العالم العربيسياسة

الموقف العربي الرسمي و موقف العراق تجاه التطبيع الإماراتي -الاسرائيلي: اخطاء ومخاطر استراتيجية

 


د. جواد الهنداوي *
                    
تاريخ وواقع تعامل اسرائيل مع الدول العربية أثبتَا و برهنا لاسرائيل وللعالم ولنا ايضاً حقيقة  مفادها هذه المعادلة : تمادي اسرائيل في التعدي على حقوق الفلسطينيين و العرب ، واحتلالها المزيد من أراضيهم ، والتوسّع على حساب جغرافيتهم ، و رفضها مبادراتهم ،أفعال تدفع  السلطة الفلسطينية و بعض الحكومات العربية الى الاستسلام و التنازل عن حقوقهم و ثوابتهم لصالح اسرائيل .
يمضي هذا البعض من الدول العربية في المسار الاستراتيجي المرسوم من قبل الصهيونية  وواجهاتها الدولية ( امريكا  واسرائيل ) ، وهو ذات المسار الذي مضتْ فيه وخسرتْ  وندمتْ السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو ،في تسعينيات القرن الماضي .
بعض الدول العربية ايدتْ  ودعمت قرار التطبيع الإماراتي -الاسرائيلي ، و منها مَنْ اكتفى بالقول إنَّ " قرار الامارات قرار سيادي و لا نريد التدخل "، وهذا ما صّرَحَ به السيد الكاظمي ،رئيس وزراء جمهورية العراق لصحيفة واشنطن بوست ، خلال زيارته في ٢٠٢٠/٨/٢٠ ،الى الولايات المتحدة الامريكية ، وحسبما نشرته جريدة رأي اليوم الإلكترونية بتاريخ ٢٠٢٠/٨/٢٣.  تصريح السيد الكاظمي كان متطابقاً لتصريح المستشار السياسي في الديوان الملكي السعودي ، و فحواه  أنَّ " القرار الإماراتي قرار سيادي ، و لا نريد التدخل " . ( جريدة رأي اليوم ، ذات المصدر المذكور اعلاه ) .
هذه المواقف العربية المؤيدة  والداعمة او التي ترى أنَّ التطبيع الإماراتي الاسرائيلي هو قرار احادي و سيادي ،تتجاهل تاريخ  ومواقف وقرارات تخص الصراع العربي الاسرائيلي ، وسبب الصراع  ليس فقط احتلال فلسطين او جرائم اسرائيل ، وانّما ايدلوجيتها العنصرية و التوسعيّة و العدائية تجاه العرب دولاً وشعوباً وديناً  وتاريخاً وقيمًا.
هذه مواقف لا تُدرك بُعد  وحجم اخطار بنيويّة و وجودية في المستقبل ، ومصدرها فتح الحدود و الأبواب لتغلغل ولهيمنة اسرائيل و أدواتها وطُرقها في تأجيج الفتن و الصراعات ،  وخاصة ، في الدول ذات القوميات والطوائف المتنوعة والمتعددة كالعراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية واليمن .
هذه مواقف تشجيعية و تمهيديّة لمسار التطبيع.لايزال العراق في حالة حرب مع اسرائيل ، و لا تزال اسرائيل في حالة حرب مع العراق ومُستهدفْ من قبلها في الحاضر و في المستقبل ،  والموقف القانوني والسياسي للعراق تجاه اسرائيل ثابت و واضح ،  فهو كيان مُحتلْ غير شرعي ، و التعبير عن موقف العراق تجاه ايّ علاقة اسرائيلية عربية او دولية ينبغي ان يكون في هذا الإطار ، ايّ في إطار مصلحة و رؤية العراق ،لا في إطار مصلحة او رؤية أطراف العلاقة .
  كان يمكن للعراق ان يصرّح بموقفه تجاه اسرائيل، او يعبّر عن عدم ترحيبه بقرار التطبيع إنْ كانت الادانة التي يستحقها القرار تُشكّل حرجاً !
تغيّر العرب أيجاباً ( كحكومات  وكدول ) تجاه اسرائيل، ولكن تغيّرت اسرائيل سلباً تجاههم وتجاه شعوبهم.  وكُلّما كَبُرت اسرائيل وازدادت بطشاً و غطرسة ، تنازلوا لها  واقتربوا علناً منها، وتودّدوا اليها.
ما نشهده ليس تطبيعا وانماّ تركيع، لانه دون مقابل و دون مبرر : ليس هو اتفاق لفك اشتباك او فصل قوات بين الامارات  واسرائيل، حتى نسّميه باتفاق سلام.
تمضي بعض الدول العربية في مسار التطبيع، وهي و العرب ( شعوباً ودولاً ) في حالة ضعف و هوان . وتغتنم  امريكا  واسرائيل حالة ضعف  العرب في ابتزازهم و استغلال وسرقة مواردهم وانتهاك سيادتهم ، و تستغل دول إقليمية حالة الضعف و الهوان في تمّدد نفوذها في البلدان العربية، واحتلال جزء من أراضيها، وذرائع هذه الدول الإقليمية هو الدفاع عن أمنها القومي.
التطبيع سيجعل الحضور الاسرائيلي في بلدان ودول العرب علنيا ورسميا، ولكن سيبقى حالة شاذة و مستهجنة من الشعوب العربية. ستكون دولنا ، بتخلفها وبضعفها، عُرضة للإرتهان بأدوار دول إقليمية تحيط بنا ( ايران و تركيا )  وبكيان مُحتلْ ( اسرائيل )، و لا نستغرب، في المستقبل القريب، ان تؤول إرادات كل من تركيا  وايران، وارادة الكيان المحتل، الى قبول غير رسمي و غير مقصود على تقاسم ادوارهم والتنافس فيما بينهم، وكلُ حسب ايديولوجيته و سياسته، لضمان مصالحهم.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى