سياسةصحفمحليات لبنانية

قطر إلى الصدارة من جديد: الوساطة المطلوبة… سلماً وحرباً

 

الحوارنيوز – صحافة

 

تحت هذتا العنوان كتب حسين ابراهيم في الأخبار يقول:

 

أظهرت الحرب الحالية الدائرة في غزة، أهمّية موقع قطر كوسيط، ولا سيما في موضوع الأسرى والرهائن، وهو من أكثر المسائل حساسية التي قد تتوقّف عليها نتيجة الحرب، رغم أن تلك الوساطة لم تحقّق، بعد، تقدّماً ملحوظاً. أهمية الموقع، لا تبرّرها إلّا دقة الصراع نفسه، وتعقيداته، وما يمكن أن ينتج منه من تبعات كبيرة على مستقبل نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ووجود إسرائيل نفسه. ولذا، لا تملك لا الأولى ولا الثانية ترف أن تفرضا شيئاً على الدوحة، أقلّه في حمأة المعركة، حتى لو جرت محاولات إسرائيلية للتأثير عبر استهداف أفراد طواقم قناة «الجزيرة» أو عائلاتهم بالنيران، وسُجّلت مطالبات أميركية بـ«خفض صوت» القناة. ببساطة شديدة، يحتاج الطرفان الأميركي والإسرائيلي، في صراع ينطوي على هذا الكمّ من المخاطر عليهما، إلى مُفاوض يستطيع الحديث مع الأعداء. وذلك، بالتعريف، يَفترض أن تكون قطر كما هي، لا كما تريدها الولايات المتحدة وإسرائيل، أي ذات دور إجمالي مقبول من الأخيرتَين، مع التغاضي عمّا لا يعجبهما.

 

ورغم أن قطر ينطبق عليها ما ينطبق على جيرانها الخليجيين، لناحية الحاجة إلى حماية أجنبية، أميركية وغربية، ولكن لا يمكن مقارنتها بدول كالسعودية والإمارات والبحرين، التي إمّا تنحاز بشكل شبه علني إلى إسرائيل، وإمّا تحاول إمساك العصا من الوسط، والذي يعني، بشكل أو بآخر، نوعاً من الوقوف إلى جانب العدو. في حالة قطر، لا تكفي الحماية الأميركية لتبرير الدور، فمن مستلزمات الموقع، الحصول على شرعية لا تُكتسب إلّا من الفريق المعادي للولايات المتحدة وإسرائيل والمفاوض لهما بصورة غير مباشرة في الوقت نفسه. وهذا الفريق لا يمانع توفير تلك الشرعية أيضاً، نظراً إلى حاجته إلى مفاوض من جهة، وانطلاقاً من الافتراض بأن قطر أقرب إليه بحكم الانتماء الطبيعي من جهة أخرى، كونها في النتيجة دولة عربية، تعني شعبَها القضايا العربية، وما تفعله نوع من الاستجابة لهذه القضايا والتناغم مع مطالب الشعب. وإذا جاز الحديث عن إمكانات توظّفها قطر لحيازة الدور المذكور، يمكن الحديث عن أربعة أمور رئيسية، هي قاعدة العُديد، أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، والسياسة تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي وانعكاسها على العلاقة مع حركات المقاومة والدول المهمّة في الإقليم ولا سيما إيران، والذراع المالية الطويلة، وقناة «الجزيرة».

أولاً: العُديد هي أهمّ ما في جعبة الدوحة، فهي التي توفّر حصانة للحكم القطري، حتى في وجه رئيس الولايات المتحدة إذا ما قضت مصلحته الشخصية أو الحزبية، بغير ما هو في مصلحة الأمن القومي الأميركي، كما تراها الدولة، لا الإدارة. لكن التهديد الأكبر الذي يشعر به شيوخ الخليج، وقطر ليست استثناءً، يأتي من «الإخوة الكبار» على الحدود، وهو تهديد قديم يعود إلى زمن نشوء الأُسر الحاكمة، وصراعات القبائل على المراعي والمياه، علماً أن قوى الوصاية ترعى هذه النزاعات ولا تحلّها، حتى وإن كانت لم تخترعها. وفي حالة قطر، يأتي التهديد الأول من «الشقيقتَين الكُبريَين»، السعودية والإمارات، لكن أزمة عام 2017 أظهرت بما لا يدع مجالاً لأيّ شكّ، الدور الحاسم للقاعدة في حماية نظام قطر بعدما أوشك جيرانها على الإطاحة به، حين كان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على خلاف مع الدوحة بسبب قضايا مالية تخصّ أسرته، وبدا مستعداً لدعم، أو غير مكترث على الأقلّ، بتلك المحاولة.

ثانياً: أسلوب تعاطي قطر مع الأزمات الكبرى، وأهمّها الصراع العربي – الإسرائيلي، وارتباطه بالقوى الإقليمية الكبرى، مِثل إيران. هنا، لا تشعر طهران، مثلاً، بأنها مضطرّة للتعامل بعدائية مع الدوحة، انطلاقاً ممّا يمكن أن يكون لقاعدة العُديد من دور إذا ما قامت حرب تضع الولايات المتحدة في وجه إيران، رغم أن القواعد الأميركية في الخليج هي الهدف الأول لطهران في حال حدوث مثل هذه الحرب. على العكس من ذلك تماماً، تفضّل الأخيرة الحصول على خدمات قطر في التفاوض. أمّا في ما خصّ استخدام العلاقات المتوازنة إقليمياً في موضوع غزة، فالدوحة تملك علاقة ثابتة مع حركة «حماس»، مثلاً، لكن العلاقة الأكثر تأثيراً في هذا الدور تبقى مع تل أبيب، لأنها هي التي تحدّد الموقع الذي تنطلق منه الدوحة في الوساطة: هل هي وسيط محايد؟ أم ناقل رسائل لا يخلط بين موقف الدولة ومقتضيات التفاوض؟ هنا، ثمّة ملاحظة يجب أخذها في الحسبان، وهي أن قطر لا تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل، فضلاً عن أن ثمّة تململاً أميركياً – إسرائيلياً من استضافة الدوحة قيادة حركة «حماس»، رافقه تسريب أميركي عن اتفاق مع قطر على بحث مصير تلك الاستضافة، وإنّما بعد الحرب لا أثناءها.
ثالثاً: الدور الديبلوماسي القطري ما كان ليكون بهذه الفعالية لولا ذراع مالية طويلة لا تتوافر لكثير من الدول القدرة أو الرغبة في توظيفها. فحلّ الأزمات يحتاج إلى تمويل، والمساعدات للفلسطينيين التي تمرّ عبر إسرائيل، هي أحد أهمّ أوجه توظيف المال. وحتى لو كانت تلك المساعدات مخصّصة لإعادة الإعمار، ولرواتب تدفعها قطر للعائلات الغزّية، إلّا أن تمرير العدو لها ليس منّة، بل هو فرض أجبرته عليه المقاومة. وفي المقابل، ثمّة كلام ورد في الإعلام الإسرائيلي، في مرحلة تقاذف اللوم على عملية «طوفان الأقصى»، عن أن الأموال القطرية أسهمت بشكل كبير في بناء قوة حركة «حماس» في القطاع، ولا سيما شبكة الأنفاق. ومع ذلك، لم يجرؤ أحد في المستوى الرسمي الإسرائيلي، على إثارة هذا الأمر، أقلّه لأنه «يدين» المسؤولين الإسرائيليين بألسنتهم.

أهمية موقع قطر لا تبرّرها إلّا دقة الصراع نفسه، وتعقيداته، وما يمكن أن ينتج منه من تبعات

رابعاً: تُعتبر «الجزيرة» أحد أهمّ الأصول لدى الحكم في قطر، ونجاحها مؤشّر يقيس به نجاحه، بل إن وجودها يرتبط بكلّ مشروع الحكم منذ تأسيسها عام 1996، وهو العام نفسه لإنشاء قاعدة العُديد، والعام التالي للانقلاب غير الدموي الذي قاده الأمير السابق، حمد بن خليفة، على والده. في ذلك العام، بدأت قطر تمارس دورها السياسي الخارجي الذي نعرفه اليوم. هل كان توظيف كلّ هذه الإمكانات، بما فيها «الجزيرة»، مرسوماً بالكامل منذ البداية في إطار دور قطر الموكل إليها من الراعي الأميركي؟ الأرجح أن الولايات المتحدة، في علاقتها الطويلة مع أنظمة الخليج، تعرف تماماً كيفية تحديد المساحات، بين ما يمكنها أن تتدخّل فيه مباشرة، وبين ما يجب عليها أن تتركه لسلطات البلد المعنيّ. وفي خصوص «الجزيرة» تحديداً، فإن قطر قاومت ضغوطاً خارجية هائلة لقفل القناة أو تطويعها، أكبرها حين كان هذا مطلباً أساسياً من بين المطالب التي قدّمتها الدول التي قاطعتها. وإذا كانت أنظمة الخليج لا تحبّ «الجزيرة» على طول الخطّ، فإن باقي القوى الإقليمية والعالمية استفادت منها في مراحل وتضرّرت في أخرى، فيما الولايات المتحدة نفسها ربحت من تغطيتها حربَي سوريا وأوكرانيا. ثمّ إن «الجزيرة» جزء من الماكينة الإعلامية التي تصبّ في مجمل ناتجها، في مصلحة الحلف الأميركي في العالم، وهي واحدة من أولى القنوات العربية التي استضافت مسؤولين ومحلّلين إسرائيليين، وتسمّي الأراضي التي تحتلّها إسرائيل منذ عام 1948 بـ«الأراضي الإسرائيلية». لكن التعامل بين القناة والاحتلال مسألة حسّاسة بالنسبة إلى الأخير أيضاً، ولعلّ أحد الأمثلة على ذلك، إعلان تل أبيب تخلّيها عن قرار إغلاق مكاتب القناة لاعتبارات «أمنية وإستراتيجية» بسبب ما وصفته بدور قطر الحاسم في المفاوضات بشأن الأسرى. إذ ذكر موقع «واينت» الإسرائيلي أن «قطر تعتبر القناة من الأصول الحسّاسة في هذه العملية، والسلطات الإسرائيلية تعتقد بأن إغلاقها سيؤثّر سلباً في المفاوضات. »

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى