العالم العربيسياسة

وعقدنا العزم ان تحيى الجزائر…

              محمد صادق الحسيني

بالامس سقطت المدنية الغربية بنسختها الفرنسية امام ارادة الجزائريين النبلاء الاحرار ، فيما علا جبين اهل الحق حتى السماء وهم يستقبلون بعض رفات انبل البشر…!
تحية تليق ببطولات الشعب الجزائري البطل ، نطلقها لهذا الشعب العظيم ، في الذكرى الثامنه والخمسين لاستقلال الجزائر ، التي تصادف يوم امس ، الخامس من شهر تموز سنة ١٩٦٢ .
تحية إكبار وإجلال لارواح ستة ملايين ونصف المليون شهيد ، من ابناء الشعب الجزائري ، ارتقوا شهداء على ايدي الوحوش الاستعماريه الفرنسيه ، بين عام ١٨٣٠ وحتى استقلال الجزائر عام ١٩٦٢ . بشهداء الجزائر ، الذين حاربوا الاستعمار الفرنسي وتصدوا له ،  والذين لم يكونوا مليوناً ونصف مليون من الشهداء فقط ، وذلك لان هؤلاء هم من استشهدوا خلال الثورة الجزائرية المعاصرة، التي امتدت من سنة ١٩٥٤ وحتى الاستقلال سنة ١٩٦٢. لذلك فلا بد من اضافة خمسة ملايين شهيد جزائري قتلتهم قوات الجيش الاستعماري الفرنسي من العام ١٨٣٠ وحتى العام ١٩٥٤ …!
هذا الجيش الذي كان ولا زال يشكل الاب الروحي لكل من اتى بعده من تنظيمات عسكرية مسلحة ، بدءاً من نظام پول بوت في كمبوديا – المستعمره الفرنسيه السابقه ، حيث قتل تلميذ الجيش الفرنسي هذا ، پول بوت ، ما يزيد على ثلاثة ملايين من الشعب الكمبودي المسالم في سبعينيات القرن الماضي ، وذلك بقطع رؤوسهم ووسائل اخرى .
ولا بد ان الجميع لا زال يذكر جرائم عصابات داعش ، التي ادارها الاستعمار الغربي بكل مكوناته ، والتي مارست سياسة قطع الرؤوس على نطاق واسع ، سواء في سورية او العراق او ليبيا . ولا زالت تقوم بذلك حالياً .
لذا فإن من الضروري جداً وفي يوم استقلال الجزائر واستعادة الدوله الجزائريه ، وجيشها الوطني البطل ، رفات اربعة وعشرين من قادة مقاومة الاحتلال الفرنسي الاوائل ، والذين كان الجيش الفرنسي " الحضاري " قد قطع رؤوسهم وسرقها وذهب بها الى فرنسا ، بعد ان احرق جثثها في الجزائر .
ولا بد هنا من الاشارة الى ان مجموع هذه الجماجم الشهيره ، التي سرقها الجيش الفرنسي ونقلها الى فرنسا ، يبلغ ٥٣٦ جمجمة ، تضعها السلطات الفرنسية في صالات عرض لما يسمى " بمتحف الانسان " في باريس ، منذ ما يزيد على ١٧٠ سنة .
فهل هناك جريمة ضد الانسانية اكثر بشاعةً من هذه الجريمه !؟
الا يجب على العالم كله ان يحاكم كل من تولى السلطة في فرنسا ، منذ بدء استعمارها للجزائر وحتى اليوم ، بتهمة ارتكاب هذه الجرائم بدايةً والسكوت عليها لاحقاً والاستمرار في سرقة رفات هؤلاء المجاهدين الذين لم يقوموا الا بما قام به المواطن الفرنسي ، ابان الاحتلال النازي لفرنسا : مقاومة الاحتلال …؟
علماً ان الاحتلال النازي لم يرتكب مثل هذه الفظائع ، في فرنسا ، كما ان داعش لم يصل الى مستوى هذا الاجرام ، الذي وصل اليه قادة فرنسا السياسيون والعسكريون . هؤلاء القاده الذين قتلوا خمسة واربعين الف مواطن جزائري بتاريخ ٨/٥/١٩٤٥ ، اي يوم استسلام المانيا النازيه وفي يوم واحد ، وذلك خلال المظاهرات التي انطلقت في مدن الجزائر ، للمطالبة برحيل قوات الاحتلال الفرنسيه ، عن ارض الجزائر .
من هنا فإن المطلوب من فرنسا ليس الاعتذار عن فترة استعمارها للجزائر وسرقة ثرواتها وانما المطلوب منها هو التالي :

1. تسليم بقية رفات ( جماجم ) المجاهدين ، البالغ عددهم ٥١٢ مجاهداً ، والذين لا زالت سلطات فرنسا الاستعمارية تحتجزها في هذا المتحف المشؤوم المذكور اعلاه ، والموجود في باريس ، ودون اي تأخير او مماطلة .
2. تشكيل محكمة جرائم دولية لمحاكمة كل من تسلم مسؤولية ، لها علاقة بهذه الجرائم ضد الانسانيه ، في فرنسا من عام ١٨٣٠ وحتى استقلال الجزائر عام ١٩٦٢ .
3. تسليم الأرشيف الوطني الجزائري كاملاً، وغير منقوص وعن طوال فترة الاستعمار ، للدولة الجزائرية ، وذلك لان من حقها استرجاع ما سرقه المستعمرون الفرنسيون ، في محاولة منهم لاخفاء الحقائق وتزوير التاريخ .
4. تقديم فرنسا معلومات كاملة عن جرائمها النوويه ، التي ارتكبتها في الجزائر عام ١٩٦٠/٦١ من القرن الماضي ، وذلك عندما أجرت تجارب نووية عدة في مناطق مأهولة بالسكان من الصحراء الجزائريه ، الامر الذي ادى الى استشهاد الكثيرين ولا زالت تأثيراته متوالية حتى الآن على صحة الانسان والحيوان والبيئه . فعلى حكومة فرنسا ، التي كانت ولا زالت تفكر بعقلية استعماريه ،عليها قبل ان تطالب ترامب بالعودة الى اتفاقية باريس للمناخ ، ان تقدم هي لحكومة الجزائر ، المعلومات الضروريه والكاملة عن تلك التجارب / الجرائم ، كي تتمكن الحكومه الجزائريه من معالجة الكوارث ، التي تسببت بها الحكومات الفرنسية السابقة ، على المناخ وما يتأثر به ، من انسان ونبات وحيوان .
5. ان تقوم فرنسا الحاليّه ، ومن خلال مفاوضات مباشره مع الحكومة الجزائريه ، بدفع تعويضات ماليةٍ كاملة للحكومة الجزائرية عن كل الخسائر ، الماديه والبشريه ، التي تعرض لها الشعب الجزائري ، على امتداد فترة استعمار فرنسا لبلاده ، خاصة وان هذه الجرائم لا تسقط لا بمرور الزمن ولا بتغير الاجيال والحكام .
ألم تفرض فرنسا دفع تعويضات مالية هائلة ، على حكومة المانيا القيصريه ، في اطار اتفاقيات فرساي ؟
واستمرت في قبض هذه التعويضات حتى وصول هتلر الى الحكم في المانيا ، عام ١٩٣٣ ، وتمزيقه لاتفاقيات فرساي ..!
أَلَمْ تَقُمْ الحكومة الاسرائيليه بارغام حكومة المانيا الاتحادية على دفع تعويضات لها ، عما لحق باليهود من ظلم وخسائر بشرية ومادية ، في اوروبا إبّان الحقبة النازية ؟
هذه التعويضات التي لا زالت الحكومه الالمانيه تواصل دفعها حتى اليوم ، وان بأشكال مختلفة عما سبق ، وعلى شكل صفقة غواصات نووية ، من طراز دولفين ، سلمت للكيان في العامين الماضيين وشملت خمس غواصات ، بعد ان دفعت ثمنها الحكومة الالمانيه .
6. في هذا اليوم العظيم ، يوم استقلال الجزائر ، بلد السته ونصف مليون شهيد ، ننحني ، تماماً كما انحنى الرئيس الجزائري يوم أمس ، اثناء مرور نعوش القاده الشهداء امامه ، على ارض مطار هواري بومدين ، في العاصمة الجزائر ، ننحني اجلالاً وإكباراً لارواح هؤلاء الشهداء العائدين الى الوطن ، كما ننحنى تقديراً لتضحيات الجيش الجزائري وقادته السابقين والحاليين وعلى رأسهم القائد الاعلى للقوات المسلحة الجزائريه ، السيد الرئيس عبد الغني تبون ، الذي أصر على مواصلة نضال الجزائر لاستعادة رفات الشهداء الجزائريين من ايدي لصوص الاستعمار الفرنسي واحفادهم .
نبارك للشعب الجزائري هذا الانتصار العظيم ، ذو العمق الانساني اللامتناهي والذي يعبر عن اخلاق واصالة هذا الشعب وصلابته وثباته في مقاومة كل اشكال الهيمنة الاستعماريه ، حفاظاً على استقلاله الوطني وعلى دوره الريادي في العالمين العربي والاقليمي وصولاً الى دوره الدولي ، الذي قاد فلسطين الى منبر الامم المتحده ، سنة ١٩٧٤ ، حيث القى الزعيم الفلسطيني كلمته الشهيره ، ولاول مرة على هذا المنبر الدولي .
الحمد لله انه لا يزال بقية خيرين مناضلين  في هذه الامة لا ينسون اسراهم ولا شهداءهم ممن اعاروا جماجمهم لله.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى