سياسةمحليات لبنانية

اللبناني بين الفقر والوباء


عندما يتكلم الفقراء عن معاناتهم فإن في كلامهم وعي التجربة وصدق المقال، وخصوصاً عندما تكون أسباب فقرهم جلية واضحة تتمثّل في رموز في السياسة والاقتصاد والمال ، والدين أحياناً. وكثيراً ما يكون لهؤلاء الفقراء فضل في إنجاحهم وإعلاء شأنهم وتنصيبهم زعماء ورؤساء وقادة وحكاماً وليس الفقر في بلادنا حالة جديدة حلّت فجأة في أيامنا هذه، لكن انتشاره الآن لم يسبق له مثيل حتى في زمان الحرب الأخيرة واجتياحات الكيان الغاصب. ولسنا في معرض الحديث عن أسباب الفقر وانتشاره، فهي في أعمها الأغلب معروفة ومفهومة ولا تحتاج إلى عظيم جهد لتبيانها، فالضحية تعرف جلادها، والمظلوم يعي حقيقة ظالمه، لكن الأنين في بلادنا يبقى أقوى من صوت مقاومة الجلاد ورفع الظلم.
لقد جاء وباء كورونا ليظهر بشاعة الواقع اللبناني، (وإن تجلى بعض ملامحه قبل ذلك بقليل)، وليكشف بكثير من الوضوح عمق الأزمات المزمنة التي استحكمت في واقع المواطن المظلم، فلم تعد أوهامه مجدية ليتغلب على ضعف طاقته وإمكانيته وموارده الذاتية والعامة، ولم تعد فهلوته وقوة شخصيته ومهاراته الفردية تكفي ليكمل مسيره المزيّف الذي طال أمده دون أن يصل إلى حيث تكمن طموحاته السهلة المتواضعة. لقد وجد نفسه عارياً من تلك الأوهام التي تمدّه بالصبر والعزيمة وإرادة الانطلاق، وكأنه استيقظ من حلم ظنه وردياً ليعي أن ما ينتظره ليس سوى كابوس واقعي يجب مواجهته ومجابهته ضعيفاً خائراً أعزل لا يقوى على شيء.
عندما تُفرض التعبئة العامة على المواطن (ولا نعترض على صحتها) فلا يمكنه أن يعمل، ولا يملك ما يرعى به عائلته لضعف إمكانياته وعدم تأمينه أي قرش أبيض لأن كل أيامه كانت ولمّا تزل سوداء، وإذا ما ملك شيئاً منه فإنه محتجز لدى حيتان البنوك ولصوصها، وعندما يكون مغترباً ويناشد دولته إعادته إلى الأرض التي طُرد منها في يوم من الأيام، يُفرض عليه ثمن لا يملكه، وعندما لا يتصدى لصوص الهيكل من الزعماء والمسؤولين لنجدة من نهبوا أموالهم وأرزاقهم وتعبهم وأحلامهم ولو لسد الرمق، فاعلم أنك في بلد سقط قبل وباء كورونا وقبل ارتفاع الدولار وقبل مجيء حسان دياب وحكومته، وأن لا قيامة له إلا بلقاح ضد وباء السياسة وأهلها ورموزها.

      
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى