رأي

انسحاب الحريرية من الانتخابات غياب للاعتدال وبروز للأصولية السنيّة(غازي طعمة)

كتب غازي طعمة: 

يقال إن إصرار سعد الحريري على الخروج من الحياة السياسية اللبنانية، وانهيار ما يسمى بالحريرية السياسية، يبدو بضغط وقرار سعودي، لإعطاء الفرص لفعاليات سياسية سنية أخرى يمكن التعاون معها ودعمها بكل الاشكال، مالياً واقتصادياً وإنسانياً وسياسياً. وليس صحيحاً أن الدعم السعودي في لبنان يختصر بالقوات اللبنانية والتخلي عن المكون السني في هذا المجال. فالسعودية تعمل على استقطاب المكونات السياسية المؤثرة في الساحة السياسية اللبنانية، بمعزل عن هويتها الطائفية. 

وتؤكد الوقائع والمعلومات المتوفرة داخل الطائفة السنية وخارجها أن غياب الحريري وتياره المستقبلي يمثل غياب الاعتدال السني منذ تأسيس هذا التيار طيلة ثلاثين سنة من الحياة السياسية، منذ قيامه على يد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو الذي كان يجمع داخل التيار  شخصيات عابرة للطوائف، مسيحية وغيرها، انتماءً وتمثيلاً.

هذا الاعتدال السني الذي سيغيب مع غياب تيار المستقبل من الحياة السياسية اللبنانية، من نتائجه الحتمية بروز الأصولية السنية التي ستنطلق في معظم المناطق اللبنانية كتعبير عن الغضب والسخط السياسي الذي وصل إليه حال الطائفة السنية. وهذا الغضب  سينطلق من عكار، ويصل  إلى طرابلس والبقاع وبيروت وصيدا والشوف.

 فالتداعيات السياسية كبيرة، وسوف تلقى هذه التداعيات احتضان بعض دول الإقليم التي لا مجال لذكرها الآن وتحليل الأسباب. 

تؤكد المصادر القريبة من بيت الوسط أن خلافات برزت داخل التيار لمنع انهياره سياسياً إثر إعلان الحريري انسحابه من الحياة السياسية وعدم خوضه وتياره الانتخابات النيابية المقبلة. والبعض يعتبر هذا الإنسحاب نهاية سيئة للحريرية السياسية التي هي ملك للطائفة السنية وغيرها من الطوائف الأخرى التي انخرطت معها منذ ايام الشهيد رفيق الحريري، في مشروع لم يكن طائفياً، وإنما عابر للطوائف. 

العاملون في الساحة الانتخابية اللبنانية يؤكدون أن الأيام المقبلة ستوضح أن وجود تيار المستقبل الفاعل في الانتخابات من شأنه تفعيل الوقائع السياسية مع بداية التغيير المطلوب في البنية التمثيلية للكتل داخل مجلس النواب الجديد والانتخابات الرئاسية الآتية، والتي ستشهد احداثاً وصراعات لا هوادة فيها داخل الطائفة المارونية وزعمائها الطامحين إلى كرسي بعبدا. 

ومن هذا المنطلق، لا بد من وجود التمثيل السني الوازن باعتداله وتفاعله الوطني مع الطوائف الأخرى، لتخفيف هذه الصراعات داخل الطائفة المارونية وصراعها على كرسي الرئاسة.

 وتقول مصادر سياسية مطلعة أن دوراُ كبيراً ،مطلوب من الرئيس نبيه بري، بالضغط الوطني على الرئيس سعد الحريري لإقناعه بتغيير موقفه،  من ضمن استراتيجية مستقبلية واضحة، وعدم أقدامه على الانسحاب وتياره من الحياة السياسية اللبنانية الذي سيشكل خللاً كبيراً في المشهد السياسي اللبناني، سيمتد إلى الطوائف الأخرى. فالحريري هو الجامع للطائفة السنية، زعامةً وممارسةً. وليس من حقه ضرب البنية السياسية لهذه الطائفة والاعتدال الذي تمثله، وتحويلها إلى اصوليات متفرقة في مختلف المناطق اللبنانية. 

وتؤكد بعض الشخصيات داخل الطائفة السنية أنه ليس من حق الرئيس الحريري إلغاء دور الطائفة الفاعل في المشهد السياسي اللبناني، خاصة أن الواقع السياسي اللبناني المستقبلي يتطلب وجود الدور الوطني الحقيقي للطائفة السنية وتعاونها وتحالفها المطلوب مع الطوائف والمذاهب الأخرى، تحصيناً للساحة السياسية، ودعماً للسلم الأهلي المطلوب والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. 

وامام هذه الوقائع السياسية الصادمة، يتوقع المواطنون وأنصار تيار المستقبل أن يتحرك بعض الزعماء السياسيين الفاعلين في الساحة السياسية والحلفاء القدامى للتيار، وفي مقدمتهم كما ذكرنا الرئيس نبيه بري، الذي يمتلك الرؤية الوطنية الواضحة التي تمكنه من إقناع الحريري بالعدول عن قراره السياسي، والاتفاق معه على دعم متبادل للفترة القادمة، انتخابياً وعملاً سياسياً على مستوى مجلس النواب وتشكيل الحكومة القادمة للوصول إلى الانتخابات الرئاسية.

 

وتؤكد مصادر أن موقف الرئيس بري المطلوب ليس الوحيد في الساحة السياسية، وهو الذي يتناغم ويتعاون في هذا المجال مع تحرك  وليد جنبلاط   لإقناع الحريري بالاستمرار في التحرك السياسي والعدول عن قراره، لان وجوده ضرورة وطنية في هذه الأيام التي يمر بها لبنان. وتؤكد المصادر السياسية أن تحرك الرئيس بري ورئيس الحزب التقدمي  الاشتراكي وليد جنبلاط وبعض الشخصيات الوازنة والمؤثرة داخل الطائفة السنية وتيار المستقبل، في حال نجاحه في إقناع الحريري بالعدول عن قراره بالانسحاب وتياره من الحياة السياسية اللبنانية، سوف يؤدي إلى بروز  تحالف سياسي انتخابي، يضم تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وبعض النواب المستقلين في المناطق اللبنانية، لتأمين المطلوب في البرلمان المقبل، دعماً للتغيير الذي يطلبه المواطنون. ومن شأن هذا التحالف أن يمثل ضرورة وطنية لتخفيف الصراعات الحزبية الداخلية والتي لا تؤدي إلا إلى الانهيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى