محليات لبنانيةمنوعات

دراسة مقارنة حول عالم الجريمة في لبنان بين عامي 2020 و2021 (محمد هاني شقير)

كتب محمد هاني شقير

كان لافتًا جدًا العام ٢٠٢٠  ،دخول فئات اجتماعية جديدة الى عالم الجريمة، إذ جرى توقيف العديد من رجال الأمن بتهمة السرقة، وهو أمر لم يألفه المجتمع اللبناني من قبل. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الحالة المزرية التي وصل إليها المجتمع اللبناني؛ فالموظفون بشكل عام ومنهم العسكريون، كانوا حتى وقت قريب، قد تحولوا الى طبقة وسطى بدلاً من صغار التجار الذين فقدوا وظيفتهم الاقتصادية تدريجياً في السنوات الماضية، واليوم بدأت هذه الفئة، تتحول إلى واحدة من أشد الفئات عوزًا وهي الممنوعة من العمل وفقَا للقانون.

كما انضمت فئات اجتماعية أخرى الى الأكثر فقرًا، فضلاً عن أصحاب السوابق الذين “يمتهنون” السرقة. وفي هذا السياق لن يكون بمتناول المتخصصين تقدير ما سيطرأ على الجريمة ومآلاتها في المستقبل، في ظل زيادة معدلات البطالة جراء انسحاب الكثير من المؤسسات من سوق العمل ودخول شرائح اجتماعية جديدة على الفئات الاكثر فقرًا، واستقالة الدولة من مهامها في رعاية شعبها وتوفير الظروف المناسبة لعجلة الاقتصاد التي أكلها الصدأ السياسي في البلاد. لذلك من المهم التنبه للمشهدين السياسي والاقتصادي وتأثيرهما في تقلب عالم الجريمة من حالٍ الى حال، حيث تفيد الأرقام بأن الجريمة وبخاصة السرقة الموصوفة وسرقة السيارات منها، مستمرة في طريقٍ تصاعدي مقلق يستدعي حذرا نوعيا واستثنائيا للقوى الأمنية والمواطنين لتجنب وقوع الأخيرين وأملاكهم فريسة المرتكبين.

وفي ما يلي دراسة مقارنة للجريمة بين سنتي ٢٠٢٠ و ٢٠٢١ والتي أظهرت ارقامها أن معظم الجرائم حافظت تقريبًا على وتيرتها بإستثناء سرقة السيارات والسرقة الموصوفة اللتين تعاظمتا بشكل كبير جدًا.

١_ القتل:

 زاد عدد القتلى الجنائيين سنة ٢٠٢١ عن سنة ٢٠٢٠، إذ سجل في الأخيرة مقتل ١٨٥ شخصًا بمعدل شهري بلغ ١٥.٤٤ ليرتفع العدد سنة ٢٠٢١ الى ١٨٨ شخصًا بمعدل شهري بلغ ١٥.٦٧، وقد تبين أن معظم مرتكبي الجرائم هم أما من أصحاب السوابق أو مرضى نفسيين أو من المدمنين، أضيف إليهم أشخاص تنازعوا على أملاك أو أموال وبطبيعة الحال قضايا أخرى لها علاقة بما يسمى “جرائم الشرف” .

٢_ سرقة السيارات.

بلغ عدد السيارات المسروقة في العام ٢٠١٩، ٥١٤ سيارة، قابله في هذه سنة ٢٠٢٠ سرقة ١٠٦٧ سيارة، أي بزيادة فاقت الـضعفين، واستمر العدد تصاعديًا سنة ٢٠٢١ ليصل الى ١٣١٤ بزيادة ٢٤٧ سيارة بارتفاع بلغت نسبته المئوية ١٨.٨٠ ٪ تقريبًا.

وبحسب عدة مصادر متطابقة، فإن معظم السيّارات التي تُسرق، تُهرب الى خارج البلاد بطريقة غير شرعية، ومن معابر سرّية، وتباع بأقل من ثمنها، فضلاً عن فكفكتها وبيعها قطعَا مستعملة في السوق المحلي.

٣_ السرقة.

في ما يتعلق بالسرقات الموصوفة التي تستهدف عادةً المنازل، والمحالّ التجارية، والصيدليات وما يوجد داخل السيارات وكل ما يستطيع السارقون حمله إن كان ملكًا خاصًا أو عامًا، فقد بلغت سنة ٢٠٢١ أرقامًا قياسية جدًا تدعو الى ضرورة النظر إليها بعين القلق والخوف مما قد تسببه فيما لو استمر الوضع الاقتصادي على حاله من التردي، حيث تخطى عددها مجموع عدد السرقات التي حصلت في سنوات ٢٠١٨ و ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ إذ سجل فيهم وقوع ٥٥٣٧ عملية ليرتفع الرقم سنة ٢٠٢١ الى ٥٩٤٠ عملية، أي بزيادة ٤٠٣ عمليات عن مجموع السنوات المذكورة.

علمًا ان هذه السرقات بلغت سنة ٢٠٢٠، ٢٥٣٦ عملية بمعدل شهري بلغ ٤٢ عملية، قابلها سنة ٢٠٢١ تسجيل ٥٩٤٠ عملية بزيادة بلغت حوالي ٥٧٪.

٤_ الانتحار:

الأمر الايجابي الذي يسجل لسنة ٢٠٢١ هو تراجع حوادث الانتحار لتأخذ معدلها السنوي ما قبل عام ٢٠١٩. فهذه الأخيرة شهدت وقوع ١٥٠عملية انتحار سنة ٢٠٢٠ بمعدل شهري بلغ ١٢ لينخفض العدد سنة ٢٠٢١ الى ١٤٢ حادثة بمعدل شهري بلغ ١٢.

 

من جهته الطبيب النفسي والكاتب أحمد عياش رأى أن هذه الأرقام لا تعتبر انخفاضًا؛ فدراستنا الاحصائية الاولى من سنة ١٩٧٥ الى سنة ٢٠٠٢ في لبنان والصادرة في كتابنا الانتحار- نماذج حيّة لمسائل لم تُحسم بعد-(٢٠٠٣)، اوضحت ان الارقام الرسمية الصادرة عن قوى الامن الداخلي لا يتجاوز معدلها الوسطي الـ ١٥٠ حالة انتحار ناجح، بينما الارقام الحقيقية هي ثلاثة أو أربعة أضعاف، واستقيناها من طوارىء المستشفيات، إذ أن الانتحار المقنّع و غير المعلن لا تعرف به القوى الامنية ولا شركات التأمين ولا الجهات الضامنة، كما لا تعرفه المؤسسة الدينية  لمَا  لذلك من تداعيات واقاويل ومنع صلاة عن المنتحر.

يضيف عياش: هي ليست انخفاضًا بالارقام انما أجهزة الدولة تعمل بنصف دوام وبلا دوام رسمي ولا أحد يريد القيام بمهمته وفق الاصول لاعتبارات كثيرة. وما يظنه البعض انخفاضًا تحوّل الى ارتفاع في حالات الرديف الانتحاري كقيادة السيارات بتهوّر أو السعي لمغامرات خطرة .

ما يصح عن الانتحار يصح ايضًا على الإدمان على المخدرات أو الممنوعات، يقول عياش، فالدولة شبه مشلولة وشبه غائبة والعكس هو الصحيح؛ فحالات الادمان على الممنوعات في ازدياد كما يلحظ الاطباء في عياداتهم من ناحية ،ومن ناحية أخرى ان الكثيرين من مدمني الهيرويين يسدون حاجتهم عبر دواء مورفيني بديل توفره وزارة الصحة SUBUTEX اوSUBOXON واللذين يعمقان حالات الادمان ولا يشكلان علاجا نهائيا انما متابعة قانونية. علمًا ان المحاضر المنظمة حول الإدمان سنة ٢٠٢٠ بلغت ١١٦٢ لتنخفض سنة ٢٠٢١ الى ٨١٧.

٥_ حوادث النشل:

من ايجابيات هذا العام التراجع اللافت في عمليات النشل. فقد سجلت سنة ٢٠١٩، وقوع ٦٧٨ عملية نشل بمعدل شهري بلغ ٥٦ عملية، لينخفض العدد الى ٥٠٤ عمليات بمعدل شهري بلغ ٤٢ عملية، ويستمر الانخفاض سنة ٢٠٢١ ليصل إلى ٤١٩ عملية بمعدل شهري بلغ ٣٥ عملية وبتراجع نسبته حوالي ٢١ ٪.

ورأت مصادر مطلعة ان تراجع عمليات النشل سببه عدة أمور منها: وعي المواطنين وحرصهم الزائد جراء الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، وتراجع حركة المشاة بسبب جائحة كورونا، وتقليص ساعات وأيام العمل في المؤسسات الرسمية والخاصة.

الجدير ذكره أن السيدات هن الأكثر عرضةً لعمليات النشل.

٦_ السلب:

من العلامات الجيدة أيضًا هو تراجع عمليات السلب سنة ٢٠٢١ عنها سنة ٢٠٢١، فقد سجل وقوع ٦١٨ عملية ٢٠٢٠ بمعدل شهري بلغ ١٢.٥عملية، لينخفض العدد سنة ٢٠٢١ الى ٦٠٩ عمليات بمعدل شهري بلغ ١٢ عملية.

كل تلك الأرقام الجرمية مرشحة للزيادة في المستقبل وذلك نظرًا لتعقد المشهد السياسي في البلاد من جهة ولعدم وجود بارقة أمل تشي بامكان تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي من جهة ثانية، فضلاَ عن الفقر الذي يصيب فئات اجتماعية كثيرة من اللبنانيين والمقيمين والذين أصبحوا يعيشون جميعًا في مخيم كبير اسمه لبنان، وهو غير منظم ومعرّض لكل الصدمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى الأمنية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى