ثقافةرأي

كربلاء معركة أخلاق (أحمد عياش)

د.أحمد عياش

كان الكبرياء وكان الشرف وكانت الكلمة إن نُطِقَت صارت دَينا على صاحبها وصارت وعداً الهياً.
كانت الاخلاق هدفاً لا وسيلة وكانت الرجولة فروسية وقتالا وكرما واخلاصا ووفاء وشهامة من اجل محاربة الظلم والدفاع عن حقوق الناس.
كان يعلم أنّه ساقط عسكريا في حصاره وفي بُعده عن الماء في الصحراء وانّ احتمالات النصر امام جيش من الجند مع اهل واخوة واطفال وابناء عمومة واصدقاء لمهمة مستحيلة.
كان بإمكانه ان يدعو الله لينصره في هذه المعركة، لكنه لم يطلب من ربه الانتصار بل طلب منه ان يشدّ من عزيمته ليقاوم وان يحمي الاهل من بعده.
لم يطلب النصر العسكري في معركة لأنه كان يعلم ان باستشهاده سيفوز بالحرب الانسانية وبقلوب المقهورين والشرفاءكلهم.
عرف ان النهاية مع الطغاة وشيكة ، ان المجزرة واقعة، جمع الاحباب وقال:
“ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً.”
طلب من الاحباب الرحيل فلم يغادر احد سيفه وقدره.
ما عاد التراجع والعودة والانسحاب مسألة نجاة عائلة ، صار التقهقر هنا ضعفا في العقيدة ومساومة على اصلاح وانهزاماً لأمة وتزويراً لتاريخ يَكتبه الاقوياء.

يعرف تماما ان لا قيمة عسكرية لمعركته، فألف باء القتال ان يتقاتل جيشان ،وهنا لا يوجد غير جيش واحد مقابل عشرات المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
قرّر الصمود والمواجهة والقتال بمن حضر ليكون الدم وصمة عار على جبين الطغاة .
كان يقاسي العطش اكثر من عطش بيئته الحاضنة.
اختار الدم لأن رسالة مكتوبة بالدم لا يقوى عليها تاريخ ولا تقوى عليها جغرافيا ولايقوى عليها مناخ ولا مال.
عرف ان الأمة لا تحتمل استشهاد اهل محمد (ص) ان استشهادهم سيؤسس لصدمة نفسية تمنع اعوجاج خط الاسلام عن اهدافه الحقيقية.
قرر ان يفدي أمته بنفسه وبأعز الناس اليه كي لا يظن اهل الباطل انهم على حق لمجرد سكوتهم وتقاعسهم و انسحابهم.
اذن،هي معركة اخلاق وبطولة واستبسال لإثبات حق.
اذن، هي محاولة ناجحة لنصر العدالة كما شاءها الربّ والعقل السليم لا كما اختارها الحاكم الفاسد.
يعرف تماما ان لا قيمة عسكرية لمعركته فألف باء القتال ان يلتقي جيشان.
احبّ ان يثبت لكل الاجيال من بعده ان الدم جارح اكثر من حد السيف.
ان الحق ثابت والباطل الى زوال.
ان لكل فاسد ومهما استبدّ، ثائرا ومصلحا ومنتفضا يعيده الى صوابه مهما كان ضعيفا، إما بالنصح او بالسيف وهذا اقل الايمان…
اراد ان يثبت ان “لكل يزيد حسينا”.
كربلاء معركة اخلاق وحق ومبدأ ضد نفاق ودجل واستبداد.
معركة “امركم شورى في ما بينكم” ضد جعل السلطة ملكية في الابناء.
معركة عقل مجتهد ومنفتح من اجل التقدم والتطوّر ضد التعصب والانغلاق والتخلف.
لو تراجع مع اهله وعادوا الى بيوتهم لقال المسلمون والعرب عنهم جبناء، يبشرّون بالجنة ويخافون الموت، ينهون عن المنكر ولا ينصرون المعروف و الخير بارواحهم.
كان الاستشهاد عليه واجباً ، هو ملزم به لا مخيّر.
لا يتردد القائد امام الحق والباطل ، بين الأخلاق والحق والعدالة والخير وبين الشر ومباهج السلطة والمال والانحراف.
تقدم على فرسه ذي الجناح الميمون واستل سيفه وهجم ليدخل التاريخ من باب الشرف والعزّة.
الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل محمد وعلى آله وصحبه وعلى الشرفاء في التاريخ اجمعين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى