سياسةمحليات لبنانية

غسان كنفاني يطل علينا من فرن الشباك

عندما يطلق الأب الفلسطيني (محمد إبراهيم شراب) النار على نفسه بعد ان أطلق النار على طفليه ( علي وتيا) في مسكنهم المؤقت في بلدة فرن الشباك، فإنّ في الحدث الجلل رسالة عنيفة اللهجة بأحرف من دم ضد ماض تعيس وحاضر متعثر الخطى ومضطرب الوعي مع عدم إتزان وتوازن في السلوك ومستقبل غامض يوشي بالخراب والأسوأ.
   عندما تختلط شحنات الحب مع الكراهية، شحنات إرادة الحياة مع الموت في إتجاه هدف واحد، تصبح الجريمة إنتحاراً ،والانتحار جريمة ليتحول الانتحار والجريمة معاً الى حالة ثالثة غير معروفة وغير متفق عليها تتخطى الجنون بمسافات وتتخطى مواد الهلوسة والاوهام المفتعلة عبر منشطات عضلية او مخدرات، وتتخطى علم الاجتماع وعلم العائلة وعلوم الاقتصاد والمال، حالة تتخطى المأساة الفردية والمأساة العائلية بإتجاه إعادة البحث في بنية كينونة الانسان نفسه، هل هو من تراب ام من وحل ونار وماء؟
ان يقتل الاب ولديه وأن ينتحر او أن تقتل الام أطفالها وتنتحر، حالات ما عادت نادرة الحدوث في لبنان بل حصلت سابقا وتتكرر بعناوين مشابهة رديفة للإنتحار وللجريمة في بلاد تشهد إنتحارا سياسيا-اقتصاديا-اجتماعيا -نفسيا جَماعيا بعد ان عجز ت إرادة الحياة في المجتمع اللبناني المريض ان تنتصر على رغبة الموت الجماعية…
وحدهما حالتا السويداء الذهانية و فصام الشخصية الاضطهادية تدفعان العاقل الى الجنون وتدفعان الهادىء الى العنف وتجعلان الاب الطيب قاتلا لأطفاله وقاتلا لنفسه.
وحدها الكرامة المسحوقة والكبرياء المداسة بالأقدام تجعلان من جائع او مضطهد او مكتئب او منبوذ ان يتمرد على الله ،وان يتحداه في قدره وان يحتج على خلقه وان يعيد اليه الارواح من دون منّة وان يعلمه في لحظة غضب عارم وفي لحظة عدوانية هوجاء انه ليس الأله من يقهره بالموت ، انما عبيده قهروه وعذبوه الى ان قتلوا اطفاله، قتلوه وهو الميت فبل الممات…
قاتل واحد في هذه الحادثة، وعلى الاجهزة الأمنية البحث عنه على وجه السرعة:
سارق المال وصانع الجياع، مانع الفقير من تلقي العلاج والمساعدة، مصدر الطائفية والعنصرية واستغلال الانسان للانسان، الصراع الطبقي، مكفّر العباد بالخالق بظلمه وتشبيحه، يأس الناس من القضاء والعدالة والاطباء ومؤسسات الدين والاعلام، حارم الفلسطيني من وطنه، مسبب النزوح والهجرة في طول وعرض البلاد…
قاتل واحد هو مجتمع دولي يحاصر الفلسطينيين أفرادا وشعبا وقضية ويشارك كله في جريمة تصفية هويته وقضيته ويحوله الى إنسان بلا وطن في حين تتحول فلسطين الى وطن مغتصب لشعب هو ليس بشعب؟
قاتل واحد جعل من أفراد يموتون في رواية "رجال في الشمس" للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، ولم يكن لديهم جرأة النقر على خزان الموت الذي يقوده قائد لا هم له سوى السلطة والقيادة ولو إلى المجهول.
كل جريمة وأنتم مشروع موت او انتحار في بلاد أغلب قادتها بقايا أوثان مقدسة وأغلب ناسها نيام…

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى