منوعات

الجدل حول رؤية هلال عيد الفطر:لا صواب ولا خطأ في هذا المجال..بل وجهات نظر مختلفة للرؤية

التقويم الفلكي يحسم الجدل..لكنه لم يجد توافقا فقهيا حتى الآن

 

الحوار نيوز – خاص

في كل عام يدور جدل عقيم في الدول الإسلامية حول تحديد أول أيام عيد الفطر،وغالبا ما يختلف المسلمون في هذا المجال حول رؤية هلال أول شهر شوال ونهاية شهر رمضان،فيحتفلون بالعيد بفارق يوم واحد.

وبين الرؤية بالتلسكوب أوالعين المجردة وتحديد يوم العيد فلكيا ،لم يتفق المسلمون بعد على يوم واحد لبداية شهر شوال ،وحتى الأشهر القمرية بشكل عام.وحده المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله حسم هذا الأمر واعتمد التقويم الفلكي في هذا المجال، وكذلك بعض الدول الأوروبية ،بحيث يتم الإعلان عن أول أيام عيد الفطر أو أول أيام شهر رمضان قبل فترة محددة من دون إنتظار الرؤية في التاسع والعشرين من الشهر القمري – الهجري.

      والحكم الشرعي الإسلامي في هذا المجال يستند الى قول رسول الله النبي محمد(ص): “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا».وحيث أن فقهاء المسلمين يلتزمون قول الرسول حول الرؤية ،لكنهم يختلفون حول طبيعتها ،هل هي بالعين المجردة أم بالأجهزة الحديثة أم بالتقويم الفلكي الذي تطور بفعل التقدم العلمي .

والواضح أن التقويم الفلكي قادر على تحديد ولادة الهلال للأشهر القمرية مسبقا ،وعلى مدى مائة عام ،مع اختلاف الولادة في كل دولة وفقا لكروية الأرض.ويستطيع أي كان مثلا الحصول على هذا التقويم من وكالة “ناسا” الفضائية وغيرها بكل سهولة.

بداية رمضان هذا العام

هذا العام اختلفت بعض دول العالم الإسلامي في إعلان بداية شهر رمضان المبارك ،ما تسبب في حالة من الجدل، حيث قامت بلدان مثل السعودية وقطر والإمارات ومصر بإعلان الجمعة 29 شعبان 1443هـ (الموافق الأول من أبريل/نيسان 2022) هو آخر الشهر العربي، وكان السبت أول أيام الشهر الكريم، في وقت أعلنت كل من عُمان والأردن والمغرب وإيران والمرجعية الشيعية في العراق والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان،  أن بداية رمضان ستكون الأحد وسيتمم شعبان عدته 30 يوما، فهل سيحدث هذا الاختلاف في العيد أيضا؟

 

تحري الهلال

في الشريعة الإسلامية، يخرج المختصون من الهيئات الشرعية للبحث عن هلال رمضان بعد غروب شمس يوم الرؤية، وهو 29 من الشهر الهجري، ويطلب منهم أن يبحثوا عن الهلال الرقيق الذي يتبقى بعد غروب الشمس، ولو كان القمر قد ابتعد كفاية عنها ، فإن رؤيته ممكنة بسهولة، وكلما كان أقرب للشمس كانت رؤيته أصعب.

وفي حالة تحري هلال شهر رمضان الحالي مكث القمر فقط حوالي 17 دقيقة في المتوسط بعد غروب الشمس، ما جعل رؤيته بالعينين المجردتين والتلسكوبات الضوئية صعبة، لكن بعض التلسكوبات الأخرى المزودة بتقنيات حديثة يمكن لها رصد الهلال في هذا الوضع عبر فصل ضوء الشمس عن القمر ثم إظهار الأخير كخيط رمادي رفيع جدا لكنه يظل قابلا للملاحظة.

وهنا تختلف الجهات الدينية المختصة حول مفهوم “الرؤية”. فالبعض يراها تعني العين المجردة، والبعض يراها التلسكوبات الضوئية، والبعض يرى أنها ممكنة بأي طريقة أخرى، بما في ذلك الرؤية عبر الحساب الفلكي الذي يمكن أن يؤكد أو ينفي وجود القمر حتى لو لم نره.

إعلان هلال شوال

في حالة هلال شوال هذا العام (1443) فإن القواعد نفسها تطبق، إذا كانت الدولة قد حددت أول رمضان السبت (الموافق 2 أبريل/نيسان) فإن ذلك يعني أن تحري هلال شوال سيكون بعد غروب يوم السبت 29 رمضان، في دول مثل السعودية والكويت والبحرين واليمن والعراق وسوريا وفلسطين والسودان وليبيا والإمارات ومصر ولبنان(دار الفتوى).

والواضح فلكيا أن لحظة اقتران(إلتقاء) القمر بالشمس ستكون في تمام الساعة 21:28 مساء أي بعد غروب الشمس، ما يعني أنه لن يكون هناك هلال لرؤيته. وبالتالي، فإن هذه الدول بشكل مؤكد ستعلن تعذر رؤية هلال شوال، وأن رمضان هذا العام سيتم 30 يوما، وسيبدأ العيد يوم الاثنين أول شوال 1443هـ (الموافق 2 مايو/أيار).

ثبوت هلال شوال بالمغرب والأردن وعُمان

على الجانب الآخر، فإن بعض الدول التي اعتبرت أن أول رمضان 1443هـ هو يوم الأحد الموافق 3 أبريل/نيسان 2022 ستخرج لتحري هلال شوال مساء الأحد الموافق أول مايو/أيار، وفي هذه الحالة -بحسب بيان أصدره مركز الفلك الدولي- فإن غالبية الدول ستتمكن من رؤية القمر وإعلان ثبوت هلال شوال، والسبب في ذلك أن القمر سيبقى لوقت طويل نسبيا بعد غروب الشمس.

على سبيل المثال، عند رؤية هلال شوال في المغرب، فإنه من المتوقع أن يبقى الهلال بعد غروب الشمس لمدة حوالي 49 دقيقة، وبالتالي فإنه سيرى بسهولة بالتلسكوب، بل ويمكن أن يرى بصعوبة بالعينين المجردتين، لذلك من المرجح أن تعلن المملكة المغربية ثبوت هلال شوال، وبالتالي سيبدأ العيد يوم الاثنين.

نفس الأمر سيحدث في سلطنة عمان والأردن،حيث يبقى القمر أكثر من نصف ساعة بعد غروب الشمس، وبالتالي سيكون من الممكن رصده بالتلسكوب بسهولة، لذلك من المرجح أن تعلن كل منهما ثبوت هلال شوال، وبالتالي سيبدأ العيد يوم الاثنين.

الخلاصة إذن أنه من المرجح بقوة أن تتفق كل دول العالم العربي هذا العام حول موعد غرة شوال، على الرغم من الاختلاف السابق فيما بينها حول بداية رمضان.

إيران والشيعة في العالم

بالنسبة الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية والطائفة الشيعية في لبنان والعراق والعالم ( مقلدو المرجع السيد علي السيستاني) فإن تحري الهلال سيكون مساء الأحد في الأول من أيار ،وعلى أساس هذه العملية سيتم تحديد أول أيام العيد ،فإما أن يكون يوم الإثنين في الثاني من أيار فتكون عدة شهر رمضان 29 يوما ،أو يُعلن إكتمال العدة بثلاثين يوما ،فيكون أول أيام العيد الثلاثاء في 3 أيار.

أما مقلدو المرجع السيد فضل الله فقد حسموا أمرهم سلفا بعدما أعلن المكتب الشرعي للسيد منذ أسبوع أن يوم الإثنين 2 أيار هو أول أيام العيد استنادا الى التقويم الفلكي.

 

رؤية هلال شوال في تركيا وأوروبا

أما في تركيا وبعض الدول الأوروبية، فإن الأمر يختلف تماما عن دول العالم العربي، حيث يعتمد مبدأ ثبوت الشهر الهجري بالحساب الفلكي فقط ولا حاجة لتدخل الرؤية، فهو يغني عنها كونه أدق كطريقة لأداء نفس المهمة، ويحمل نفس المعنى المعرفي، ولذلك أعلنت تركيا مبكرا أن عيد الفطر لهذا العام 1443هـ وأول شهر شوال يكون موافقا 2 مايو/أيار.

وتشير الحسابات الفلكية إلى أن القمر يوم 29 رمضان سيكون أسفل الأفق الغربي قبل غروب الشمس أصلا، ما يعني أن جزءا من رمضان بالفعل قد دخل في اليوم التالي، ولذلك فإن شهر رمضان المبارك هذا العام في تركيا سيكون 30 يوما، وسيكون عيد الفطر موافقا ليوم 2 مايو/أيار، بالاتفاق مع غالبية الدول العربية.

وبشكل عام، فإن مركز الفلك الدولي كان قد أعلن أن منظومة رؤية الهلال هذا العام تعني أنه من المتوقع أن تعلن غالبية الدول التي ستتحرى الهلال يوم الأحد أن عدة رمضان 29 يوما وأن يوم الاثنين هو عيد الفطر السعيد، في حين أنه من المتوقع أن يكون العيد يوم الثلاثاء في كل من الهند وبنغلاديش وباكستان.

 

 في الخلاصة

 لا يوجد صواب أو خطأ في إعلان نتائج تحري الأهلة، وإنما فقط هناك وجهات نظر مختلفة حول ما تعنيه الرؤية. وبشكل عام فإن علم الفلك لا يحدد ما تعنيه الرؤية، وإنما يقدم البيانات المناسبة إلى أهل الاختصاص الشرعي.

لكن هذا الجدل كان قد أثار انتباه بعض المختصين من الهيئات الشرعية والفلكيين الشرعيين وطالبوا بوجوب أن يتفق المسلمون في الدول العربية، والعالم كله، حول آلية واحدة لتحري الأهلة مما يثبت موعد بدايات الشهور الهجرية، إلا أن هذه الدعوات لا تمتلك إلى الآن دعما كافيا لتحقيقها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى