ثقافةكتاب

بديع الزّمان النّورسي وتحدّيات عصره (سلوى فاضل)

 

عرض سلوى فاضل – الحوار نيوز

من هو؟

هو رائد من رواد الإصلاح الديني. قدّم مُساهمة تستحق أن تدّرس. إنّه الكردي التركي المُسلم سعيد النّورسي (1877- 1960) الذي اتخذ لنفسه إسم (بديع الزمان النّورسي) بحجة أن ذلك تواضع منه وليس العكس.

عاش في السنوات الأخيرة من عمر الدولة الإسلامية، أو الخلافة الإسلامية- كما كان يُحب تقي الدين النبهاني (1849-1932) أن يُسميّها.

عاش فترة الحرب العالمية الأولى، تأثر بالشيخ جمال الدين الأفغاني ودوره وبتلميذه محمد عبده. واعتبر أن الغرب سيسعى للانتقام من العالم الإسلامي بسبب هزيمته في معركة اليرموك التي وقعت عام 636 م بين المسلمين والروم. لكن الغرب لم يصمت على هذه الهزيمة فاعتبر اكتشافه لرأس الرجاء الصالح ولخلخلة الدولة العثمانية انتصارا له، بل إنه زرع الكيان الغاصب (إسرائيل) في المنطقة العربية كأكبر انتقام لهزيمته الأولى.

وكان الهدف الغربي يعتمد، بعد القضاء على الدولة الإسلامية، على خلخلة العقيدة عبر نشر العلمانية والثقافة الغربية، لكن حالة النهوض انطلقت من جديد مع انتصار الثورة في إيران وقيام حلف المقاومة في كل من لبنان وفلسطين.

 

كتابنا هذا

 

ففي كتاب الباحث إبراهيم أبو حليوه المُعنون بـ(بديع الزمان النّورسي) الصادر عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” ضمن “سلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي” يتوّزع البحث على 7 فصول، هي: التمهيدي بعنوان  “حول نشأة النّورسي وعصره”. والأول: النّورسي وقضايا الإعجاز. والثاني: النّورسي والمقاصد. الثالث: القضية السياسية في فكر النّورسي. والرابع: القضية الاجتماعية. والفصل الخامس: النّورسي وقضايا التربية. والسادس: آثار النّورسي وتراثه الفكري.

 

جهاده

 

عاصر النّورسي أهم التحولات التي شهدها العالم الإسلامي، في أواخر العصر العثماني، وهو قد جاهد في سبيل بلده، كما أُسر ، وقضى حياته ما بين السجن والنفي والتأليف والكتابة.

عاش في بيئة متدينة في قرية نورس بولاية بتليس في كردستان التركية، وترجمت بعض كتبه إلى العربية، له مؤلفات عديدة منها: اشارات الإعجاز، والمثنوي العربي.

ويفتخر بنسبه إلى الحسن والحسين عليهما السلام. وطمح إلى إقامة “جامعة الزهراء” في كردستان التركية على غرار “جامعة الأزهر الشريف” في مصر. حيث استفزه تصريح وزير المستعمرات البريطانية وليم غلادستون حول القرآن الكريم فغيّر  منهجه في الدعوة إلى تعلم القرآن وعلومه بدل التركيز على العلوم المتنوعة.

كان همّه الاصلاح التعليمي والسياسي، فركز انتقاده للسلطان على التخلّف القائم في البلاد الإسلامية.

وشدد في خطاباته النقدية على مفهوم الحرية في الإسلام، وانتقد التوجه التغريبي التي تدّعيه “حركة الإتحاد والترقي”. وصبّ جلّ جهده على مواجهة الاستعمار الغربي فاصدر بمعيّة لجنة من العلماء فتوىً للجهاد بعد اندلاع الحرب العالميّة. وأسر لدى الروس، وهرب خلال الثورة البلشفية من قيد أسره. اعتقله أتاتورك بعد سقوط الدولة العثمانية. وبعدها اعتزل السياسة وانتقل من مرحلة “سعيد القديم” إلى مرحلة “سعيد الجديد”.

اهتم في المرحلة الجديدة بالعقيدة كثيرا، بعد أن رأى عقم الإسلوب السياسي في ظلّ انعدام الحرية، واتساع موجة الجفاء للدين. لذا ركّز جهوده نحو البناء الإسلامي بإسلوبه الهادىء الذكي، وقد أنجز القسم الأكبر من مؤلفاته “رسائل النور” في المنفى الذي استمر 8 سنوات ونصف. وبعد منع كتبه وسجنه بتهم متعددة تمت طباعة هذه الكتب وانتشرت بعد تبرئته قبيل وفاته بقليل، حيث اعتبر أن مهمته قد أنجزت.

وظلّت السلطات التركية تحاربه حتى بعد وفاته، إذ نقلت رفاته من “أورفة” إلى جهة لا زالت مجهولة حتى اليوم خوفا من تأثيره على مجموعات شبابية.

 

عصر النّورسي

 

عاش النّورسي في القرن التاسع عشر الذي شهد النهضة الغربية والانحدار الإسلامي. ومن نتائج الانحدار الإسلامي كان إلغاء الخلافة الإسلامية، وطرد الخليفة، ومصادرة أمواله، واعلان علمانية الدولة التركية، وتقسيم تركتها على الدول الغربية، وإلغاء كل مظاهر الدين الإسلامي.

ولم يكن النّورسي كما صرّح يرفض أوروبا بشكل مطلق، لكنه كان يُميّز بين أوروبا النافعة للبشرية بما قدّمت للإنسان وما توصلت إليه من صناعة وعلوم وبين أوروبا التي قادت البشرية إلى السفاهة والضلالة.

وقد فصّل الصفات السيئة للمدنية الغربية تفصيلا دقيقا، لكن  هذه الصفات السيئة نراها اليوم متوفرة  أيضا لدى الإنسان المسلم. وقد رأى النورسي أن حضارة الإسلام منحت المسلم العزة والاستغناء والقوة والإيمان والجهاد، عكس الإنسان الغربي الجبار المتمرد والطاغية والساعي لاشباع رغبات النفس والساعي إلى الكماليات الفارغة التي تُغيّب الوعي.

فقد كان النّورسي واعيا لأسس حضارة الإسلام ولأسس حضارة الغرب التي فتن بها أركان السلطة في تركيا.

 

كتاباته

 

أما مؤلفاته فهي: الكلمات، والمكتوبات، واللمعات، والشعاعات، وصيقل الإسلام، وقزل إيجاز، والتعليقات، والسانحات، والمناظرات، والمحكمة العرفية، والخطوات الست. وهي ليست كلها بالحجم نفسه أو بالمستوى نفسه.

 

 

القوميّة

 

رغم انتشار القوميّة في عصر النّورسي إلاّ أنه لم يكن متعصبا لقوميّته، بل كان شديد التأثر بإسلاميته، انطلاقا من رفض الرسول الأكرم للعصبية، وهو يقسم القوميّة إلى قسمين: قسم إيجابي وقسم سلبي. فالسلبي يظهر في النزاعات والحروب والاطماع. أما الإيجابي فنابع من التعاون والتساند والإخوّة وخدمة الإسلام.

وكما حارب التتريك كذلك دعا إلى الوحدة الإسلامية في مواجهة الطورانية، وحثّ على تعليم اللغة العربية التي حاربتها الدولة التركية بكل الوسائل، رغم أنّها لغة القرآن. ووّجه خطابه للأتراك والأكراد معا داعيّا إلى الوحدة باسم الإسلام.

كان مدركا لحجم التحدّي، حيث أدرك أهمية الوحدة لمواجهة الغزو الغربي، عبر نبذ المد القوميّ من خلال الإصلاح، كما دعا بحسب أبو حليوه إلى نبذ المذهبية، خاصة أنّ التنافس بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية مرتفعا، الأمر الذي سهّل السيطرة الغربية على البلاد الإسلامية. وبرأيه من هنا تبرز الحاجة ألى ضبط الخلاف وتنظيمه، الخلاف الذي سبّب الركود والتخلف في بلاد المسلمين. وكان يتكل في كل كتاباته على الآيات القرآنية لأجل إبراز فكرته والإقناع بها.

لذا تم اعتبار النّورسي من أوائل دعاة التقريب، ورفض الخلاف التركي- الكردي كون الفئتان مسلمتان وإخوة، فالسيف لا يرفع بوجه الأخ، بل بوجه الأعداء حسب رأيه.

من هنا، أتت دعوته إلى تأسيس “مجلس الشورى العلمي” و”النظام النيابي البرلماني”، وهي دعوة منطقية بعيدة عن النداءات الأخلاقية والشعارات الأدبية. وتتم برأيه عبر هيئات تشاورية لتدبير حال الأمة، وعبر مجلس إجتهاديّ تحت إطار الشريعة.

 

معالجاته

 

إلى جانب معالجته للمسألة الإيمانية، اهتم النّورسي كثيرا بمسألة التقريب والتعاضد والتواصل والشورى بين المسلمين من العرب والكرد والفرس، إذ الجامع للكل هو الإسلام والقرآن فقط.

واهتم بالجانب الدعويّ، فأكد على أهمية الأسرة كمعيار لتماسك أو تفكك العلاقات الاجتماعية. واعتبر ، كما العديد من الاصلاحيين، أنّ الشباب هم العمود الفقري للمجتمع. وركز على العدالة السياسية والعدالة الاجتماعية، واعطى أهمية كبرى للمرأة فشجعها على الانتاج الاقتصادي، ورفض دعوات خلع الحجاب التي شجعت عليها وفرضتها العلمانيّة في تركيا والغرب.

ورغم أنه لم يتزوج ولم ينجب بالتالي، إلا أنه بالغ في وصف أهمية الزواج والزوجة ومستوى الكفاءة وكل ما له علاقة بالإرتباط.

وتحت عنوان “الطريق النّوري” تحدّث عن الفطرة وأهميتها، وحصر طريق الفطرة بأربع خطوات، هي: العجز، والفقر، والشفقة، والتفكّر. وهي كلها خطوات روحانية إيمانية.

 

جامعة الزهراء العالميّة

 

وتقوم هذه الجامعة على: توحيد المدارس الدينية المختلفة، وإنقاذ الإسلام من الأساطير  والإسرائيليات، وفتح الباب لنشر محاسن المشروطية، أي الحكم المشروط، وإدراج العلوم الكونية في مناهج المدارس الدينية، وتقليص الهوّة بين المدارس الدينية والمدارس الحديثة وأهل الزوايا أي “التكايا”.

وعمد النّورسي إلى تطبيق رؤاه وفلسفته التغييرية بوسائل متنوعة، أهمّها: الوعظ، والحوار، والكتابة الصحفية، والتأليف، والمواجهة القضائية والمرافعات، والمواجهة السياسيّة. وقد اعتمد المؤلف إبراهيم سليم أبو حليوه على 55 مصدر ومرجع لتأليف كتابه المهم هذا عن الإصلاحي الراحل بديع الزمان النّورسي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى