حسان محمد حسان راحلا: صورة لبنان الحقيقية في الاغتراب
السفير عفيف أيوب
انفطر الفؤاد واحتبست الدموع في المآقي لغياب الأخ الكبير والصديق العزيز الأستاذ حسّان محمد حسّان بعد حياة حافلة بالوطنية والعطاء والمحبة والعنفوان والطيبة والحسّ الإنساني العميق. كان الأستاذ حسّان أحد أعمدة الاغتراب اللبناني في أفريقيا أولاً ومن ثم في دول الخليج العربية حيث توزّعت أعماله ومؤسساته مع إخوته بين الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر وسلطنة عُمان إضافة إلى لبنان.
والأستاذ حسّان هو إبن بلدة بشامون العريقة التي تُمثّل عنوان النضال في سبيل استقلال لبنان. تعرّفت إليه في دبي عام 1988 عندما عُيّنت قنصلاً عاماً للبنان في دبي. واستمرت الصداقة والأخوة بيننا منذ ذلك الحين ولم ينقطع التواصل حتى الأمس القريب. فهو كان دائم الحضور في كل مناسبة وطنية أو دينية أو اجتماعية. وكانت له مساهماته الفكرية والأدبية وأصدر دواوين شعر فاضت فيها مشاعره الإنسانية الصادقة ومحبته لعائلته وأصدقائه ووطنه.
لم تكن حياة الأستاذ حسّان كلها دروباً تحفّ بها الأزهار والورود، بل شهدت في بعض مراحلها تجارب صعبة. لكنه لم يسمح لتلك الظروف المؤلمة أن تنال من عزيمته وأن تحيد به عن خصاله الأصيلة المتجذرة في وجدانه. بشاشة وجهه وكلماته الودودة وسعة صدره لم تفارقه حتى في أصعب الأوقات. كان نعم الرجل الذي غالب الشدائد وانتصر عليها بصبره وحكمته وتفاؤله وعمق إيمانه.
أثبت الأستاذ حسّان أنه خير مثال للبناني المغترب المعطاء الذي وضع حب وطنه نبراساً يضيء طريقه، وعبّر عن امتنانه وتقديره للبلد المضيف الذي استقر فيه من خلال إخلاصه في العمل واحترامه للقوانين وصدقه في التعامل مع مواطنيه.
لقد أفسح الأستاذ حسّان وأشقاؤه جهاد ومهاب وعصمت المجال أمام المئات من اللبنانيين للعمل في مؤسساتهم المختلفة. وساعدوا من دون منّة، وبتكتّم، كل ذي حاجة من أبناء الجالية اللبنانية. ونظّموا المناسبات الاجتماعية والوطنية التي تجمع اللبنانيين وتقرّبهم إلى بلدهم. وقبل أعوام قليلة، قام الأخوة حسّان بتغطية تكاليف ترميم وتأهيل "بيت الاستقلال" في بشامون، وافتتحوا فيه متحفاً يحكي قصة استقلال لبنان. والأخوة حسّان، وعلى رأسهم كبيرهم الفقيد الراحل، هم أنموذج حيّ لصورة لبنان الحقيقية التي يبنيها مواطنوه في الاغتراب الذين يعملون بجد وإخلاص، فيكونون قدوةً يتطلّع إليها اللبنانيون في داخل لبنان وخارجه.
رحم الله حسّان حسّان، فهو شخصية عظيمة من بلاد الأرز، ومثال أعلى نحتذي بخصاله ومآثره التي نتمنى أن تتعرّف إليها وتتعلّم منها الأجيال الشابة في لبنان والمغترب.
إلى جنان الخلد أيها الأخ والصديق العزيز الذي لن تغيب ذكراه ومآثره مهما طال الزمن.
• إنتقل الفقيد الغالي حسّان محمد حسّان إلى جوار ربه يوم الثلاثاء الواقع فيه 31 آذار 2020. وهذه الكلمة هي تحية إكبار إلى روحه الطاهرة ونفسه الأبية السّموحة المُحبّة المخلصة الكريمة المعطاءة والنبيلة. وهي كذلك تحية تقدير لكل مغترب لبناني ناضل وكافح وتحمّل صعاباً وتحدّيات جمّة ليبني مستقبلاً له ولعائلته وليُسهم في خدمة أبناء بلده وليرفع إسم لبنان عالياً أينما حلّ في هذا العالم الواسع، مكتنزاً في نفسه وعقله وقلبه محبته العميقة وعاطفته الصادقة تجاه وطنه برغم المسافات التي تفصله عن لبنان.