سياسةمحليات لبنانية

الحكومة تسقط بالضربة القاضية

 


د. ماري ناصيف الدبس*
يوم أعلن رئيس الجمهورية تكليف الدكتور حسان دياب تشكيل الحكومة، مؤذنا بذلك إغلاق بازار الأسماء الكثيرة التي طرحت في السر وعلى الملء، استبشر غيرنا من الناس خيرا كون الاسم – برأيهم – لا يمت بصلة لنادي رؤساء الحكومة في لبنان، ويمكن بالتالي أن ينتشل لبنان من المحنة التي وضعته فيها الطبقة الحاكمة منذ ما بعد الحرب الأهلية، بعد أن عاثت في الأرض فسادا ما بعده فساد. وقد وصل التفاؤل بالبعض من هؤلاء إلى درجة تصديق التصريحات الأولى لرئيس الحكومة، بعد تكليفه مباشرة، من أنه أتى ليمثل انتفاضة السابع عشر من تشرين 2019، وهو سيرفع مطالبها ويجعل منها برنامجا لحكومته العتيدة.
لم يكتف هؤلاء، ومنهم الكثير من الأصدقاء، بمحاولة إشاعة أجواء التفاؤل التي أشرنا إليها، بل إنهم طلبوا منا إعطاء فرصة "المئة يوم" لمن طلبها، وزجرونا عندما قلنا أن الأمر لن يتعدى اللعب في الوقت الضائع وأن حكومة حسان دياب ستنفذ أجندة من أتى بها، وأن رئيسها سرعان ما سيتناسى الوعود التي أطلقها باتجاه إيجاد حلول للأزمة الخانقة تراعي مصلحة الفئات الشعبية لينخرط في المسار المرسوم له من قبل الذين أتوا به ليس إلا.
وللأسف نقول أن الدكتور حسان دياب لم يخيّب أملنا.
فالبيان الوزاري الذي تلاه أمام مجلس النواب أتى، تقريبا، نسخة طبق الأصل عن سياسات أسلافه منذ العام 1992، مع التركيز بشكل خاص على مشروع ماكينزي لإعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني مضافة إليه الورقة المسماة إصلاحية التي طرحها الرئيس سعد الحريري قبيل استقالته والتي تضمنت نقاطا تزيد من حدة الأزمة ومن تفاقم أوضاع ذوي الدخل المحدود، بعد الزيادات المقترحة على الرسوم والضرائب غير المباشرة، إضافة إلى الطرح العلني عن النية في بيع القطاع العام، بدءا بمؤسساته الانتاجية، وعن الالتزام بتوجهات صندوق النقد الدولي و"الدول المانحة" التي اجتمعت في "مؤتمر سيدر" بصورة استثنائية عاجلة لتمكين مكونات النظام اللبناني من تحقيق النجاح في الانتخابات النيابية والاستمرار، بالتالي، في تقاسم خيرات الوطن.
وإذا أردنا أن نعدد مآثر الحكومة في المئة يوم ونيف التي مرّت، مستعينين بمواقف أغلبية الوزراء وما أنتجوه، منذ ما بعد نيل الحكومة الثقة وحتى اليوم، فحدّث ولا حرج… بدءا بالتصريح الأول لوزير المالية الذي نعى فيه الليرة اللبنانية، إلى التخبط في التعاطي مع مصرف لبنان وحاكمه، إلى إحراق الخيم في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، إلى اللعب باقتراحات التعيين المقدمة من مجلس القضاء الأعلى، إلى المعابر والتهريب، والفيول المغشوش، وفلتان الدولار، والبطالة المتزايدة باضطراد، وما يجري على صعيد التعليم في القطاعين العام والخاص، إلى الفضائح المتمثلة في التعيينات الادارية الأخيرة… كل ذلك في ظل جائحة كورونا وما أنتجته من قوانين "التعبئة العامة" والحجر الصحي وقرارات السير… غير أن الخطورة الأساسية فلا تزال تتمثل في استقدام مؤسسة "لازار" والعمل بتوجهاتها، إلى جانب إملاءات صندوق النقد الدولي المتواجد حاليا في ربوعنا والذي يدقق بكل شيء عندنا.
وبينما الجوع يدق الأبواب، وآلاف المؤسسات الانتاجية والتجارية تقفل بوجه العاملين فيها، تلجأ الطبقة المسيطرة، بشقّيها، إلى التلويح بالحرب الأهلية في حال استمر الناس بالدعوة إلى التحرك من أجل إنقاذ البلاد منها. وفي هذا المجال، نود القول إننا لا نعتقد بأن ما جرى في 6 حزيزان 2020 وما ترافق مع التحضير له من قبل الفئتين المتنازعتين على السلطة كان عفويا، بل إنه مدروس ومرسوم بشكل متقن، الأمر الذي يدعونا أكثر من أي وقت مضى إلى رفع شعار الخلاص من الفاسدين والمفسدين المستعدين لإحراق الوطن من أجل البقاء "على الكراسي" المهترئة التي التصقوا بها منذ ثلاثين عاما.
نعم، لقد سقطت حكومة حسان دياب بالضربة القاضية، ضربة الانخراط في نهج سابقاتها من الحكومات التي تعاقبت على امتصاص دم الشعب منذ العام 1990. سقطت بفعل تركيبتها والمشرفين عليها والبرنامج الذي اقرته، وخاصة بفعل القرارات والتدابير العملية التي أشرنا إلى بعضها… سقطت حتى عند الذين دعوا إلى التريث وافساح المجال أمامها لتفيذ ما وعدت به، فإذا بهم يفاجأون بمشاريع الحرب الأهلية.
لذا، وتجاه ما يجري وما يحضّر في الكواليس والغرف المظلمة، لا بد لنا من رفع شعار رحيل هذه الحكومة ومعها كل المكونات السياسية الطائفية، إن كانت في الحكم أم خارجه، والعودة إلى العناوين التي توافقت عليها الحركة الشعبية في انتفاضة السابع عشر من تشرين، والتي لخصناه آنذاك في تشكيل  حكومة تتمتع بصلاحيات تشريعية باتجاهات ثلاثة:
أولها إعادة هيكلة الاقتصاد وتحديد الأولويات الاقتصادية والاجتماعية الانقاذية، مع التركيز على الخروج التدريجي – إنما دون مماطلة – من الاقتصاد الريعي.
وثانيها اتخاذ قرارات مالية وضريبية واضحة وسريعة تتماشى والمرحلة الخطيرة التي تتمثل اليوم في القبض على مددخرات صغار المودعين، مع إعادة جدولة الدين العام وتحميل المصارف (التي جنت الأرباح الطائلة منه) مرحليا مسؤولية إخراج البلاد من المأزق الذي وصلت إليه بفعل الهندسات المالية المطبقة خلال السنوات العشر الماضية…
وثالثها تشكيل هيئة مؤلفة من قضاة مشهود لهم بالنزاهة مهمتها الاسراع في وضع التشريعات الضرورية لمساءلة كل من تعاطى الشأن العام منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي بهدف استعادة الأموال المنهوبة.
مع وجوب أن يترافق ذلك، بالطبع، وقانون انتخابات جديد خارج القيد الطائفي، يعتمد النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة، لإنتاج سلطة تمثل الشعب ولا تعتمد الانقسام الطائفي لاستنساخ نفسها.
*عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني. عضو المجلس الإقتصادي الإجتماعي

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى