحفاً ووسائل وأبواقاً فئوية عنصرية تلقى للأسف آذاناً صاغية عند الكثيرين ويُبنى عليها أباطيل تصبح بعد ذلك حقائق صارخة. أليس في ذلك خيانة لكل القيم الوطنية والإنسانية؟ أليس في ذلك جريمة كبرى يجب أن يُحاسب عليها القانون؟
لقد اعتدنا أن نتفرق في كل أمور حياتنا، وذلك ما نتميز به نحن اللبنانيين، ونتفاخر كثيراً بشواذنا وتميّزنا، لكن الرجاء كان أن نكون يداً واحدة عندما يتعلق الأمر بلقمة العيش التي باتت مغمّسة بالذل، وبوباء يهدد الجميع دون استثناء لأية عناوين، وقد أصبح ينتشر في كل يوم ويكبر خطره في كل ساعة.
آن لنا أن نعي حقيقة الكوارث التي تحيط بنا، ولا يكون الوعي بها إلا من خلال الابتعاد عن الشحن المتعدد الجوانب الذي تمارسه بعض الجهات التي باتت معالم إجرامها واضحة، وسياساتها الانتهازية بارزة عند كل نقد أو شماتة أو اتهام. آن لنا أن نبتعد ولو مرحلياً عن دهاليز السياسة المضلّة ورموزها الفاسدة، فالاقتصاد ينهار والمخاطر الصحية تهددنا، وليل المعاناة يبدو طويلاً، فدعونا نجابه ظلمته بشيء من نور المسؤولية والحكمة والوعي، بدل الاستمرار في لعن لون العتمة.   

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى