سياسةمحليات لبنانية

قراءة مبسّطة للخطة الإصلاحية :حلاقة شاملة تفرض تغييرا في نمط السلوك الاجتماعي والمعيشي لغالبية اللبنانيين

 

كتب واصف عواضة:
لا يختلف اثنان على أن الخطة الإصلاحية التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته أمس الخميس في 30 نيسان 2020 ،والتي تقع في 65 صفحة ،تحتاج الى دراسة دقيقة متأنية معمقة لكامل تفاصيلها وحيثياتها ،قد يعجز عن فهمها من خلال قراءة عابرة ،أي مواطن عادي على غير خبرة ودراية بالعلوم المالية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية.
لكن هذه الخطة وضعت تسع ركائز مبسّطة يمكن مقاربتها بسهولة ،ويفترض تنفيذها على مدى السنوات الخمس المقبلة ،من شأنها أن تضع لبنان على سكة النجاة من الانهيار التام ،على الرغم من قساوتها وشدة وقعها على مختلف فئات الشعب اللبناني .وباختصار يمكن القول إن الخطة تشكل "حلاقة شاملة" تفرض تغييرا وتبديلا في نمط السلوك الاجتماعي والمعيشي لغالبية الشعب اللبناني،بحيث يغادر ويودع  الكثير من  اللبنانيين طريقة عيشهم وأشكال الترف المختلفة التي كانوا يمارسونها خلال العقود الماضية . 
فالخطة الإصلاحية تضع اللبنانيين لأول مرة في تاريخهم أمام الحقائق الدامغة والأرقام الصادمة والمؤلمة التي بلغها بلدهم ،نتيجة التراكمات المختلفة التي نتجت عن ممارسات سياسية واقتصادية ومصرفية مفرطة  خلال العقود الماضية، توغلت وتغولت في عمليات النهب والغش بما أوصل البلاد الى ما وصلت اليه.
وبالعودة الى مضمون الخطة الإصلاحية فإنها تشمل تسع ركائز هذا ملخصها:
1- إلغاء ربط الليرة اللبنانية (ما يعني تحريرها وتركها لقاعدة العرض والطلب)
2- إعادة هيكلة الديون
3- تحسين الضرائب وترشيد الانفاق وإصلاح القطاع العام والكهرباء
4- تحقيق إصلاحات لتعزيز النمو وانهاض الاقتصاد
5- اصلاح القطاع الاجتماعي
6- تنفيذ أجندة للإصلاح الاجتماعي لتعزيز شبكات الأمان والحماية للشرائح الأكثر فقرا
7- مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة وغير المشروعة
8- تحقيق اصلاح بيئي ووضع استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة
9- توفير المساعدة المالية الدولية بشروط مواتية(صندوق النقد والدول الداعمة)
هذه الركائز التسع تتضمن تفاصيل وجداول وتوقعات حتى نهاية العام 2024 ،بحيث يتعافى لبنان والاقتصاد والمالية (بحسب الخطة).لكن ما يجب التوقف عنده أن هذه الخطة تحتاج الى آلية تنفيذية جريئة وعازمة وشفافة تستند الى العناصر الآتية:
– مجلس نيابي حاضر لاقرار مشاريع القوانين والمراسيم والاقتراحات التي تلحظها الخطة
– جهاز قضائي شفاف وجريء لا تلومه في الحق لومة لائم
– جهاز اداري نظيف بعيد عن المحسوبيات السياسية
– جهاز عسكري أمني يمتثل لارادة الحكومة
– شعب يتمتع بالصبر والنفس الطويل
قد تكون هذه العناصر غير متوفرة الآن بالكامل ،وعليه فإن أمام الحكومة مهمة صعبة لكنها غير مستحيلة ،تتمثل في إجراء تشكيلات وتعيينات إدارية وقضائية وأمنية شاملة بعيدة عن المحسوبيات قريبة من الكفاءة والخبرة.
فضلا عن كل ذلك ،فإن هذه الخطة الممتدة على مدى خمس سنوات تحتاج على الأقل الى ثلاث مراحل:
الأولى: وقف الانهيار الحاصل الآن عند حدود معينة
الثانية: إقرار المشاريع والقوانين والاقتراحات والمراسيم التنظيمية،والتفاوض مع صندوق النقد والدول الداعمة ،وهذه مرحلة تحتاج الى ما بين 6 و9 أشهر بحسب تقديرات الحكومة نفسها.
الثالثة :مرحلة التنفيذ التي لن تبدأ قبل السنة المقبلة .

يبقى سؤال بالغ الأهمية: خلال السنوات الخمس المقبلة من عمر الخطة الاصلاحية ،تنتظر لبنان انتخابات نيابية ورئاسية تفرض تغييرا حكوميا مرتين بحسب الدستور ،فمن يضمن حكومات بهمّة وعزم الحكومة الحالية ،خاصة وأن الخطة لا تحظى كما يبدو بإجماع شامل  ؟
لا يعني كل ما تقدم وضع العصي في الدواليب ،لكنه يستشرف المرحلة المقبلة بتفاؤل حذر ،وبصراحة تعادل صراحة الحكومة في خطتها الواضحة،لأن الفساد المستشري منذ أمد طويل سوف "يناضل" بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على مصالحه ومكتسباته التي حققها بالحرام.
في الخلاصة ،يبدو لبنان في سباق مع الوقت ،وهو يحتاج الى كثير من الصبر وطول النفس.فالاصلاح والتغيير فيهما مشقات ومعاناة طويلة ، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..فهل نحن جاهزون لذلك؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى