سياسةمحليات لبنانية

القضية العاشورائية التي يجب أن تجمع ولا تفرّق!

 

عندما تقع معركة من أجل رفع راية عاشورائية أو نزعها ويقع جرّاءها ضحيتان وعدد من الجرحى، فلا بدّ وأن مكمن الخطأ في من رفع الراية أو من أزالها أو من كليهما. وعلى كل حال فإن الخلل ليس مردّه شعارات عاشوراء الأصيلة ولا موقعة كربلاء ولا الإمام الحسين وقضية عاشوراء الخالدة.
ولا شك فإن هناك نقاطاً مشتركة يتّفق عليها المسلون، سنّة وشيعة، كان الحريّ بهم الالتقاء على كل العناوين الأساسية التي تتميّز بها عاشوراء وينأون عن بعض الخلافات التي قد تكون صغائر عند وجهات المقارنة. منها قدسية الإمام الحسين، فهو سبط النبي (ص) وابن علي وفاطمة (ع)، وآيات القرآن وأحاديث النبي تنقل الكثير عن موقعه وفضله وعظيم شأنه. كما اتفق الغالبية العظمى (ما خلا أقلية قليلة) على تحقير يزيد بن معاوية وما يشوب شخصيته من نقائص، وأنه قتل الحسين وآله وأصحابه ظلماً في موقعة كربلاء.
فالحسين ثار على يزيد لأنه أراد الإصلاح في أمة جده، وليس دفاعاً عن طائفة من المسلمين ضد أخرى أو مذهب دون آخر. كما أن يزيد وأنصاره لم يمثّلوا فئة معينة من المسلمين، كانت من السنة، سعت للقضاء على فئة أخرى، كانت من الشيعة، ولا يوجد في عصرنا هذا من ينتصر ليزيد وجنده ضد من ينتصرون للحسين وأنصاره.
إن كل حركة أو ممارسة لشعيرة تصب في خانة ذكرى عاشوراء يجب ألا تحمل العداوة أو البغضاء أو التحدي لأي فريق مسلم أو غير مسلم، وإلا فإنها لن تكون حاملة شرف تمثيل الإمام الحسين وعاشوراء. وكل من يعتبر أن إحياء ذكرى عاشوراء بالشكل الصحيح والمطلوب هي حركة استفزازية له ولجماعته وطائفته فإنه بعيد كل البعد عن الحسين وثورته. 
ولا يمكن أن نغفل أن هناك بعض الممارسات البعيدة عن شعائر عاشوراء ورمزيتها العظيمة، وقد بدأت تأخذ لها حيّزاً واسعاً بسبب مرور الزمان عليها فأضحت وكأنها جزء مقدّس لا غنى عنها في وجدان الكثير من الناس، وقد دعا الكثير من المراجع والعلماء إلى نبذها وشجبها والتخلي عنها لأنها تسيء إلى أصحاب الذكرى كما إلى المذهب نفسه، كالتطبير والضرب بالسلاسل والمشي على الجمر وغيرها من الممارسات القديمة والمتجددة التي هي ليست من الإسلام في شيء. ولقد كان لها الأثر السلبي الكبير في ابتعاد المسلمين، ومنهم الكثير من الشيعة، عن قدسية هذه المناسبة العظيمة الخالدة التي كان لها الفضل في بقاء الإسلام إلى يومنا هذا، وسيبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
يجب أن تجمع هذه الذكرى ولا تفرّق، لأن عناصر القوة فيها إسلامية وإنسانية ووجدانية، فالحسين حارب من أجل الإسلام والإنسان والحرية والنضال والمحبة والعطاء. وعندما يبرز رجل الدين على منبره ليتناول ذكرى عاشوراء فإن عليه حمل هذه القيم برنامجاً في خطبته، وشعاراً في حملته، ونداءً في صرخته، لا أن يثير القضايا الخلافية ونبش قبور الماضي لإحيائها فتكون وسيلة للتفرّق والتمزّق والتشتت، في زمن أصبح الإسلام غريباً، والمسلمون متخلفين جاهلين ظلاميين.
على مسلمي السنة الاقتراب أكثر من قضية عاشوراء لأنها تمثّل أساساً شامخاً من أسس الدين العظيم، وعلى مسلمي الشيعة عدم الاستغراق في ثنايا غريبة بعيدة عن شعائر عاشوراء وذكراها العظيمة، فإن لهذا الحدث التاريخي الذي مضى عليه أكثر من ثلاثة عشر قرناً وقعاً لا تمحو آثاره السنون البعيدة، ولا تطفئ شعلته حركات الأزمنة الطويلة. هذا الحدث يجب أن يكون المحفّز الأكبر لتلاقي المسلمين وتوحّدهم وانطلاقهم في بركاته العظيمة، أما عندما تقع بعض الممارسات التي تحدث هنا وهناك، من هذا الطرف أو ذاك، بسبب أو من دونه فعلينا أن نعلم أن في القضية ما يريبها وأن وراء الأكمة ما وراءها، وأن عاشوراء ووحيها لم يصل إلى وجدان المسلمين كما يجب أن يصل.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى