سياسةمحليات لبنانية

حياد لبنان بين الواقع والقانون:ضرب من الخيال

 

 

د. مسعود الصايغ -الحوارنيوز خاص

الحياد فضيلة عندما تكون المعركة بين شر وشر، ولكنه رذيلة عندما تكون المعركة بين حق وباطل.
الحياد ذكاء عندما يكون الصراع بين ظالم وظالم،  ولكنه حَمَق عندما يكون الصراع بين ظالم ومظلوم.
والحياد كنظام قانوني هو مجموعة القواعد القانونية الدولية التي تنظم العلاقات الدولية بين الدول المتحاربة والدول غير المشتركة بالحرب.
وظهر الحياد كمصطلح لأول مرة في القرن الرابع عشر، وكان الفقيه غروشيوس في القرن السادس عشر قد أشار إلى إمكان الدولة التزام الحياد في حال نزاع مسلح.
وقد ظهر مبدأ  الحياد الايجابي وعدم الانحياز خلال اشتداد الصراع بين ( الشرق الاشتراكي  والغرب الرأسمالي ) وقد استخدمته دول عدم الانحياز لكي تنأى بنفسها وتحمي أراضيها وشعوبها من أن تكون ساحة صراع بين الجبارين،  فتم الاتفاق بين دول ذات مصالح مشتركة وضمن منطقة جغرافية مترابطة ومتجاورة ورغم ذلك فقد تراجعت فاعلية عدم الانحياز بغلبة النظام الراسمالي وتراجع المعسكر الاشتراكي.
اما في حالة لبنان وفكرة ونظرية الحياد عن كل ما يجري فهو ضرب من الخيال.
كيف يكون لبنان حياديا عما يجري وهو ضمن مجموعة أهداف ومخططات  طرحها ويطرحها جهاراً العدو الإسرائيلي، ومشاريع قوانين وقرارات  من الولايات المتحدة الأمريكية  متجاوزين الشرعية الدولية والقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة ، التي تمنع انتهاك سيادة الدول واستقلالها وثرواتها في البر والبحر والجو.
فإسرائيل لا تتوانى  عن الاعتداء على لبنان براً من خلال خروقات متكررة متجاوزة الخط الأزرق وغير آبهة بقوات اليونيفيل، وفي الجو خروقات شبه يومية بطائرات استطلاع وطائرات قتالية واستخدام الاجواء اللبنانية للإعتداء على دولة ذات سيادة  مجاورة للبنان (سوريا ) وعضواً في الأمم المتحدة، وبحراً من خلال أعمال الحفر التي تنوي البدء فيها رغم وجود شكوى معروضة امام الامم المتحدة من أجل ترسيم الحدود وما يترتب على ذلك من سرقة موصوفة لثروة لبنان النفطية.

وتهديدات أمريكية مباشرة وغير مباشرة وأخرها قانون "قيصر" الذي يؤثر بشكل مباشر على  لبنان نظراً للحدود المشتركة التي تمتد من  العريضة شمالاً حتى مرتفعات جبل الشيخ  ومزارع شبعا جنوباً ، وكون سوريا هي المنفذ  والمتنفس الوحيد للبنان على الدول العربية وأسواقها التي تعتبر شريان اساسي للإقتصاد اللبناني  وضغوطات لمنع المساعدات عن لبنان والتأثير على سعر صرف الليرة بطريقة مباشرة وغير مباشرة وخنقه اقتصاديا اذا لم  يقم لبنان بتسليم سلاح المقاومة وما يخفي وراءه من نوايا خبيثة لتوطين الاخوة الفلسطينين وإلغاء حق العودة لهم وإبقاء النازحين السوريين مما يشكل تغيراً جذرياً في الديموغرافيا  اللبنانية . فسلاح المقاومة هو الذي دحر الاحتلال الإسرائيلي وهزم الارهاب التكفيري الذي تعرض للبنان  لفترة طويلة في ظل عجز الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة وأجهزتها في ردع إسرائيل وحماية لبنان من هجمات الإرهابيين.
مستنداً  لبنان على مبدأ حق الدول في الدفاع عن نفسها بكافة الوسائل المتاحة وهذا ما نصت عليه المواثيق والأعراف الدولية.

كذلك فإن مبدأ الحياد الذي تضمنته اتفاقية لاهاي التي وُقعّت في 18  تشرين اول 1907 قد نص على حقوق الدول المحايدة والتزاماتها ، ونص كذلك على أنه لا يحق للدولة المحايدة المشاركة مباشرة في نزاع مسلح او مساعدة أحد الاطراف في النزاع من خلال تزويده بالرجال والسلاح .
ويجمع الاختصاصيون في القانون الدولي العام ومن المطالبين بنظام الحياد على ضرورة توافر ثلاثة شروط على الأقل لإمكانية تطبيقه في لبنان، وهي: موافقة غالبية اللبنانيين عليه، موافقة الدول المجاورة، وقدرة لبنان على حماية حياده بنفسه، وبالتالي  فهناك استحالة لتوافر الشروط الثلاثة:
اولا: حيث يرفض قسم كبير من اللبنانيين حياد لبنان في ظل المخططات المشبوهة التي تحاك ضده وتتلطى خلف نظريات حياد او قوة لبنان في ضعفه وغيره .
ثانيا : اعتبار سوريا أن مبدأ حياد لبنان يؤدي إلى إبعاده عن الصراع العربي الإسرائيلي وفصل مصير لبنان عن سوريا بموضوع المفاوضات ما يؤدي إلى ضعف موقفهم في أي مفاوضات سلام قادمة .
ثالثا وأخيرا لا يستطيع لبنان أن يحمي حياده وعلى حدوده عدو متفوّق عسكريا عليه، ورفض اميركا تزويد الجيش اللبناني بالسلاح النوعي لحماية نفسه من أي اعتداء يتعرض له ومنع لبنان من الحصول على السلاح من أي جهة أخرى.
لهذا فإن كل النظريات والطروحات والاقتراحات من حياد او إنكفاء او ابتعاد لبنان عن محيطه  هي مجرد أضغاث احلام . . . فلا يشبه لبنان دول عدم الانحياز ولا يشبه سويسرا وحيادها.فلبنان هو لبنان الفريد بموقعه ودوره وارتباطه بصراعات واحداث المنطقة.
*استاذ جامعي في القانون الدولي، امين عام منتدى الشباب الديمقراطي اللبناني.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى