رأيمنوعات

محمد أرزقي فراد:هذه صورة اليهود في الثقافة الشعبية القبائلية في الجزائر

محمد هاني شقير

في ظل العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وفي سياق دعم القضية الفلسطينية، أعاد الدكتور محمد ارزقي فراد الباحث المختص في التاريخ الثقافي لمنطقة القبائل بالجزاىر، نشر مقال عن صورة اليهود في المخيال الشعبي،اقتطعنا منه بالتصرف الفقرات الآتية :

ما يقوم به طيف سياسي انعزالي من مغازلة للدولة الصهيونية باسم منطقة القبائل كلها، في غفلة منا، وما يعانيه الشعب الفلسطيني الشقيق من إبادة جماعية على أيدي شذاذ الآفاق الذين أقاموا كيانا صهيونيا على ارض مغتصبة باسم الحضارة اليهودية، قد أوجبا عليّ نشر هذا المقال العلمي، من باب استنطاق ثقافتنا الشعبية الأمازيغية،  لنستلهم منها العبر لبناء المستقبل على أسس متينة، فضلا عن التزام  الباحث النزيه بنشر نتائج أعماله، بصرف النظر عن الردود التي قد تكون مثيرة.

تواجد اليهود في الجزائر منذ الأزمنة البعيدة، بحكم الروابط المتينة مع المشرق، التي جعلت حركية الموجات البشرية كثيرة في الاتجاهين، وبالنظر إلى  كون اليهودية ثورة روحانية في زمنها باعتبارها  أول ديانة سماوية تدعو البشر إلى توحيد الله، فانه من الطبيعي أن يبلغ مداها إلى أرض  شمال إفريقيا، ولا شك أن تعرض اليهود للتشتيت على أيدي الآشوريين  والرومانيين قد دفعهم إلى البحث عن الأمان في أماكن أخرى، منها شمال إفريقيا .

   ومن المعلوم أن حياة اليهود في ظل الحضارة الإسلامية تعد أزهى عصورهم بعد سقوط ممالكهم، وفي هذا السياق استقر الكثير من يهود الأندلس بعد طردهم من طرف الممالك المسيحية، في المغرب الإسلامي الكبير. ثم لم يلبثوا أن صاروا قوة اقتصادية في الجزائر خلال عهد الأتراك العثمانيين.

    لكن المفارقة العجيبة أن الأغلبية الساحقة منهم قد أداروا ظهورهم للجزائريين بمجرد حلول الاستعمار الفرنسي بأرض الجزائر، فتحولوا إلى أعوان له يكشفون عورات الوطن، ثم لم يلبثوا أن أحدثوا قطيعة نهائية مع الجزائريين عندما قبلوا عرض التجنيس بموجب قرار وزير العدل ” كريميو” سنة 1870، وكان ذلك- في رأي الجزائريين – بمثابة طعنة في ظهورهم، وقد تحدث عنها الشاعر القبائلي الكبير سي محند أومحند كما سيتضح لاحقا.

  _ اليهود في القبائل قبل الاحتلال الفرنسي:

    إن ما تجدر الإشارة إليه أن تواجد اليهود في منطقة القبائل، كان ضعيفا قبل الاحتلال الفرنسي، وهذا بحكم طابعها الريفي الذي لا يستقطب الوافدين، خاصة أهل الصناعة. ولعل أهم إشارة إلى تواجدهم فيها ما ذكره الكاتب الفرنسي  جان موريزوJean Morisot   (في كتابه (L, algerie Kabylisee) الذي أشار إلى وجودهم  في منطقتي آث عباس، وآث يني، المشهورتين بصناعة الحلي والبنادق والعملة المزيفة، وبرقي قراهما إلى ما يشبه  نمط المدينة، وهي عوامل من شأنها أن تشجع طائفة اليهود على الاستقرار هناك. ويمكن أن نعتبر إشارة بعض القوانين العرفية القديمة إلى هذه الطائفة، ضمن عقوبات الشتم، دليلا على وجود احتكاك قوي بين التجار اليهود وأهل المنطقة، ويحتمل أن يكون ذلك عن طريق مدينة بجاية باعتبارها مركزا تجاريا كبيرا يقصده تجار حوض البحر الأبيض المتوسط .

     هذا وقد حدثني السيد جاووط السعذي أن توافد العنصر اليهودي إلى عمق منطقة القبائل- خاصة منطقة أزفون البحرية-  قد تزامن مع بناء مستوطنات المعمرين الفرنسيين والأوروبيين خلال القرن التاسع عشر. وكان اليهود ضمن الرواد  الذين فتحوا المحلات التجارية الخاصة ببيع الحبوب والملح والقماش للأهالي، واحتكارهم لتصدير المنتجات الفلاحية المحلية كالخروب، والتين المجفف، وزيت الزيتون.

  _اهتزاز صورة اليهود في الثقافة الشعبية القبائلية:

     لا شك أن أهم سؤال يرتسم أمامنا يتمحور حول أسباب انحطاط  صورة اليهود في الثقافة القبائلية الشعبية؟ هل يعود ذلك إلى التعصب الديني كما يدعي الغربيون أم إلى سوء سلوك التجار اليهود المتميزين بصفة الجشع والاحتيال؟

    تعزو المصادر التي بين أيدينا تدهور صورة اليهود في المجتمع القبائلي، إلى جشع التجار اليهود ومكرهم واحتيالهم، وأكدت في هذا السياق الباحثة الفرنسية المتخصصة في الثقافة القبائلية[ كاميل لاكوست –  دو جاردان Camille Lacoste- Dujardin  ] أن صورة اليهودي كانت سيئة في المجتمع القبائلي، إلى درجة أن من يذكره في سياق حديثه، يتوجب عليه استعمال عبارة ” أكرمكم الله” (حاشاكم)، كما اعتبرته بعض الحكايات الشعبية  رمزا للشر، وهذا بسبب معاملاتهم الربوية وجشعهم في المعاملات التجارية (2). وأكد الكاتب [ ج . ريفييرJ. Rivière ] ذلك  فيما جمعه من الحكايات الشعبية القبائلية( حكاية ” الأمير والغولة” مثلا)سنة 1882م (3). ويتجلى أيضا احتقار اليهود، في بعض القوانين العرفية القبائلية، التي تعتبر التنابز بلقب ” يهودي/ ابن اليهودي”(  أوذاي/ ميس وذاي) مخالفة يعاقب عليها القانون، ونصّ في هذا السياق القانون العرفي لقرية[ ثاسلنت ] بوادي الصومام، في المادة ( 163)  أن الشخص الذي يخاطب الآخر( عادة في حالة الغضب) بعبارة ” أنت يهودي”، يدفع غرامة قدرها ربع ريال .

_صورة اليهود في شعر سي محند أومحند:

    انتقد الشاعر القبائلي الكبير سي محند أومحند( 1843 – 1906) اليهود في أكثر من قصيدة، فقد عبر في إحداها عن الإحباط الذي عم سكان القبائل، جراء حصول اليهود على الجنسية الفرنسية ، بموجب قرار كريميو الشهير سنة 1870م، التي مكنتهم من التمتع بالمواطنة الفرنسية، وبالتالي صاروا يتحكمون في مصير الجزائريين المسلمين الذين ذلوا وهم في عقر دارهم! وقال في هذا السياق باللغة الامازيغية وهذه ترجمته بالعربية:

– [ وجدت يهوديا في الحامه/  اسمه مردخه / عليه بادية أمارات الثراء <<>>  عندما كان يقتات ببيع الرديء/ كنت له معينا / ولأخواته مساعدا <<>> أما وقد شيّد قصرا / ففي ركب النصارى (يقصد المستوطنين الفرنسيين) سائر/ ناسيا ماضيه البئيس ]

 _ في شعر الزاهد محمد السعيد  تازروت:

    أشار الشاعر الزاهد  محمد السعيد  تازروت ( 1883 – 1963 ) إلى مكر اليهود، اثر تعرضه للاحتيال من طرف أحد تجارهم في بلدة أزفون، أيام كان يمارس التجارة كمهنة للعيش. ومفاد الواقعة أنه على اثر صدور قرار الحكومة الفرنسية – أيام الاستعمار- القاضي  بسحب عملة معدنية معينة من التداول، اتصل به تاجر يهودي كانت لديه كمية كبيرة منها، طالبا منه المساعدة لتصريفها قبل انتهاء الأجل المحدد لسحبها، فقام محمد السعيد تازروت باستلامها وتوزيعها على زملائه التجار ربحا للوقت.

     لكن حدث أن صارت تلك العملة المعدنية مطلوبة في مجال صناعة الحلي المحلية، فأسرع التاجر اليهودي إلى محمد السعيد تازروت، طالبا منه إرجاع كمية العملة المراد تصريفها،  بحجة أنها ملك لأخته، وهي تطلب استرجاعها بسرعة، لكن هذا الأخير أخبره أن ذلك غير ممكن بعد أن قام بتوزيعها على زملائه حرصا منه على تصريفها قبل انقضاء الأجل، ورغم ذلك فقد أصر التاجر اليهودي على استرجاعها بإلحاح، من دون أن يفصح عن الأسباب التي جعلته يغيّر موقفه. وفي الحقيقة فان رواج هذه العملة في سوق صناعة الحلي، قد أسال لعاب التاجر اليهودي، ليكسب منها أرباحا كبيرة، ولم يكن ذلك خافيا على محمد السعيد تازروت، الذي يدرك أن مثلبة الجشع متأصلة في سلوك  اليهود، فعلق على هذه الحادثة بقصيدة جاء فيها ايضا باللغة الامازيغية وهذه ترجمتها بالعربية:

[ إيّاك من شجر الدفلى /  أصله احتيال /  وطعمه علقم <<>>  والنظر إليه حرام /  قدره حياة الضنك /  في جميع الأحوال /  <<>> وهل بالغسل يبيّض العبد؟ / فمهما حككته/  فبشرته غير وضّاءة ]

_ في شعر الحاج أسعيذ أوزفون:

     أما الشاعر الصوفي الكبير الحاج أسعيذ أوزفون، المتوفى  في جانفي 1946، فقد أشار إلى ما عانته الإنسانية قاطبة من جشع اليهود، والى استغلال نفوذهم  لدى الانجليز وأمريكا لاغتصاب أرض فلسطين ايضا بالامازيغية وهذه ترجمتها:

[ أبدعت بالألف قافية / لذوي الألباب /  حول مكائد اليهود /  أعداء النبي الصادق /  فهم جيف نتنة / أعدوا العالم  بوبائهم /  سعوا إلى اغتصاب الحكم /  بدعم الانجليز وأمريكا.

_ تسامح المجتمع الزواوي:

    برغم انحطاط  صورة اليهود في المجتمع الزواوي، جراء سمة الجشع والاحتيال الملازمة لتجار اليهود، وتخليهم عن الجزائريين بقبول التجنيس، فان ذلك لم يدفعهم إلى تخطي عتبة المعقول في المعاملة، بدليل أن سياسة ” معاداة السامية” العنصرية قد خرجت من رحم المجتمع الفرنسي  بعد مرور ما يقارب ثلاثة عقود على التجنيس. فقد عانى يهود الجزائر من بطش المستوطنين خلال سنوات ( 1897- 1898 – 1899)، ومن حملتهم الإعلامية المسعورة التي أدت إلى الاعتداء على أرواحهم وممتلكاتهم( قتل وجرح أكثر من 300 شخص)، بعد فوز المستوطنين المتطرفين المعادين لليهود بانتخابات بلدية الجزائر، سنة 1899 بقيادة [ماكس ريجي Max Régis) (8).

     وعندما عانى تجار اليهود من المقاطعة الاقتصادية جراء سياسة الماريشال [ بيتان Pétain ] الموالية للنازية، في أثناء الحرب العالمية الثانية، فان الفضل في إنقاذ تجارتهم يعود إلى الجزائريين الذين استمروا في معاملاتهم التجارية معهم. ومن الصور الأخرى التي يتجلى فيها تسامح سكان المنطقة، إسناد إدارة بلدية أزفون – غداة استرجاع الاستقلال- إلى اليهودي [ جاكو] من طرف الدولة الجزائرية، من دون أن يحدث ذلك أي رد فعل عنيف لدى السكان .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى