دولياتسياسة

الكورونا والظروف العالميّة المؤاتية للتغيير

 

د. سعيد عيسى

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا استعلاء العالم المتقدّم إزاء جائحة الكورونا، علمًا أن لا جديد تحت الشمس في عالم الأوبئة، فما نحن فيه، هو السلالة الثانية لوباء "السارس"، وبناء عليه، يمكن نقد العالم المتقدّم من زاوية النّقص الفادح في تمويل البحث العلمي، الذي لو حصل، لكان أتاح لعالم الطلب أداة فعليّة لإيقافه (الوباء) والقضاء عليه.

النّظر إلى المشكلة بهزالة هو ما جعل معالجتها هزيلة أيضا، وأودى بنا إلى ما نحن فيه، ويمكننا إيجاد نقطة ارتكاز أوّليّة للوباء الحالي في أسواق ووهان Wuhan، وهي أسواق معروفة بقذارتها، تتكدّس فيها الحيوانات الحيّة، في الهواء الطّلق، فوق بعضها البعض، وهي على الأرجح، المكان الذي وجد فيه الفيروس نفسه، في لحظة معيّنة، موجودًا في واحدٍ من الحيوانات، في بيئة شعبيّة كثيفة وظروف بدائيّة للنّظافة. فتتنقّل الفيروس بين الحيوانات المتكدّسة، ومن ثمّ اتّصل، بواحدٍ من النّاس، وأمّا، كيف حدث ذلك؟ فغير معروف، ريثما الدّراسات العلميّة تفكّ اللغز، بعيدِاً عن العنصريّة والابتذال التي تصف الصينيين بآكلي الخفافيش الحيّة.

لم يتوقّع أحد في العالم، أو يتخيّل، ظهور جائحة تجتاح العالم المتقدّم، ما خلا نذر يسير من العلماء المعزولين، فالافتراضات دائما، أنّ ذلك يليق بأفريقيا، أو بالصين والهند وبعض دول جنوب شرق آسيا، أو أميركا الجنوبيّة، لكن ليس الديمقراطيات الغربيّة المتقدّمة، التي فرض عليها ما لا ترغبه، أو ترومه، وهو أن تعلن للملأ، رغم المكابرة، أنّ النّاس متساوية، وأنّ مصالح المجتمع، فوق مصالح الفئات البورجوازيّة، وهي أعلى منها، لا بل سحب هذا المبدأ نفسه على الدول جميعها، متقدّمة أو متأخّرة، غنيّة أو فقيرة، وأنّ مصالح البورجوازية موقوفة اليوم تحت مصالح المجتمع بكلّيته، وحتّم الظّرف الرّاهن على إدارة الدول من خلال دمج مصالح الطّبقات مع بعضها البعض، أكثر عموميّة، من مصالح طبقة بذاتها، وذلك بسبب هذا العدو (الوباء) الذي هو عام بحدّ ذاته.

إنّ الوباء أوجد ظروفًا حقيقيّة للتغيير في العالم، يجب الإفادة منها، ومن الحجر الذي فرضها، لإيجاد شخصيات سياسيّة جديدة، ومشاريع سياسيّة مختلفة إلى حدّ التناقض مع السّائد حاليّا من مشاريع، تجوب العالم طولا وعرضا، عابرة للوطنيّة والأوطان، وإلى نقدٍ قاسٍ لكل منظور سياسيّ ضيّق الأفق، لا يرى سوى في المال روحا، والاستعراض نموذجا، والاستهلاك راحة، ينبغي النّظر إلى حاجات المجتمعات بكلّيتها، وحاجاتها الضروريّة، كالطبابة والاستشفاء، والعيش الكريم، والتّعليم وغيرها من الحاجات، ينبغي النّظر إلى موازنات الدّول بعين مختلفة، هي عين النّاس كلّ النّاس، دونما فرقة أو تفضيل.

وبالمناسبة يجب النّظر إلى وسائل التّواصل الاجتماعي وتفحّصها بعين ثاقبة، وجعلها في خدمة النّاس، والحقائق العلميّة، وليس خادمًا أمينًا لجيوب الأثرياء، ونشر الشّلل الذهني للمتبجحين والظلاميين والفاشيين.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى