شيطانان سيهزمان.. فبأي الاء ربكما تكذبان (محمد صادق الحسيني)

كتب محمد صادق الحسيني:
“….فقد كانت واشنطن وموسكو تجلسان احداهما مقابل الاخرى ، وبينهما رقعة الشطرنج العالمية
وكان العالم منقسما الى قسمين او هكذا ظننا.
ولزم القوتان العظميان بعض الوقت لكي تدركا ان ثمة رجلا ملتحيا يرتدي عباءة طويلة يجلس الى جانبهما ويقوم بالفعل بخطوات خاصة به.
لم يلتفت احد عندما طرد في الستينات من القرن الماضي رجل دين ايراني غير معروف اية الله الخميني خارج بلده ، لانه احتج على ” انحطاط” نظام الشاه.
….لذا كان المتمردون مجهولين تماما بالنسبة لاعلى المستويات في الحكومة الاميركية…. مجموعة من الرجعيين المتدينين التي لفت الغموض اعضاءها ونواياها.
فاجأتنا الثورة في ايران لاننا لم نر شيئا مماثلا لها من قبل.
كان يعتقد ان الاسلام كقوة سياسية في طور الانحسار لا المد.
وافترض ان الجميع في المنطقة منشغل في المشاكل العملية للاقتصاد والتحديث.
هل يمكن ان تقع ثورة في ايران تستند الى ردة فعل عنيفة صد اميركا والغرب؟
من يمكن ان يدعم مثل هذا الامر سوى حفنة من المتعصبين.؟
فشل خبراؤنا في استيعاب عمق العداء للشاه او الاتباع المخلصين الذين يمكن ان يحشدهم رجال الدين ، حتى وسط تفشي المادية في نهاية القرن العشرين.
وفاقم صناع السياسة خطأهم بافتراضهم ان الثوار سيقنعون بالتخلص من الشاه وتنصيب حكومة ديمقراطية .
وسرعان ما عرفنا ان الثورة الايرانية لم تكن مجرد انقلاب او “تغييرا للنظام” او حتى حربا اهلية ، وانما زلزالا سياسيا حقيقيا مماثلا للثورتين الفرنسية والروسية.
….. ونشأت رؤية جديدة للعالم بمثابة الحقيقة الرسمية، ومن المدهش انه لم تكن لتلك الحقيقة اي صلة بالشيوعية او الديمقراطبة. لقد كانت حقيقة لا تكترث للاحتياجات الاقتصادية للمجتمع والحقوق السياسية للفرد،
بل بالحقيقة تستند الى تفسير ضيق وغير مرن للارادة الالهية.
تقدم تجربتا الولايات المتحدة في فيتنام وايران في السبعينات من القرن الماضي دروسا يجدر بالاميركيين تذكرها اليوم . “
النص اعلاه هو جزء من مذكرات وزيرة خارجية امريكا الراحلة مادلين اولبرايت … والذي جاء في كتابها الشهير عن تجربة عملها في الادارة الامريكية زمن بيل كلينتون، تحت عنوان “الجبروت والجبار “…
وما سجلته ليس سوى جزء من تجارب امريكا الفاشلة والخاسرة في كل حروبها اكانت العسكرية منها او السياسية او الفكرية والتي خاضتها ضد كل قوى التحرر في العالم من فيتنام والفليپين الى امريكا اللاتينية….
ورغم انها تقول انها وزملاءها في الخارجية والادارة الامريكية قد تعلموا الكثير ، الا ان ذلك ليس صحيحاً على الاطلاق…
فكل الحيثيات والمعطيات التي يمكن تتبعها من قبل اي باحث او دارس في علم الاجتماع الحديث تفض للاستنتاج بان الطبقة السياسية الامريكية ليس فقط لم تتعلم من تجربتي الفيتنام وايران في القرن الماضي، بل انها اخذت في القرن الواحد والعشرين منحى اكثر حماقة وغباء ، حتى ظهر من بين ثنايا طبقة الحكم الاوليغارشي اليميني المتطرف ثمة من صار ينظر لنظرية سرعان ما ظهر فسادها الا وهي ” نهاية التاريخ” لفوكاياما ، يوم اعتبر ديمقراطية بلاده بانها اخر مايمكن ان تصل اليه البشرية من تقدم…!!!
ورغم انقشاع فسادها وتراجع صاحبها عنها ، الا ان الطبقة الحاكمة سرعان ما افرزت ثمة من هو اكثر علواً وافساداً وهو دونالد ترامب ، رئيساً مارقاً حتى على ابجديات العمل الديمقراطي الامريكي المبهرج…!
كل ما يجري حول العالم ومن حولنا من احداث متسارعة ووقائع متلاحقة تؤكد من جديد
ان امريكا و معها كل الغرب الجماعي المتصهين الذي هي منه وهو منها سيفاجأون من جديد وسيكتبون في مذكراتهم وقريبا جداً :
كنا نعتقد ان الاسلام كقوة سياسية في طور الانحسار لا المد
بل وسيزيدون عليه :
لقد فشل خبراؤنا في التقاط عمق العداء لامريكا والكيان الصهيوني في منطقة غرب اسيا …
كما فشلوا في معرفة عمق تشرب فكر المقاومة في عقول ونفوس وافئدة وروح ليس فقط جمهورنا العريض من هرمز الى باب المندب ومن البصرة الى بنت جبيل …
بل وحتى في عقول مدراء وكوادر الحكم في بلاد ظنوا انها باتت تحت عباءتهم من افغانستان الى العراق بعد ان غزوها بالعسكر والمال ومنظمات “المجتمع المدني ” الفاسدة والمفسدة …!
فهم يفتقرون الى ابسط وسائل التحليل العلمية لفهم مجريات الامور في مجتمعاتنا ودولنا
هم يظنون ان العربية والفارسية والكردية والاوردية وسائر لغات الشرق المشبعة والملتحمة بالاسلام العظيم هي مجرد لقلقة لسان يمكن لاي احد ان يتعلمها لينفذ الى اعماق اهلنا…
هم لايدركون ولن يتمكنوا ان يدركوا بسهولة ان لغاتنا وثقافتنا وديننا و جهادنا وثقافتنا هي ليست مجرد ادبيات تستعمل في اللسان ، بل هي تسري في عروق ودماء اعداد عديدة جداً من امتنا ، وليس من السهل انتزاعها..
قد تخبو زمناً وقد تلجأ الى فصل السبات برهة و اخرى توظف لشراء الوقت و ثالثة لممارسة التقية مع العدو ومداراة لمعادلات مؤقتة غطت سماء بلادنا بسبب خسارات عظيمة اصابتنا هنا او هناك
لكن اياً منها لم ينتزع ولن ينتزع من افئدتنا ولم يلد بعد الذي يستطيع انتزاعها منا….
بل سرعان ما ستجدون يا امريكا الترامبية و معكم هذه المرة بيادقكم الجديدة المبذرة والمسرفة والسارقة للمال العام بان مقدرات الامة التي وضعتموها مجاناً في خزائن الناهبين الدوليين… نعم ستجدونها حسرةً عليكم…
وسرعان ما ستكتشفون ان ثورة كبرى تنتظركم لن تكون مجرد “تغيير انظمة” هذه المرة ولا حتى حربا مجرد حربا مقدسة ضدكم ، وانما زلزالاً سياسيا حقيقيا وهذه المرة اقوى من الثورتين الفرنسية والروسية فعلا كما حصل يوم تفاجأتم بالثورة الاسلامية في ايران….
فالطوفان انطلق في ساعة اكتوبر الفلسطينية ، وليس من المعقول ان يغرق نوح في الطوفان ابداً…
بل ان موجات هذا الطوفان التي تتجمع الان تحت جلودكم وبين ثناياكم سرعان ما ستقوم هادرة ، بعد انتهاء استراتيجية السبات وشراء الوقت الطارئة التي نمر بها حاليا…
وهذه المرة ستكون مهمتها كما اعلن امام المقاومة اقتلاع الغدة السرطانية التي زرعتموها في قلب جسدنا وهي الكيان الصهيوني المؤقت ، وطردكم انتم الشيطان الاكبر -امريكا- مرة والى الابد من منطقتنا…
وهذا الامر بات اقرب مما تتصورون
فاقداركم تُركلون…
واقدارنا القوة الضاربة…
وساعتها ستدركون من جديد عمق فشلكم
وستحتاجون الكثير من الوقت لكي تدركوا ان ثمة اكثر من رجل ملتح يرتدي عباءة طويلة يجلس الى جانبكم ويقوم بالفعل بخطوات خاصة به.
نعم اكثر من خميني واكثر من نصر الله واكثر من سنوار ينتظركم
والطوفان القادم سيجعلكم هشيماً تذروه الرياح
فبأي الاء ربكما تكذبان