إغتراب

عودة مغترب مجروح في زمن الكورونا

 

لقد شعر المغتربون، وكاتب هذه الأسطر من بينهم، بمعاناة غربتين: الأولى غربة الكورونا وهم بعيدون عن بلدهم، وغربة إحساسهم بأن دولتهم لا تعي آلامهم بل ولا تحفل بوجودهم.
والحديث عن الدولة اللبنانية ولومها لا ينفصل عن الحديث عن طيران الشرق الأوسط والجشع الذي برز بأقسى صوره، وخصوصاً عندما تفاقمت المعاناة وبدأ هذا الوباء يفتك باللبنانيين في أنحاء المعمورة. ولطالما أظهر المغتربون طيلة مأساة الحرب اللبنانية والاجتياحات الإسرائيلية والأزمات الداخلية على اختلاف أنواعها وألوانها، أنهم أولاد أبرار لا ينسون بلدهم عندما تضيق الأرض به وبأهله، وعندما يسألهم النجدة، فلم يبخلوا بعطاءات بلاد الغربة ليرفعوا أثقال العوز عن كاهل وطنهم، ويمسحوا عرق المذلة عن جبينه، ويحملوا همومه وشجونه أينما حلّوا وارتحلوا، ولم يكن كل ذلك منهم منّة يتبعها أذى، ولا طلباً لرد جميل، وإنما مشاعر صادقة لأرض الآباء والأجداد، والتراب الغالي الذي ينتمون إليه.

ويأتي وباء كورونا حقيقة صادمة تحكي عزلة المغتربين ويتماً أسود برز واقعاً أمامهم وإن كانت معالمه واضحة من قبل، وذلك عندما تركت الدولة لطيران الشرق الأوسط، فخر الانتماء اللبناني، لتستفرد بهم، وتميّز الأغنياء من الفقراء وتفرض عليهم أسعاراً مضاعفة لإخراجهم من أتون الوباء، ومن لا يملك ثمن النجاة فلتلتهمه الغربة في أحضانها، لأن الحياة لا تليق بالفقراء العاجزين عن دفع ثمن النجاة.
ولا حاجة لذكر الإجراءات الطويلة المملّة أثناء العودة، ولا التقصير الحاصل منذ انطلاق الرحلة إلى وصولها، فكلّ ذلك أكّدته وسائل التواصل المختلفة، لكن الواضح في الصورة العامة أن الغاية الأولى والأساس هي الربح المادي وتكديس الأموال، خصوصاً عندما نعلم أنه قد مُنع بعض الشركات الأجنبية التي تُعتبر أسعارها وخدماتها مقبولة ومعقولة جداً من إجراء عمليات الإجلاء للبنانيين لينحصر المجال في طيران الشرق الأوسط اللبنانية.
الغريب في الموضوع أنه لم يُثر هذا الأمر وأزماته كما يجب، مع أن الاغتراب والمغتربين يمثّلان رقماً صعباً في المعادلة الاقتصادية اللبنانية، كما أن المغتربين خارج لبنان يشكلون أضعاف المواطنين داخله، ما يوجب اهتماماً غير عادي بقضاياهم المختلفة، لدواعٍ براغماتية مصلحية ربحية على الأقل، كما هي العادة في لبنان، إن لم نراع الدواعي الإنسانية وما يصبّ في خانتها.
  لقد عدت من الغربة إلى أهلي وعائلتي، ولم أعد إلى لبنان الأخضر، أو وطن النجوم، أو قطعة السماء، أو جنة الأرز، أو قصر المياه، أو… فقد أصبح وطننا وطن المسؤولين واللصوص والفاسدين والانتهازيين والعملاء وأثرياء الحرب والارستقراطية القديمة.
عذراً يا وطني إن كفرت بك بعد طول إيمان، وهجرتك بعد طول احتضان، وكرهتك بعد طول وجد وهيام، ففي زمن الأوغاد تموت العواطف السوية…

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى