د . جواد الهنداوي*
العنوان يُعبّرُ عن مشهد و واقع نعيشه ونلمسه، ولا حاجة لإجهاد النُهّى لتبيان هذا الواقع او لانكارهِ.
ما تحققّه ايران، على صعيد علاقاتها الدولية وسياستها الخارجية، هي نجاحات استراتيجية، وستكتمل هذه النجاحات بعودة الولايات المتحدة الامريكية الى الاتفاق النووي، وبرفع العقوبات والحصار .
لماذا نعّدها نجاحات استراتيجية؟
لأنها ذات أبعاد اقتصادية وسياسية ودبلوماسية، و لأنَّ علاقات ايران مع كل من الصين وروسيا مرتكزة على مبادئ وقيم وأهداف مشتركة، ولأنّها علاقات مع دول عظمى واعضاء دائمة في مجلس الأمن، وقوى واعدة بهيمنتها الاقتصادية والسياسيّة على العالم.
أصبح لايران الآن اتفاقية استراتيجية ومصيرية مع روسيا وأخرى مع الصين، وفي هذه الاتفاقيات منافع سياسية مهمة لجميع الاطراف، فهي تعزيز لايران، وكذلك تعزيز للعلاقات الروسية – الصينية.
أهمية هذه الاتفاقيات بين ايران والصين من جهة، وبين ايران وروسيا من جهة اخرى تتجلى في انها تمهّد لتحالف بين روسيا والصين، وهذا ما حذّر منه، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، المستشار والوزير كيسنجر، وجدّد ذات التحذير للرئيس السابق ترامب. هذه الاتفاقيات تمهّد لتحالف آسيوي يضّمْ الكبار ويستقطب الاخرين كالهند مثلاً. وتتبلور هذه التحالفات في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة الامريكية حالة ضعف استراتيجي، بالرغم مما تملكّه من قوة عسكرية و اقتصاديّة ، بل ومن فائض قوة. ويعود سبب ضعفها الاستراتيجي الى ثلاثة عوامل: ادمانها على الحروب ، وافتقارها لسياسة خارجية قائمة على الدبلوماسية والمبادئ والقيم الانسانية والدولية، والتضحيّة بالمصالح الامريكية لحساب المصالح الاسرائيلية والصهيونية .
نالت ايران موقع الوسط بين الكبار ( روسيا و الصين )، ليس فقط بفضل موقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية و البشرية، وانما لعوامل اخرى سياسية ومعنويّة، فما هي؟
حافظت ايران على نفوذها في المنطقة وفي العالم، بالرغم من الحصار و العقوبات، بل استطاعت ترسيخ و فرض هذا النفوذ، وتجاوز العقوبات الامريكية، حين واصلت امداداتها ومعوناتها الى فنزويلا والى سوريا والى فلسطين المحتلة.
استطاعت وبالصبر الاستراتيجي ان تنجح في ادارة الازمات، التي صنعتها امريكا واسرائيل ( ازمة الملف النووي و بجوانبها الامريكية والاوربية و الدولية ولجنة الطاقة )، ( ازمة الاعتداءات والاغتيالات الاسرائيلية والامريكية )، ( ازمة اسلحتها التقليدية وصواريخها البلاستّية )، ( ازمة دعمها لحركات المقاومة والتحرر ومحاربة الارهاب في سوريا وفي العراق وفي المنطقة ).
حافظت ايران على استقلال قرارها السياسي والسيادي وأمنها الداخلي، فحظيت بثقة وبأحترام الدول الكبرى،الاصدقاء والخصوم .
ليس هو كذلك حال العرب، دولاً ومنظمات وشعوباً .
فَدولهمْ، بعضها عرضة لاحتلال عسكري واخرى لاحتلال سياسي، يفقدها القرار السيادي، وثرواتهم عرضةّ للعبث والفساد والابتزاز، والشعوب ما بين الاحتلال والحصار والتجويع وفواجع الحرب والارهاب والنزوح والهجرة.
الظرف العربي أصبحَ ساحة استراتيجية لصراع النفوذ، وغير مؤهل لإنتاج لاعب عربي استراتيجي او يتوسط بين الكبار، أغلب دولنا تتنقّل بين المصالح الامريكية والمصالح الاسرائيلية، و على حساب مصالحها الاستراتيجية وثرواتها، وأخطر ما في الامر هو الحظر الشامل على أي فكرة او محاولة عربية لخلق تجمّع عربي اقتصادي او جغرافي او سياسي مستقل او آسيوي متحرر من الهيمنة و السطوة الامريكية الاسرائيلية.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل
زر الذهاب إلى الأعلى