العالم العربيرأيسياسة

إقليم كُردستان العراق : يستغيث بأميركا .. وأَزمات مستدامة مع بغداد والجوار(جواد الهنداوي)

 

  د.جواد الهنداوي* – الحوار نيوز

 

      العنوان يُفصحُ عن حال الاقليم اليوم ، وعما يواجهه من تحديات خارجية مصيرية ، ناهيك عن التحديات الداخلية السياسية والاقتصادية .

     يكادُ يكون الاقليم مستقلاً في ادارته وفي رسم سياسته الداخلية والخارجية ، ولا تأثير ولا دور لحكومة الاتحاد في ادارة الاقليم وفي رسم سياسته،لا بل و اكثر من ذلك ، الدستور الاتحادي العراقي ، ووفقاً للمادة ١١٥ منه ، يخّول الاقليم عدم تطبيق قانون اتحادي يتعلق في موضوع الصلاحيات المشتركة ،اذا حصل خلاف بين القانون الاتحادي و قانون الاقليم .

       الاقليم في وضعه الحالي فدرالي العنوان ، كونفدرالي في الواقع ،ولكن كونفدرالية اقليمية ( غير رسميّة ) ، وليس دولية او أممّية ،اي ليس له مقعد في الامم المتحدة ولا في المنظمات الدولية والاممّية .

      أستغاث رئيس حكومة الاقليم بالرئيس الاميركي ، وتناقلت بعض وسائل الاعلام ، ومواقع تواصل اجتماعي وسياسي ،نص الرسالة التي بعثها رئيس الحكومة الى الرئيس الأميركي ، بتاريخ ٢٠٢٣/٩/٣ ، و وردَ فيها ” نحن ننزف اقتصادياً وننزف سياسياً ، … اشعرُ بقلق بالغ من ان هذه الحملة المشينة ضدنا قد تسبّب بانهيا نموذج العراق الفدرالي ،الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية منذ عام ٢٠٠٣ …” .

التقت سفيرة أميركا رئيس وزراء الاقليم في اربيل يوم ٢٠٢٣/٩/١١ ،وبالتأكيد كان موضوع اللقاء الحملة المشينة ( كما وصفها السيد مسرور برزاني ) الموجهة من قبل الصحافة الأميركية و البريطانية ، و التي كتبت عن سوء ادارة و فساد  ، واحتكار للسلطة ،( للمزيد عن الموضوع ،انظر مقال للدكتور سعد ناجي جواد ، بعنوان ماذا يكمن خلف التركيز المفاجئ على منطقة كردستان في الصحافة العالمية ، رأي اليوم ،بتاريخ ٢٠٢٣/٨/٢٥ ” ،والذي اشارَ فيه الى الصحف البريطانية و الأميركية ” ).  كذلك تناول موضوع اللقاء الازمات التي يواجهها الاقليم ، وخطر تهديد ايران بتوغل بري لحدود الاقليم ، و أكثر من ازمة مع بغداد .

        ابدأ في الازمات مع بغداد و التي تتكرّر كل سنة ،الامر الذي يدّلُ على افتقار السلطتيّن ( الاتحادية وسلطة الاقليم ) الى اساليب الحكم الرشيد ،و تغليب المجاملة على القانون .

     كركوك ، وقد حسمت المحكمة الاتحادية موضوع المقر الرئيسي للقوات المشتركة وعدم تسليمه الى الحزب الديمقراطي الكردستاني ،وذلك بقرارها الصادر بتاريخ ٢٠٢٣/٩/٤ . أمّا موضوع  الموازنة و حصّة الاقليم من الموازنة وحقوق الخزينة الاتحادية  من ايرادات المنافذ الحدوديّة ،التي تحت ادارة الاقليم فهو الذي يكشف العيوب .

      وفقاً لتصريح المتحدث الرسمي للحكومة الاتحادية  ، في ٢٠٢٣/٩/٧ ، جاء فيه ما يلي : ” لغاية نهاية شهر حزيران ،بلغت الاموال في ذمة حكومة اقليم كردستان اكثر من ٣ اضعاف حصّة  الاقليم ،وحسب الانفاق الفعلي للدولة ، في حين لم تسّلم حكومة الاقليم لخزينة الدولة الايرادات النفطية وغير النفطية ، كما اوجب تسليمها قانون الموازنة الاتحاديّة “.

المتحدث الرسمي لحكومة الاقليم رّدَ ، في اليوم التالي ،اي في ٢٠٢٣/٩/٩ وفي تصريح له ، على ما قاله المتحدث باسم الحكومة ،مُفنداً ادعاءاته .

 يتساءل المواطن ، لماذا لا تُعلن الحكومة الاتحادية للشعب ،بكافة مكوناته ، عما بذمة حكومة الاقليم ؟ وكيف تستمر بدفع اموال اكثر من ثلاثة اضعاف ما يستحقه الاقليم ، وتُقيّد بذمة الاقليم ؟ في حين ،كما يردُ في التصريح الاتحادي ،لم تسّلم حكومة الاقليم لخزينة الدولة الايرادات النفطية وغير النفطية ! هذه مجاملة على حساب حقوق الشعب ،و التفاف على الالتزامات القانونية و الادارية المالية . و اعتقد أنها ليست المرّة الاولى ،ويبدو اعتادت السلطتان الاتحادية و الاقليمية على هذه الصيغة من التعامل ،المبنيّة على المجاملة وغضّ النظر و تبادل التنازلات ،وطبعاً على حساب مصلحة المواطن الذي يعاني في كردستان وفي الوسط و الجنوب .

ازاء حالة تبادل تصريحات مختلفة وتكرار حالة عدم الالتزام من طرف او آخر ،قد يكون من المناسب ان تقوم السلطة الاتحادية بتكليف شركة حسابات دولية خاصة بالاشراف على حسن تنفيذ الالتزامات المالية والنقدية المفروضة على سلطة الاتحاد وسلطة الاقليم ، وبموجب الموازنة . قرارها مُلزم للاطراف وحُجّة عليها وبرهان امام الشعب ،و امام أميركا ،التي تستغيث بها حكومة الاقليم .

 عدم وجود حّلْ دائم وعادل لموضوع ادارة ثروة واموال الشعب سيقوّض ثقة المواطن وثقة المجتمع الدولى بسلطات البلد ،ونعتقد بضرورة دور حازم و فعّال  لاعضاء مجلس النواب و كذلك للمحكمة الاتحادية الموقّرة .

 

   

     

 ازمات الاقليم مع دول الجوار تكاد تكون مُستدامة .

ازمات حدود و أمن مع تركيا مع ايران مع سوريّة .

أسباب أستدامة هذه الازمات وأستعصائها على حلول ، جوهرية وليست شكلّية ، وخارجة عن قدرات الاقليم .فما هي ؟

     أولاً ، الاحزاب والمنظمات الكردية المسلحّة والفاعلة في جغرافية الاقليم ،والتي تستخدم اراضيه ،منطلقاً للعمل المسلّح ضّدَ تركيا وضّد ايران و ضّد سوريّة ،مُتجذّرة في الاقليم ، والاقليم إمّا عاجز عن منعها و طردها ، و إمّا لاعتبارات قوميّة او دوليّة مُلزم بالاكتفاء بتحذيرها او بتجميدها مؤقتاً او بحلول أخرى ،تُرضي مؤقتاً الدول المُتضرّرة . دور الحكومة الاتحادية يكاد يكون معدوماً ازاء أزمة المنظمات المسلّحة الكردية العاملة في الاقليم ، ضّدَ امن تركيا وأيران و سوريّة .

ولا بُّدَ ان تكون مصلحة لاسرائيل ولأميركا في توظيف هذه الجماعات المسلّحة الكردية للعبث في أمن إيران و سوريّة ، وحتى تركيا . هذا الحال يشكّل انتهاكاً لدستور العراقي ،والذي ينص على عدم جواز استخدام اراضيه منطلقاً للأعتداء على دول الجوار ، ويعطي ذريعة و فرصة لدول الجوار بالاعتداء على سيادة العراق ،عندما تقوم تركيا او ايران بقصف جوي و مدفعي على معاقل واماكن تواجد المنظمات الكرديّة المسلحّة ،والتي تعتبرها ارهابيّة . وجود وفاعلية المنظمات الكرديّة المسلحّة في الاقليم أمرٌ مُسّلمْ به ، ولا يختلف عليه اثنان . الخلاف قد يكون على تواجد و عمل شبكات تجسّس وتخريب لصالح اسرائيل ،تعمل ضّدَ ايران و ضّدَ سوريّة ،ولطلما شككتْ ايران و تصرفّت عسكرياً بقصف صاروخي ،استهدفَ عملاء لاسرائيل .

لتركيا ولايران هموم اخرى ازاء التطلعّات الانفصالية و القومية لقادة كُردستان ،ليس فقط الانفصال عن العراق ،و انما تأسيس دولة كردستان الكبرى ،والتي تجمع كُرد تركيا و العراق و ايران وسوريا . كما تهتم تركيا بمصير كركوك بقدر اهتمام الحزب الديمقراطي الكردستاني ، و ترّدُ تركيا ،وعلى لسان رئيسها اوردوغان ،على تصريحات القيادات التركية بسعي الاقليم لضّمِ كركوك .

تجدُ كل من تركيا و ايران بأنَّ مصالحهما الاستراتيجية ، وفي مقدمة تلك المصالح ، الامن القومي ،مُهدّدة من جغرافية كردستان ،الامر الذي يُضعف امن واستقرار الاقليم ويفقد العراق حُرمة السيادة والمكانة .

قد تلجأ إيران ،ومن اجل مطاردة المعارضة المسّلحة والمتواجدة في الشريط الحدودي بين ايران والاقليم ،الى  اجتياح المناطق التي تعتبرها مآوي ومنطلقا للجماعات المسلحة المعادية لها ، وخطر قيام ايران بحملة مطاردة و توغّل ليس بمستبعد ، وقد تُكرّر ايران تجربة تركيا فتنشأ لها قواعد عسكرية في الاقليم لمطاردة المسلّحين ومراقبة ما يقوم به مرتزقة وعملاء إسرائيل ،لاسيّما ،الآن ،أن ثمة ظروفا دولية واقليمية مناسبة لايران إنْ أقدمت على تنفيذ توغّل بري في الشريط الحدودي بين ايران والاقليم . ونأمل ان تكون الزيارات التي قام بها وزير خارجية العراق قبل يوميّن ، و أخرى من قبل قيادة الحزب الوطني الكردستاني ،مُثمّرة في تهدئة الاجواء و ضبط الاوضاع .

 * رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / في ٢٠٢٣/٩/١٤ .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى