عن أبي الراحل.. وأبي الغائب
القاضي حسن الشامي
◇كنت آثرت ألا اكتب هذه الليلة تحديدا…لكن لا يفارقني الشعور بأني إن لم أفعل فأنا لا أفي "الحق" لأهله.
◇والدي" نمر الشامي" (أبو يحيى) لم يكن يوما إلا واضحا في كل شيء…في كل تصرفاته…في كل تعامله معنا نحن أولاده الثمانية ( وأنا صغيرهم كلهم)على مدى سبعين سنة أبا لنا يغمرنا بحنان لا مثيل له دون استثناء ولو لمرة واحدة…وهو الذي رحل العام الماضي عن عمر ناهز التسعين.
◇أبي لم يكذب يوما…ولم يعاد أحدا ممن حوله…ولم ينافق ولم يطعمنا إلا لقمة حلالا ممزوجة بعرق الجبين المكلل بسهر الليالي وعدم معرفة الراحة ولا معنى " الترويقة" صباحا كما كان يقول…لسنوات طويلة.
◇أبي كان فلاحا يتيما فقيرا …ثم بائع صحف…ثم حاجبا في التفتيش المركزي…ثم عاد فلاحا إلى القرية.
◇وربما لكل ذلك – وهنا بيت القصيد – "تمسك" أبو يحيى بموسى الصدر…وربما لكل ذلك كان من أشد المؤمنين بعودته…وربما لكل ذاك نذر نذرا خاصا به إن تحققت الأمنية، فاضطررت لإعلان "وصيته" من على الشاشة العام الماضي.
◇أبو يحيى روى لنا الكثير عن ذلك الإمام…لكن أكثر ما كان يلفتني قصة بسيطة لكن معبرة عندما كانا على عشاء في منزل أحد اقاربنا الاحباء علينا وعلى الإمام في الشياح…وبعد الإنتهاء من تناول الطعام جاء دور الفاكهة…فاختار والدي افضل "ليمونة" ليقدمها للضيف الكبير…لكن "أبو صدري" رفض…مصرا أن تكون من نصيب أبي لأن عينيه وقعت عليها…مستشهدا برواية أخلاقية تربوية عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام..الذي كان -من شدة أدبه -يرفض ان يأخد دوره في تناول اللقمة من الصحن إلا بعد ان تنتهي أمه…كي لا يأكل ما قد يكون قد وقع نظرها عليه قبله.
◇ وأبو يحيى كان حريصا في كانون الأول من كل عام أن يضيء في البيت في شارع مارون مسك في الشياح شجرة الميلاد( وقد ورثنا عنه هذه "العادة")…وعندما سألني مرة صديق عن السبب أجبته فورا وعفويا:موسى الصدر.
◇أنا لن أتحدث عما يجمعنا مع تلك "القامة"( التي يمكن اختصار ما تعنيه في "بيتنا" بكلمة: "إلاعتدال")…الصور تتحدث…أهمها حيث نجله البكر حاملا "حلا" بعمر السنة عام ٢٠٠٦ في منزلنا.
◇والقاسم المشترك بين كل الصور المرفقة واضح…وأردتها متناسبة مع هذه السطور.
لربما يقرأها أبو يحيى في عليائه…ومعه أبو أحمد وأبو حسين وأبو محمد…وهم من أكثر الرجال الذين تأثرت بهم في حياتي…ويظهرون جميعا في الصورتين مع الإمام.
◇ولقد عاهدتك يا أبي أن أنفذ نذرك…ورضاك عني هو ملاذي وسندي في كل ما أنا عليه.
◇وما زلت احلم بذلك اليوم الذي أشم فيه رائحة موسى الصدر بعد أن أكسر قضبان زنزانته "المجهولة"…وأول ما سأحدثه به هو عنك أنت يا أبا يحيى…ربما هي أنانية مني كما قد يتخيل للبعض…لكنها في الحقيقة فخر وفخر وفخر لي…لنا جميعا …أولاده واحفاده….ومعهم أرزون …المكان الأثير لموسى الصدر…ومسقط رأس أحد أحب الناس إلى الإمام …عنيت به من نال منه لقب "الصادق": محمد علي الحسيني (الذي يظهر الى جانب الإمام معتمرا "الكوفية والعقال")…والد زوجتي…الذي رحل طاهرا فقيرا قبل أن يبصر إبني "رضا" النور بأربعين يوما فقط.
*ملاحظة توضيحية: هذه الخواطر لا علاقة لها بما وعدناكم بنشره من صور عن "قضية الإمام"…والتي سيتم وضعها على الصفحة الرسمية للجنة المتابعة في اليومين المقبلين إن شاء الله.