إقتصادمصارف

لبنان بين سندان مجموعة العمل المالي ومطرقة مصارف “الزومبي” (عماد عكوش)

 

بقلم  د. عماد عكوش – الحوار نيوز

بعد فشل السلطتين التشريعية والتنفيذية في لبنان في وضع القوانين الناظمة للقطاع المصرفي لأعادة تفعيلها ،

وكون لا يمكن لأي أقتصاد ان يعيش بدون هذا القطاع ، ولا يمكن لدولة ان تستمر في ظل تعطيل شامل لهذا القطاع ، على اعتبار كل القطاعات الاقتصادية اليوم وخاصة في ظل تنامي التجارة الالكترونية ، وعمليات الدفع ما بين الافراد والمؤسسات تتم عبر التحويلات ما بين المصارف والشركات المالية ،

 وكون المصارف الحالية تحولت الى مصارف “زومبي” تعيش على تأكل الودائع القديمة ، وتعيش أيضا على ابتزاز المواطن والتاجر لأجراء بعض العمليات الضرورية لتسيير وتسهيل الاعمال .

 وبعد تحذير لبنان من قبل مجموعة العمل المالية (فاتف) من ادراجه ضمن اللائحة الرمادية لصعوبة الرقابة على أعماله وتحويلاته وتحول الاقتصاد بشكل شبه كامل الى اقتصاد الكاش ، وبعد استمرار حالة الجمود السياسي في لبنان في ظل أزمة اقتصادية خانقة وانهيار للعملة المحلية وقطاع مصرفي مفلس ، وهو ما يزيد من تدهور الوضع المعيشي للبنانيين، وقد بدأت دول غربية تعبر عن امتعاضها من هذا الجمود بلهجة صارمة تزداد وضوحا يوما بعد يوم ،

 بعد كل هذا لا بد من اجتراح حل ولو مؤقت، أو ما يسمى بالترقيعة للخروج من هذه الدائرة القاتلة .

وقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن نيتها إرسال أحد كبار مسؤوليها ليوضح للسلطات اللبنانية قلق واشنطن إزاء الوضع الاجتماعي والسياسي المتدهور في البلاد، مشيرة في بيان لها إلى أن وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل سيزور بيروت بين 13 و15 أبريل/ نيسان الجاري.

وكان وفد من وزارة الخزانة الاميركية قد حضر قبل منتصف أذار للوقوف عند ما أنجزه لبنان في ملف اقتصاد الكاش والوضع المصرفي، ثم غادر بعدما التقى عدداً من الجهات الرسمية وغير الرسمية. وقد التقى الوفد ممثلي جمعية المصارف، وبحث في جملة إجراءات على لبنان اتخاذها لمنع تمويل حركة «حماس» والمنظمات الإرهابية وفق تصنيفها ، إضافة الى مكافحة تبييض الأموال. كما أن الوفد كان حريصاً في تحذيراته على أنه لا يمكن تصنيف هذه الإجراءات بين مهم وأهم، بل جميعها مهمة واجبة التنفيذ على جناح السرعة ، محذراً من تداعيات هذه التجاوزات الخطرة، خصوصاً في ظل توسّع اقتصاد «الكاش»، فهذا التوسّع مصدر قلق للأميركيين كونه يسمح بتسرّب عمليات تمويل المنظمات الإرهابية، فضلاً عن غسل الأموال عموماً.

وتضم مجموعة العمل المالية عدداً من المنظمات الحكومية والدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتضع المجموعة نحو 40 معياراً لمكافحة الأموال القذرة، التزم لبنان ب 36 معيارا منها، وهي المعايير التي لها علاقة بالنظريات والقوانين، وبقي الالتزام بتطبيق القوانين وتفعيل القضاء لمحاسبة المرتكبين، وخاصة تطبيق قانون مكافحة الفساد وتبييض الاموال، وهذا لم يحصل لغاية اليوم، فلم تتم معاقبة اي مرتكب واصدار اي عقوبة بحقهم، كما لم تتم مصادرة اي املاك تعود للمرتكبين .

انطلاقا من هذا الواقع ، يبدو انه لم يبق أمام هذه المنظومة الا أمر واحد، وهو البحث عن المصارف القادرة على المتابعة وتفعيلها ومنحها مزيدا من التراخيص لفتح فروع جديدة في المناطق لوقف النزيف وابعاد لبنان عن تجرع الكأس المرة وادراجه ضمن اللائحة الرمادية، وبالتالي وقف كل أعمال التحويل مع الخارج ووقف عمل ما تبقى من مراسلين . لكن لتأمين عودة سليمة لهذه المصارف لا بد من أعادة الثقة بهذه المصارف وهذه الثقة لا يمكن ان تعود من دون اعادة الودائع للمودعين في هذه المصارف، ولو عبر خطة زمنية تمتد على ثلاث سنوات كحد أقصى .

من هذه المصارف الممكن ان تقوم بهذا الدور هو البنك العربي .فقد تأسس البنك العربي والذي يتخذ من عمان في الأردن، مقراً له في العام 1930 ،وهو يمتلك إحدى أكبر الشبكات المصرفية العربية العالمية، والتي تضم ما يزيد عن 600 فرع موزعة عبر خمس قارات. ويملك البنك العربي اكثر من 12 فرعا في لبنان موزعة على كامل الاراضي اللبنانية ، ويقع المركز الرئيسي في وسط بيروت في شارع رياض الصلح .

بلغ مجمل رصید التسھیلات الائتمانیة المباشرة للمجموعة 32٫3 ملیار دولار امریكي، ومخصص الخسائر الائتمانیة المتوقعة 2.8 ملیار دولار امریكي، كما في ٣١ ايلول 2023 ،فيما بلغت مجموع الموجودات حوالي 66.46 مليار دولار . أما الودائع فقد بلغت 50.1 مليار دولار . وحقوق المساهمين تبلغ 9.82 مليار دولار . وان موجودات المصرف لدى المصارف المركزية لا تتجاوز 16 بالمئة من مجموع الموجودات،ونتحدث طبعا عن كل المصارف المركزية في العالم .

كما بلغت ارباح مجموعة البنك العربي عام 2023 بـعـد الضـرائب والمخصـصـات 829.6  مليون دولار أمريكي . وارتفعت أصول المجموعة كما في نهاية العام 2023 لتصل الى 68.3 مليار دولار أمريكي وبنسبة نمو بلغت 6%، كما ارتفع إجمالي محفظة التسهيلات بنسبة 5% لتصل الى 37.1  مليار دولار أمريكي مقارنة بـ 35.4 مليار دولار أمريكي بالعام السابق، في حين ارتفعت ودائع العملاء بنسبة 6% لتصل إلى 50.6 مليار دولار أمريكي مقارنة بـ 47.7 مليار دولار أمريكي بالعام السابق.

البنك العربي وبنك الكويت الوطني وبنك قطر الوطني، هؤلاء وغيرهم “إلتزموا مع عملائهم بسقوف شهرية معينة تبعاً لحجم التحويلات الدولارية التي تأتي إليهم، لكنهم لم يوقفوا دفع الدولار”  ، والسبب الرئيسي لهذا الإلتزام هو “تأمين الدولار من الخارج. فهذه المصارف هي فروع للمصارف الأم، وتختلف عن المصارف اللبنانية لناحية تأمين الدولار من محفظة البنوك الموجودة في الخارج. وبالتالي، فإن هذه المصارف غير معنية بالأزمة”.

البنك العربي مثال يمكن البدء به..

في نهاية العام 2018 وقبل الازمة المالية كان البنك العربي – فروع لبنان، يتمتع بميزانية معقولة ومقبولة وبعيدة كل البعد عن المخاطر المصرفية . فقد كانت قيمة الودائع 1.01 مليار دولار ، كما بلغت موجودات هذا المصرف 1.3 مليار دولار ، أما الاموال الخاصة فقد بلغت 132 مليون دولار ، وبخصوص التسليفات للقطاع الخاص فقد بلغت 662 مليون دولار. وتجدر الاشارة الى ان التسليفات مغطاة بنسبة تزيد عن 100 بالمئة، وتبلغ نسبتها الى الودائع حوالي 65.54 بالمئة، وبالتالي فإن هذا البنك بعيد عن مشكلة السيولة مع مصرف لبنان وبشكل كبير. فقد كانت الاموال الخاصة ، تسليفات القطاع الخاص ، والايداعات لدى المراسلين والمركز الرئيسي كافية لتغطية كل الودائع المحجوزة في لبنان .وهذا الامر ينطبق ايضا على بنك الكويت الوطني ، والبنك الاهلي القطري .

لذلك فإن عملية الانطلاق بهذه المصارف سهلة وممكنة، لا بل يمكن ان تؤدي الى نتائج ايجابية على صعيد بقية المصارف، كون هذه العملية تشكل حافزا اساسيا لبقية المصارف على اجتراح حلول لها حتى لا تفقد دورها، وبالتالي حصتها من السوق اللبناني والذهاب فيما لو طالت عملية تفعيلها الى الافلاس المحتم والخروج من السوق. .

ان هذا الاجراء اصبح ضروريا للابقاء على الحياة الاقتصادية، والا فإن المجتمع الدولي لن يقبل الاستمرار في هذا الواقع الحالي، ويمكن ان يتحول لبنان فيما لو استمر، الى بؤرة معدية يخاف منها الجميع ويمتنع عن التعامل الاقتصادي معه .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى