غير مصنف

صراع وجود لا صراع حدود (حلمي موسى)

 

كتب حلمي موسى – غزة

منذ ما بعد ظهر امس تم قطع الاتصالات عنا. لا تلفون ارضي، لا جوال لا اوريدو ولا نت. ورغم اننا على بعد عشرات الامتار من الحدود المصرية فإن الشبكات المصرية ايضا لا تعمل ،على الاقل حيث اقيم. وانقطاع الاتصالات خلق نوعا من العتمة الاعلامية والاجتماعية. انت لا تعرف ما يجري خارج المكان الذي تقيم فيه.
قطع الاتصالات يخلق انماطا متناقضة من الراحة والقلق. ارتياح من الجدالات الدائمة حول الاخبار وعواقبها. وقلق دائم على الاحباب الذين كنا طوال الوقت نحاول الاطمئنان عليهم.
وقد انتج الانقطاع ما يشبه سكينة ادت الى مزيد من النوم. فبدل ان ننام في وقت متأخر ،يرمي المرء نفسه في الفراش في وقت مبكر. التاسعة ليلا بدل منتصف الليل. وبدل ان تصحو فجرا ترقب الاخبار وتتبع المجريات تنتظر حتى العاشرة صباحا لتنهض من الفراش.
فطالما لا تعرف شيئا جديدا ،وطالما لا تملك وسيلة لمعرفة ما يجري فكل الاوقات متشابهة. كالتائه في الطريق يظن ان كل الدروب يمكن ان توصله الى غايته.
نحن نعيش زمنا كل شيء فيه يعتمد على المعلومة التي تريحه او تقلقه.
فالقصف البحري كان غزيرا ليلة امس، ولكننا لا نعرف ماذا كان يستهدف. والغارات في الليل والصباح تعددت، ولكننا لم نعد نعرف ماذا اصابت ومن قتلت. صار كل قصف مشابه لغيره وصارت كل غارة اختا لاختها، وان كانت مجهولة الهدف والنتيجة.
وتستعيد فجأة دور جهاز الراديو لكنه ايضا يبدو مثلنا، خصوصا الاذاعات المحلية، فهي من دون الهواتف تغدو مثلنا. لا تعرف شيئا ولا تفيدنا بشيء. هي تكرر تحليلات ومواد معدة مسبقا لانها لا تملك اي جديد. والاذاعات او محطات التلفزة التي تبث نشراتها على الراديو لا تختلف كثيرا لانها هي الاخرى من دون اتصالات كافية تؤهلها لنقل معلومات تفصيلية دقيقة.

غير ان ما يظهر الخطر اكثر من سواه عند قطع الاتصالات هو ما يجري مع سيارات الاسعاف والدفاع المدني. فعند حدوث غارة ووقوع اصابات تقريبا تنتظر المراكز الصحية الباقية ومراكز الدفاع المدني وصول اول الاصابات والشهداء الى المكان لتلقي البلاغ عن موضع سقوط القذائف، فتهرع سيارات الاسعاف والدفاع المدني الى المكان. ويفقد المصابون وقتا ثمينا كان بوسعه انقاذ ارواح. وهنا يغدو قطع الاتصالات مكلفا جدا في الارواح.
ولا يمكن انهاء الحديث عن قطع الاتصالات من دون الاشارة الى غايات الاحتلال من ورائه. فقطع الاتصالات عمل مقصود يراد منه، اضافة لخلق البلبلة، منع وصول الاخبار وقت حدوثها اما الى المقاومة واما الى العالم باسره.
فالاعلام الصادق عدو حقيقي للاحتلال الساعي طوال الوقت لمنع وصول الحقيقة الى العام لابقاء روايته سائدة فوق كل رواية أخرى.
ولكن حقيقة الاحتلال تظهر وستبقى ظاهرة بفعل ما خلف من شهداء وما اجرى من دماء وما خلف من جرحى وقصص ستكون يوما عنوانا لمرحلة جديدة ليس فيها مكان لاوهام راودت كثيرين عن التسوية.
ما يفعله الاحتلال يعيد الفلسطينيين الى المربع الاول بان صراعنا فعلا وحقا صراع وجود وليس صراع حدود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى